بابكر فيصل: يقرر مصيره و يختار الجنسية الأمريكية ويحرم شعوبًا من حق تقرير المصير

بقلم: عمار نجم الدين

 

 

في مشهد كاريكاتوري يفضح انتهازية النخب السياسية السودانية، خرج علينا بابكر فيصل، القيادي في التجمع الاتحادي الديمقراطي وأحد رموز تحالف “تقدم”، ليضع “خطًا أحمر” على حق الشعوب المضطهدة في تقرير مصيرها، رغم أنه لم يتردد لحظة في اتخاذ قراره الشخصي بالهروب إلى الولايات المتحدة، حيث حصل على اللجوء السياسي وأصبح مواطنًا أمريكيًا! كيف لمن اختار مصيره بحرية أن يحرم الملايين من الحق ذاته؟ إنها انتهازية صادمة، ونموذج فجّ لسياسة الكيل بمكيالين التي يمارسها “مثقفو المركز”.

بابكر فيصل لم يكتفِ بممارسة حقه الفردي، بل يريد مصادرة هذا الحق من الشعوب التي خضعت لعقود من الهيمنة المركزية. فهو يرى أن “الوحدة الطوعية” خط أحمر، وأن السودان يجب أن يبقى موحدًا بالقهر، وليس عبر الاختيار الحر. فأي ديمقراطية هذه التي تمنح فردًا حق تقرير مستقبله، بينما تحرم الملايين منه؟

في القانون الدولي، المصطلح واضح: “Right to Self-Determination” أو “حق تقرير المصير”، وليس مجرد “تقرير المصير” كما ادّعى فيصل في لقائه مع عزام عبد الله على يوتيوب. الفرق جوهري، فالأول حق قانوني ملزم، ورد في المادة 1 من ميثاق الأمم المتحدة، وكذلك في العهدين الدوليين لحقوق الإنسان، مما يجعله قاعدة دولية ثابتة. أما الثاني، فهو تعبير فضفاض يمكن التلاعب به سياسيًا. فيصل يدافع عن “الوحدة الطوعية”، لكنه في الواقع يروج لوحدة قهرية مفروضة بالقوة.

إن الوحدة الطوعية ليست شعارًا سياسيًا، بل مبدأ قانوني لا يتحقق إلا إذا كان الانفصال خيارًا مشروعًا. حين يُمنع حق تقرير المصير، تتحول الوحدة إلى سجن سياسي واقتصادي، حيث تظل الشعوب في تبعية قسرية للمركز. هذه هي الوحدة القهرية، الوجه الآخر للاستعمار الداخلي، حيث يتم استبدال المستعمر الأجنبي بسلطة مركزية تقمع الحقوق باسم الوطنية الزائفة.

لكن الأمر لا يتوقف عند الجهل بالقانون الدولي، بل يتعداه إلى التواطؤ الأيديولوجي. فيصل وأمثاله يتحدثون عن الحريات عندما يتعلق الأمر بأنفسهم و يستعملونه كحق شخص المواد 13 و15 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والتي تؤكد على حرية التنقل واختيار الجنسية ، لكنهم يصبحون مستبدين حين تطالب الشعوب المضطهدة بالحقوق ذاتها. لماذا يصبح حق تقرير المصير مقدسًا في أوروبا وأمريكا، لكنه جريمة في السودان؟

 

الفضيحة ليست فقط في موقف بابكر فيصل، بل في أن هذه النماذج من السياسيين الذين يؤدلجون المعرفة لصالح امتيازاتهم هي التي يُراد لها أن تتحكم في مصير السودان. يظن البعض أنهم “عقول كبيرة”، لكن القبة ما تحتها فكي بل تحتها فراغ كبير لا فهم حقيقي للقانون الدولي، لا استيعاب لمفاهيم الديمقراطية، فقط خطاب إقصائي يعيد إنتاج الهيمنة المركزية.

 

لكن الشعوب لم تعد تنتظر إذنًا من أحد. إن حق تقرير المصير والوحدة الطوعية ليسا قابليْن للنقاش، ولا خاضعين لصفقات النخب المركزية، بل هما حقوق أصيلة ستنتزعها الشعوب، مهما حاول دعاة المركز إنكارها!

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.