برير إسماعيل .. يكتب عن إستقالة حمدوك

هل حقيقة إستقال د. حمدوك من منصبه كرئيس لمجلس وزراء الإنقلابيين أم إنه غادر محطة مكوِّنات المنظومة الإنقلابية ليلتحق بالشارع السوداني الثائر الذي لا يخون على طريقته الخاصة?.

هل حقيقة إستقال د. حمدوك من منصبه كرئيس لمجلس وزراء الإنقلابيين أم إنه غادر محطة مكوِّنات المنظومة الإنقلابية ليلتحق بالشارع السوداني الثائر الذي لا يخون على طريقته الخاصة?.

لو أراد د. حمدوك تقديم إستقالته بالمفهوم المتعارف عليه للإستقالة المسبَّبة لفعل ذلك منذ العام الأول الذي إستلم فيه مهام رئيس الوزراء بعد ثورة جماهيرية عارمة لأنه وجد نفسه آنذاك يقوم بدور رئيس الوزراء بطريقة صُورية خالية تماماً من معظم السلطات و الصلاحيات بسبب سيطرة اللجنة الأمنية على مقاليد السلطة و زد على ذلك إنه كان يعانى من العبث السياسي الذي أحدثته قوى الحرية و التغيير الحاضنة السياسية التي أتت به رئيساً للوزراء وفقاً لمعايير لازالت مبهمة لملايين المواطنين.

تعتبر إستقالة د. حمدوك من منصبه كرئيس لمجلس وزراء المنظومة الإنقلابية الآن زوبعة في فنجان بل هي في حقيقتها حركة سياسية في شكل وردة هدفها الإستراتيجي هو الخروج من المأزق الكبير الذي أوقع فيه د. حمدوك نفسه بعد التقدير السياسي الخاطيء الذي عقب حدوث إنقلاب 25 أكتوبر 2021م حينها كانت لديه فرصة تاريخية كبيرة لخوض المعركة الوطنية مع الحركة الجماهيرية التي ملأت مليونياتها الشوارع في كل إنحاء السودان و في الخارج من أجل هزيمة الإنقلابيين.

مع كل ذلك فإنَّ الحقيقة التي يعرفها د. حمدوك نفسه تقول إنَّ الحركة الجماهيرية لن تخسر مثقال ذرة من حركة الإستقالة الوردية الموغلة في الكلام العاطفي لسبب في غاية البساطة هو أنَّ وجود د. حمدوك كرئيس للوزراء قبل أو بعد الإنقلاب الأخير كان وجوداً صُورياً لجملة من الحقائق و المعطيات المعروفة يأتي على رأسها ضعف الحاضنة السياسية و ضعف كذلك المرحومة الوثيقة الدستورية نفسها و زد على ذلك وجود المشاكسات و المزايدات السياسية بين مكونات الحاضنة السياسية التي خدمت بدورها الإنقلابيين قبل و بعد حدوث الإنقلاب.

الحركة الجماهيرية السودانية الثائرة التي ملأت الشوارع و قدمت التضحيات الكبيرة منذ حدوث الإنقلاب الأخير هي التي أجبرت د. حمدوك على الإقدام على هذه الخطوة التي أطلق عليها هو مصطلح إستقالة وهي ليست كذلك و إنما هي تراجع واضح و صريح عن الإتفاق الذي وقَّع عليه مع الجنرال البرهان لأنه إتفاق فاقد للشرعيتين الدستورية و الثورية و فاقد كذلك للإجماع السياسي و للسند الجماهيري.

للإستقالة أدب متعارف عليه وهي حق مشروع لكل المواطنين و المواطنات و يتم تقديمها في الظروف العادية إلى المسؤولين في المؤسسات الراشدة و لأنَّ د. حمدوك يعلم علم اليقين بأن مؤسسات الدولة السودانية الحالية مؤسسات قائمة على القرصنة و السلبطة و اللُبط السياسية الأمر الذي درجت عليه الدولة السودانية منذ أكثر من ستين عاماً هي عُمر ما يُسمى بالإستقلال الذي كان في حقيقته إستغلالاً قام بتقديمها إلى الشارع السوداني الثائر عسى و لعلَّ أن يغفر له الشارع إنحيازه للمنظومة الإنقلابية بناءً على تقديرات سياسية أثبتت التجربة العملية عدم صحتها.

الخسران الأول و الأخير من الخطوة السياسية التي أقدم عليها د. حمدوك هي المنظومة الإنقلابية التي سوف ينكشف ظهرها إقليمياً و دولياً في مقبل الأيام لأنها أصلاً معزولة داخلياً.

بعد الخطوة السياسية التي أقدم عليها د. حمدوك رئيس مجلس وزراء الإنقلابيين السابق لاحت الآن في الأفق السياسي الراشد مجدداً فرصة تاريخية ربما تكون نادرة لقيادات الحركات الثورية المسلحة التي وقَّعت على إتفاقيات جوبا للسلام و التي هي الآن جزء من مكوِّنات المنظومة الإنقلابية المرفوضة جماهيرياً في كل أجزاء السودان فرصة نادرة لكي تنسحب من الإنقلابيين و تحذوا حذو د. حمدوك حتى تتم تعرية اللجنة الأمنية الإنقلابية أمام الشارع السوداني الثائر إن أرادت هذه القيادات أن تعيد إليها ثقة الشارع و ترفع الحرج السياسي الكبير عن جماهيرها و عضويتها التي تعتبر من مكوِّنات الشارع السوداني الثائر في الداخل و الخارج.

لن يستطيع الذين وقَّعوا على إتفاقيات سلام جوبا و لكنهم ساندوا اللجنة الإمنية الإنقلابية أن يسوقوا الناس بالخلاء بإسم السلام و وقف الحرب التي كانت واقفة حتى قبل الثورة في حالة إستمرارهم في مساندة الإنقلاب لأن السلام لا يمكن أن يكون مع الإنقلابيين و إنما يكون دائماً و أبداً مع مؤسسات الدولة الراشدة و مع المجتمع المدني العريض.

سيكون بقاء السودان مُوحَّداً أرضاً و شعوباً مرهوناً بوحدة الحركة الجماهيرية و بوحدة الحاضنة السياسية و بوحدة البرنامج الوطني الذي يكون هدفه الإستراتيجي الإطاحة باللجنة الأمنية التي تريد وراثة نظام الجبهة الإسلامية القومية.

في نفس الوقت فرض عين الآن و بدون تأخير ليوم واحد على كل مكوِّنات تحالف قوى الحرية و التغيير إعادة النظر في حساباتها و صراعاتها السياسية العبثية التي كانت من الأسباب الرئيسة لإنفراد اللجنة الأمنية بالسلطة ليفتح الجميع صفحة جديدة مع بعضهم البعض لأن البلد تمر الآن بمرحلة تكون أو لا تكون و بالتالي هي في حاجة ماسة للوحدة في الشارع و الوحدة في القيادة و الوحدة في البرنامح الذي يلبي طموحات و تطلعات الشارع.

ليس أمام كل الذين لديهم مصلحة حقيقية في التغيير الثوري العميق في السودان و في بقاء السودان بلداً موحَّداً على أسس جديدة وقتاً إضافياً للمناورات السياسية و الصراعات العبثية بعد مغادرة د. حمدوك للمنظومة الإنقلابية و إنحيازه للشارع.

لابد من فتح جسور التواصل و الحوار الوطني الجاد ما بين لجان المقاومة و قوى الحرية و التغيير الموحَّدة وفقاً لبرنامج و سقوفات الشارع السياسية و الجبهة الثورية الموحَّدة وفقاً لبرنامج و سقوفات الشارع السياسية و تجمع المهنيين الموحَّد وفقاً لبرنامج و سقوفات الشارع السياسية لتتضافر جهود كل قوى الثورة من أجل هزيمة اللجنة الأمنية و هزيمة جنجويدها حتى لا تضيع البلاد لأن أرادة الشعب هي الأقوى و هي المنتصرة طال الزمن أم قصر.

المؤسسات العسكرية و الشُرطية و الأمنية السودانية ليست بعدو للمواطنين من حيث المبدأ و لا توجد بلد في العالم بلا مؤسسات عسكرية و شُرطية و أمنية يكون هدفها المعلن خدمة المواطنين و لكن المؤسسات العسكرية و الأمنية المختطفة حالياً من قِبل اللجنة الأمنية هي التي إستعدت المواطنين عندما نازلتهم بالأسلحة الثقيلة في مسيراتهم السلمية و كأنهم جيش محتل أتى من خارج السودان.

المطلوب من الساسة الراشدين بقوة دفع جماهيرية ثورية و من الوطنيين في داخل المؤسسات العسكرية و الشُرطية و الأمنية تحريرها من الكوادر غير المؤهلة وطنيا و أخلاقيا لأن تاريخ هذه المؤسسات العسكرية خاصة الجيش السوداني موغل في إسالة الدماء و في قتل المواطنيين السودانيين في أطراف و هوامش السودان الأمر الذي إنتقل مؤخراً بعد مذبحة الإعتصام إلى مركز السلطة في الخرطوم.

الحقيقة المرة تقول إنَّ الجيش السوداني و مليشياته القبلية و العقائدية قتلوا ملايين السودانيين في الجنوب و دارفور و جبال النوبة و جنوب النيل الأزرق بعد خوض هذا الجيش لأشهر حربين للإبادة الجماعية في السنوات الأخيرة.

الخلاصة تقول إنَّ الحركة الجماهيرية الثائرة سوف تكسب الرهان في خاتمة المطاف بعزيمة لجان مقاومتها و بحراك قواها السياسية و المدنيَّة الحيَّة و بوحدة قيادتها المناوئة لكل مكوِّنات المنظومة الإنقلابية على أن يظل الباب مفتوحاً لكل الذين يريدون مغادرة محطة المنظومة الإنقلابية التي تقودها اللجنة الأمنية للإنضمام لمعسكر الثورة الكبير و إلا فالطوفان الذي سيغرق بسببه الجميع.

كارديف – 03 يناير 2022م

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.