بمُناسبة (أربعينية) المُعلِّم ومُربِّي الأجيال .. الأستاذ/ (قرنق أليو أنيانق) – رحيل الأبطال.

عادل شالوكا

 

أُقيمت يوم السبت 20 مايو 2023 صلوات (الأربعين) على روح أحد الرموز الوطنية بدولة جنوب السُّودان، – ويُمكننا القول أيضاً (دولتي السُّودان وجنوب السُّودان) – لأن عطاء (قرنق أليو) الأكبر كان في مدرسة الشيخ لطفي الثانوية بـ(رفاعة) – ولاية الجزيرة بالسُّودان – عندما كانت الدولة موحَّدة – هذه المدرسة العريقة التي إرتبطت بإسمِه.

تدافع الجميع لحضور هذه المناسبة التي تُعتبر تكريماً له، وكان يتقدَّمهم القائد/ أتيم قرنق – القيادي بالحركة الشعبية ونائب رئيس البرلمان السُّوداني (السابق) خلال الفترة الإنتقالية بعد نيفاشا 2005، والأستاذ/ عبد الله دينق نيال – مُرشَّح رئاسة جمهورية السُّودان في العام 2010، ومُمثِّل وزارة التربية بدولة جنوب السُّودان، وسُفراء وأعضاء البرلمان القومي بدولة جنوب السودان ولفيف من القيادات – وأغلبهم خريجي (مدرسة الشيخ لُطفي الثانوية) أو مُعلِّمين درَّسوا في هذه المدرسة وساهموا في تخريج هذه الأجيال – كُنت حضوراً وسعدت كثيراً بذلك برغم إنني لم أدرُس بـ(مدرسة الشيخ لطفي الثانوية) – درست جميع المراحل التعليمية قبل الجامعة بالحصاحيصا بولاية الجزيرة، الثانوي بـ”مدرسة الحصاحيصا الثانوية الجديدة” – ولكنني عندما جلست لإمتحان الشهادة الثانوية كنت قد أقمت بداخلية (مدرسة الشيخ لُطفي) لأكثر من شهر قبل الإمتحانات (معسكر أكاديمي للمُراجعة)، وجميع الذين إمتحنوا للشِهادة الثانوية من (مدرسة الشيخ لُطفي الثانوية) دخلوا أفضل الجامعات السُّودانية. ومنهم شقيقي الأكبر سام إبراهيم شالوكا الذي تحصَّل على دبلوم الطب بمعهد (واو) الصحي بمدني، ولاية الجزيرة – السُّودان، ثم بكالريوس الطب بجامعة جوبا، ثم درجة الماجستير في الطب من يوغندا.

(قرنق أليو) أب ومُربِّي قبل أن يكون مُعلِّماً. قال أحد المتَحدَّثين في هذه المناسبة – مُمثِّل وزارة التربية : (إن “قرنق أليو” لم يجلُد تلميذاً يوماً ما – هو لا يفعل ذلك إطلاقاً).

تحدَّث الجميع عن مآثر الراحل: (مُمثِّلو الأسرة، تلاميذه، ، الأساتذة الذين عملوا معه في مدرسة “الشيخ لُطفي الثانوية”، أصدقائِه، مُمثِّلو الحكومة، وأخيراً ختم الحديث كل من الأستاذ/ عبد الله دينق نيال – والقائد/ أتيم قرنق). جميعهم إتَّفقوا على إنه رجل عظيم وهب حياتِه لتعليم الأجيال وخاصة أبناء جنوب السُّودان في ظروف صعبة أثناء الحرب الثانية (1983 – 2005).

كان إبنه – صديقي الدكتور/ أليو قرنق أليو – (خرِّيج مدرسة الشيخ لُطفي الثانوية) – الحاصل على درجة الدكتوراة في القانون ويشغل حالياً منصب مُدير وحدة التَّدريب بمُنظَّمة (الإيقاد) ويُدير مكتبها بدولة جنوب السُّودان- زميلي في الجامعة حيث دخلنا جامعة الخرطوم في نفس الدفعة (1996) تم قبوله في كلية القانون وأنا قُبِلت في كلية الإقتصاد. طبعاً (أليو قرنق) هو ثمرة أبيه (قرنق أليو)، وله أبناء آخرين كذلك نجحوا في حياتِهم.

تقول السيرة الذاتية للراحل (قرنق أليو أنيانق) – إنه:

– درس المرحلة الإبتدائية والمتوسطة في مدينة (بور) بجنوب السُّودان (1953 – 1962)،

– ودرس المرحلة الثانوية في مدرسة (رومبيك) الثانوية – وهي من المدارس العريقة بجنوب السُّودان، وتحصَّل على الشهادة الثانوية في العام (1969)،

– حصل على دبلوم التربية من معهد بخت الرضا لتدريب المُعلِّمين بـ(الدِّويم) – السُّودان (1971)،

– حصل على دبلوم التربية – من كلية التربية بجامعة الخرطوم (1985)،

– عمل مديراً عاماً بوزارة التربية بدولة جنوب السُّودان (2015 – 2022)،

– عمل مُدرِّباً للمُعلِّمين بمعهد بخت الرضا – الدِّويم، السُّودان،

– عمل مُديراً لمدرسة الشيخ لطفي الثانوية بـ(رُفاعة) – ولاية الجزيرة – السُّودان (1985 – 2011)،

– عمل مُديراً لعدد من المدارس في (بور)، كما عمل مُعلِّماً في أبيي والعباسية تقلي بجنوب كردفان.

– حصل على وسام (المُفتاح الذَّهبي) لمدينة (رُفاعة) بمُحافظة البُطانة، ولاية الجزيرة – السُّودان، في العام 1998،

– حصل على وسام رئاسة جمهورية جنوب السُّودان للخدمة الطويلة المُمتازة في العام 2022.

وهذه تجربة (مدرسة الشيخ لطفي الثانوية) بمدينة (رُفاعة) – كما رواها صديقنا الصحفي والكاتب أتيم سايمون مبيور:

((كواحدة من الصروح الوطنية الشامخات والمآثر السُّودانية الفاعلة في التاريخ الإجتماعي، تجسَّدت فيها عبقرية المكان “مدينة رفاعة” التي شكلَّت معلماً ومنارة للعلم والنهضة لما له من إسهام جبَّار وقف على رأسه رجال ونساء أشِدَّاء قادوا معركة تعليم المرأة بداية بفضل الشيخ بابكر بدري وأحفادِه من بعده، كل تلك المُقوِّمات أدَّت إلى أن تلعب مدينة رفاعة هذا الدور الرِّيادي في توجيه مسار التلاقُح الوطني عبر تجربة “مدرسة الشيخ لطفي الثانوية” الفريدة في السُّودان كإحدى المؤسَّسات العريقة التي أُقيمت بالجُهد الأهلي في ظل ظروف وأوضاع مليئة بالعراقيل والتحدِّيات التي إستطاع معها الشيخ لطفي تحقيق حلمه عقب تقاعُده للمعاش في نهاية العام 1944 بعد أن عمل بالتعليم فور تخرُجهِ من قسم المُعلِّمين بكلية غردون التذكارية. وقد تدرَّج في هذا الحقل حتى وصل إلى درجة مُفتِّش أول اللغة العربية في الخرطوم، ومسؤول عن جميع مدارس السُّودان، فعندما قرَّر الشيخ محمد لطفي عبد الله أن يبني مدرسة بمدينة “رفاعة” واجه كثيراً من العراقيل بالإضافة إلى عروض أُخرى كثيرة قُدِّمت له لبناء المدرسة في مكان آخر غير رفاعة مثل أمدرمان وبحري بتمويل مُعتبر من “السيِّدين”، لكنه رفض ذلك وأصرَّ على قيامها برفاعة – كان يُريد “نقل المدينة إلى الريف” – ولذلك أطلق قولتِه الشهيرة أمام مُدير التعليم البريطاني آنذاك “أنا بفتحها وإنت تعال سِدَّها”، وعندما وجدته السُلطات مُستمسِّكاً بموقفه فرضت عليه مبلغ “ألف جنيه” عبارة عن “أمنية” بغرض التعجيز- وهو مبلغ كبير في ذلك الوقت – ولكن أهالي رفاعة السبَّاقين توافدوا وحقَّقوا رغبتهم بفتح المدرسة في العام 1945، ليستمر عطاؤهم الأهلي الدؤوب في دفع حركة التعليم بمدينة رفاعة، وفي ديسمبر 1985 تبرَّع أحفاد الشيخ لطفي بمباني المدرسة المتوسطة للطلاب النازحين من جنوب السُّودان لتصبح منذ ذلك التاريخ “مدرسة الشيخ لطفي الثانوية”، ولم يكُن هذا بالموقف الغريب أو المُدهِش بالنسبة لرجل وهب حياته لتعليم الأجيال ولعل ما قام به يعكس مدَى إلمامِه بما يُمكن أن تُساهم به هذه المدرسة في العلاقات بين الشمال والجنوب. وقد خلقت تجربة مدرسة الشيخ لطفي جيلاً جديدا قوامه خريجوها الذين ضربوا أمثلة حيَّة للنجاح والمُثابرة ذلك لأن المدرسة وعبر مُديرُها الرمز والمُربِّي الجليل الأستاذ “قرنق اليو أنيانق” إستطاعت أن تُمثِّل مكاناً ينتمي إليه الطُلَّاب والأساتذة والعاملين كأسرة واحدة. وشكَّلت العلاقات المُستمرة التي جعلت قُدامَى الطلاب الذين أكملوا مراحل تعليمهم العالي أساتذة أوفياء بذات المدرسة والتي أحسَّوا فيها بالمكان المُناسب للإسهام، ويُمكن للمُتابع أن يتأكَّد من ذلك بمُجرِّد إلقاء النظر على المواقع الكبيرة التي يتبوؤها الطلاب الذين تخرَّجوا من “مدرسة الشيخ لُطفي الثانوية برفاعة” على مستوَى الجهاز التنفيذي بحكومة دولة جنوب السُّودان وبقية أجهزة الحكم الأخرَى، بالإضافة إلى الأماكن الرفيعة بالخدمة المدنية في مُختلف أجزاء القُطر، فخرِّيجوا مدرسة الشيخ لطفي فيهم الآن من هم على أعتاب درجة الدكتوراة في الترقِّي الأكاديمي وفيهم من نال درجة الدكتوراة بالفعل، هؤلاء لازالت تربطهم أواصر الإنتماء والحنين، وتعارفوا على مُناداة أنفسهم “باللُطفجية” – في إشارة إلى مدرسة الشيخ لطفي الثانوية – وقد قام إتحاد طلاب جنوب السُّودان في مُبادرة مُقدَّرة لرد الفضل لأهلِه بتكريم أسرة الشيخ محمد لطفي عبد الله في أبريل عام 2019، لهذا العطاء الجبَّار وغير المحدود عبر المدرسة)) – إنتهَى الإقتباس.

عندما يُكتَب تاريخ الأبطال في دولة جنوب السُّودان، لا بد أن يُذكَر الأستاذ المُربِّي ومُعلِّم الأجيال (قرنق أليو أنيانق). لأنه ناضل بأهم وأخطر الأسلحة، وهو سلاح العلم والمعرفة. وسلاح العلم ليس مثل البندقية التي يستطيع أي شخص أن يتدرَّب عليها (فك، تركيب، وتنشين) – ثم يتدرَّب على التاكتيك في حالة (الهجوم والدفاع .. وغيرِه). فهو سلاح يحتاج لمُربِّي في المقام الأول، ثم لشخص له القُدرة على صناعة أجيال المُستقبل .. وهذا ما فعله الأستاذ المُربِّي (قرنق أليو).

(قرنق أليو) قدَّم لدولة جنوب السُّودان خيرة الكوادِر – ويُمكنني القول: (إنه لا توجد مؤسَّسة حالياً في دولة جنوب السُّودان لا يوجد فيها أحد خريجي “مدرسة الشيخ لطفي الثانوية”). وحسناً فعل القائد/ سلفاكير ميارديت – رئيس جمهورية جنوب السُّودان، عندما سمح بدفن جثمان الراحل الأستاذ (قرنق أليو) في مقبرة الشُهداء بدولة جنوب السُّودان تكريماً له ولعطائِه. وأتمنَّى أن تقوم حكومة جنوب السُّودان ببناء مدرسة (ثانوية – نموذجية) بإسم الراحل (قرنق أليو) في جوبا، تكريماً له، وتخليداً لذكراه.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.