بيان من د. محمد الأمين التوم، وزير التربية والتعليم

ثورة ديسمبر : تكون أو لا تكون
مستقبل أطفالنا والسودان على المحك

1- مقدمة
يتطلب الفهم الصحيح لبيان السيد / رئيس مجلس الوزراء، الصادر بتاريخ 06/1/2021م، والمتعلق بالمناهج النظر في السياق العام الذي ظهر فيه.

2- السياق العام
لو حاولنا رصد التحديات الكبرى التي تواجه الثورة، لما وجدنا من بينها صورة لوحة مايكل أنجلو أو خطر الفكر الجمهوري على الأمن القومي.
• فالسلام لم يُستكمل بعد. ليس ذلك فحسب، بل إنَّ الحكومة وحاضنتها السياسية ليست لديهما رؤية واضحة لاستكماله. ولا ندري حتى هذه اللحظة إجابة واضحة عن السؤال التالي : هل ستتولى الحكومة قيادة التفاوض أم ستتركه لمجلس السيادة؟
• والحكومة مطالبة بمخاطبة الشعب بشفافية، موضحة له رؤيتها لمعالجة معاناته من قسوة الأوضاع المعيشية التي تزداد شدة مع مر الساعات. وهي مطالبة بالتنسيق مع اللجنة الاقتصادية لقوى الحرية والتغيير (قحت) لتحديد هذه الرؤية.
• إنَّ قوى الثورة تتجاوز كثيرا المجموعات التي يمثلها المجلس المركزي لقحت. وقحت مطالبة بإعادة النظر في هياكلها لتتمكن من استيعاب القوى الموقعة على الاعلان، إضافة إلى التوافق على برنامج حدٍ أدنى لما تبقى من المرحلة الانتقالية.
أمَّا الحاضنة الشعبية ( لجان المقاومة بصورة أساسية)، فتحتاج إلى تمتين تنظيماتها على مستوى القرى والأحياء والمحليات والولايات وإلى تأسيس قيادة ديمقراطية لها.
• يلزم الحكومة أن تنظر جادة في مطالب الجماهير التي رفعتها إليها في عدد من المسيرات المليونية المتتالية، لا سيما ما تعلق منها بملف العدالة.
أما كان الأجدر بالحكومة أن تُمعن النظر في هذه التحديات وفي توسيع دائرة الحوار بشأنها بدلاً من أن ينصرف اهتمامها إلى صورة لمايكل آنجلو على نحو أغرق البلاد في متاهات المتاجرين بالدين؟

3- سياق التربية والتعليم
تشكَّلت لديّ، منذ سنوات مضت، رؤية واضحة عن نظام التعليم ( العام والعالي) في السودان تقوم على فرضية أنَّه غدا وطناً ديمقراطياً يحتفي بتنوع أعراقه وثقافاته ويلتزم بحقوق الانسان وينشد التنمية المستدامة ويسعى لتحقيق العدالة الاجتماعية وإلى امتلاك القدرة على المساهمة في تطوير الحضارة الإنسانية.
وقدمتُ ملامح هذه الرؤية، إضافة إلى راهن التعليم العام، في مؤتمر صحفي عقدته وكالة سونا في 19 نوفمبر 2019م. ودعوت المسؤولين عن التعليم في جميع الولايات لتنظيم مؤتمرات لأصحاب المصلحة في التعليم (أولياء الأمور والتلاميذ والطلاب والمعلمون والإداريون والتربويون ومنظمات المجتمع المدني والحكومة) يتفاكرون فيها في راهن التعليم العام ومستقبله. وشاركت، خلال فترة يناير- فبراير من العام الماضي، في مؤتمرات لأصحاب المصلحة بجميع الولايات، ما عدا ولايتي الشمالية والنيل الأزرق وذلك لأسباب لوجستية.
وعقدنا مؤتمر ثورة ديسمبر للنهوض بالتعليم في أغسطس 2020م اسفيرياً في جميع الولايات. ونظر المؤتمرون في توصيات الولايات، فبتنا نمتلك الآن مشروعاً قومياً متكاملاً لتغيير التعليم العام تغييرا جذريا. ويمكن الاتصال بمكتبنا للتعرف على ما تم إنجازه في مجالات القوانين والتشريعات والمناهج ووضع المعلمين المادي والمهني والبيئة المدرسية ومجانية التعليم والتعليم الالكتروني.
إنَّ بيان السيد/ رئيس الوزراء، بتجاوزه وزير التربية والتعليم في أمر يقع ضمن اختصاصات وزارته الحصرية وبإلغائه جهود اللجان التي أعدَّت المناهج دون إخضاعها للدراسة، إنمَّا يدفع الوزير ومدير المركز القومي للمناهج والبحث التربوي دفعا إلى الاستقالة الفورية.
وثمة جانب آخر في هذا البيان ينبغي أن يُشار إليه ألا وهو: من هو صاحب هذه الفكرة أساساً؟ ومن الذي انتقى هذه المجموعات الدينية؟ ولماذا رتب لها مكتب السيد / رئيس الوزراء أمر مقابلته بدلاً من توجيهها بمقابلة مدير المركز القومي للمناهج والبحث التربوي إبتداءً، ثم مقابلة الوزير إن تعذر التوصل لحل مقبول لقضيتها؟ ويقال أنَّ المجموعات ذاتها التقت أيضاً السيدين / رئيس مجلس السيادة الانتقالي ونائبه للغرض ذاته. وإن صح ذلك، فهل لمجلس السيادة اختصاص في المناهج ؟
وثمة دلائل تشير إلى أنَّ هذا التحرك من قِبل هذه المجموعات الدينية ينبغي أن يُنظر إليه على أنَّه يندرج في إطار المخطط الناعم لفلول النظام المباد لإجهاض الثورة. فإيقاف مشروع التغيير الجذري في وزارة التربية والتعليم إنما يمثل الخطوة الأولى فحسب في هذ المخطط. لقد جربت هذه الفلول الحل العسكري وأجهض الشعب مسعاها. وهاهي الآن تجرب الأساليب الناعمة. ولا بد لنا جميعا من التصدي لها بقوة.
فليذهب الوزير وليذهب المدير وليبقى مشروع التغيير الجذري .

4- مأزق قحت
إنَّ المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير، بإفساحه المجال أمام عناصر الحركة الإسلامية المعادية للثورة لولوج مواقع متقدمة في الجهاز التنفيذي، يكون قد أصاب الثورة في مقتل.
إنَّ مستقبل أطفال السودان ومستقبل الوطن يرتبطان ارتباطاً متينا بمشروع التغيير الجذري في نظام التعليم. وتقع على عاتق المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير مسؤولية الخروج من المأزق الذي أوقع نفسه فيه والعمل على ضمان بقاء هذا المشروع.
وختاماً، أعتقد أنني نهلت، كغيري، من النبع الصافي لقيم الشعب السوداني والإنسانية ومن ضمنها العزوف عن السعي وراء المناصب والنأي عن التشبث بها والوقوف في وجه الظلم والسعي وراء الحقيقة والجهر بها. لذلك، أجد نفسي جزءاً من المعركة الدائرة الآن من أجل الإنتصار لثورة ديسمبر المجيدة.

محمد الأمين أحمد التوم
١٠يناير٢٠٢٠م

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.