الوليد مادبو، لا يري، لم يقرا ولا يسمع ولكن – (طال عمره) يقرر!(١ – ٣)
✍🏿: بروفسيور. خالد كودى
طالعت مقالا للدكتور الأمير الوليد مادبو في سودان نايل بعنوان (ماذا تقدم العلمانية لأصحاب السعية والنفوس الرضية؟) سأستخدم تعبير (الأمير) ومترادفاته في هذا الرد مقرونا بإسم الوليد مادبو بناءا على تعريفه لنفسه ك (أمير!) في إحدى الحوارات الإسفيرية!
نعلق على بعض فقرات مقاله.
إستهل الدكتور مقاله بإفتراض هذا نصه:
(حالما عجزت (قحت) عن إقناع الكتلة الديمقراطية بالإنضمام للإتفاق الإطاري لجأت لمحاولة في إستبدالها بجماعة الحلو التي ما زالت متمسكة بخياري العلمانية وتقرير المصير. يجب أن نفكر في السبل الدستورية التي ستحقق الفدرالية الثقافية والسياسية والإقتصادية، ففكرة إستبدال مجموعة بأخرى حيل إنقاذية قديمة أثبتت عدم جدواها طيلة الثلاث عقود)
اولا، واضح أن الدكتور مشوش وقد إختلطت عليه وضعية مراكز القوي في السودان! فالحركة الشعبية في وضع أخلاقى ومادي متفوق على الأحزاب الشمالية منفردة كانت أو مجتمعة في تكوينات مثل قحت أو غيرها، وعليه ليست في رادارها الإستجابة والتبعية لمغامرات وتجارب هذه الأجسام. فيعد مثيرا للضحك ان يعتقد اي من المهتمين بالشأن السوداني العام أن قحت ستقنع الحركة الشعبية بأفكارها النافذة والعبقرية – فقحت لا حول ولا قوة سياسية ولا تنظيمية لها. قحت تتخبط في المواقف منذ سقوط نظام الإنقاذ في أبريل ٢٠١٩، وقحت في حالة لا تحسد عليها من إدمان للفشل .
وفي المقابل، للحركة الشعبية موقف متماسك من التغيير الذي يؤدي إلى بناء وطن ديمقراطي علماني لا مركزي ويحكم مدنيا. للحركة الشعبية رؤية مبذول منهجها و سمت فيها منطلقاتها وادواتها وغاياتها – أهدافها سمتها وبوضوح لا لبس فيه، ولكن يبدو ان الأمير لا يبارح القصر، فهو لم يقرا، لا يسمع لا يري ولكنه يقرر – طويل العمر .
ثانيا، ما اسماها الدكتور الامير ب(جماعة الحلو)، ويعني الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال طبعا!
الحركة الشعبية الذي يستصغرها الوليد مادبو أنجزت ثورة عظيمة أدلتها قائمة وحقيقية وبالطبع لا تتوقف علي إدراك أو وعي أو إعتراف الوليد مادبو أو غيره بها. فبناءا علي رؤية السودان الجديد، قاتلت الحركة الشعبية لتحرير السودان من أجل الكرامة ودافعت عن الحقوق بأبطال جيشها الشعبي ضد هيل وهيلمان الجيش السوداني النظامي والمليشيات العنصرية المتناسخة من قوات مراحيل إلى دفاع شعبي إلى المتحركات الجهادية الموسمية إلى جنجويد وما إليه، وانتصرت عليهم مجتمعين. وبنت الحركة الشعبية لتحرير السودان ديمقراطية علمانية، ونظام حكم لا مركزي على رأسه سلطة مدنية تدير وبكفاءة أراضي محررة تتجاوز في مساحتها مساحة دولتي رواندا وبروندي مجتمعتين. إستطاعت الحركة الشعبية بناء واقع مستدام في بعض من السودان- والصحيح، اذا ماكان للدكتور ومن يقترح من جماعات ثمة عقل أنظروا إلى واقع الأراضى المحررة اليوم لبعض من الإلهام والتعلم من ثورة وثوار السودان الجديد، ولكن الأمير لا يبارح القصر، فهو لم يقرأ، لايسمع لايري!
وفي مناطق سيطرة الحكومة، محسوبي الحركة الشعبية ناضلوا ولايزالوا يناضلون مع غيرهم من الذين ينشدون تغييرا ذات معني للجميع، تغيير في بنية دولة مابعد الإستعمار اسوا بما في الدول التي نالت إستقلالها في نفس حقبة إستقلال السودان وإستطاعت أن تبني أوطان حديثة ومزدهرة، وأسوأ بما حدث في الأراضى المحررة.
ثالثا، لنذكر الأمير أن التاريخ لا يرجع للوراء أبدا، فالحركة الشعبية اليوم تجاوزت فعليا/ ماديا ما جاء به في مقاله من إقتراحات غير ناضجة، وواقع الأراضي المحررة في مقابل واقع مناطق سيطرة الحكومة يثبت هذا!
يقول الدكتور:
( إن أنجع السبل في العمل السياسي تكمن في أهمية مواجهة المشكلة وضرورة التفكير بجرأة وواقعية لإيجاد الحلول لها في حينها لأن التسويف لا يزيد المشاكل إلا تعقيداً وقد دلت التجارب كافة على ذلك)
ولنتختبر هذا مع طويل العمر الأمير الدكتور!
في سؤال من الرفيق الجاك محمود للقائد عبد العزيز الحلو حول ماهية جذور هذه المشكلة، أي الأزمة الوطنية السودانية؟
اجاب الرفيق الحلو : (أساس الأزمة الوطنية يتمثل في مشكلة الهوية، أي هوية الدولة السودانية. فعندما أعلنوا في العام ١٩٥٥ أن الدولة السودانية عربية إسلامية، لم يعترف بذلك معظم المواطنين السودانيين، بل قاوموا ذلك بشدة حتى إنفصل جنوب السودان في العام ٢٠١١. ثم ظهر الجنوب الجديد على الفور والذي يمتد من النيل الأزرق في الحدود مع إثيوبيا، مروراً بجبال النوبة، منطقة أبيي وحتى دارفور على الحدود مع أفريقيا الوسطى – تشاد – ليبيا ومصر)
فالسودان ومنذ إستقلاله لم ينجح القائمون علي أمره والذين احتكروا السلطة والثروة في تبني مشروع وطني يكفل كرامة كل المواطنين، يحفظ حقوقهم الأساسية، وحقوق المجتمعات في المشاركة المتساوية في الثروة والسلطة، ويبني دولة حديثة.
يقول احد اعظم المؤرخين الامركان، د. هوارد زن
“The memory of oppressed people is one thing that cannot be taken away, and for such people, with such memories, revolt is always an inch below the surface.”
― Howard Zinn, A People’s History of the United States
ويمكن ترجمة المقولة إلى :
“ذاكرة المضطهدين شيء لا يمكن أن ينتزع / يلغي، وبالنسبة لهؤلاء الناس، مع مثل هذه الذكريات، فإن التمرد دائمًا ما يكون بوصة واحده تحت السطح.”
ولأن النخب كانت ولا تزال ترقص حول حول جذور المشكل السوداني الذي أدى إلى الجرائم الكبري والقعود عن اي نهضة، ولا تمتلك المعرفة أو الشجاعة أو الأخلاق لكي تسمي طبيعة المشكلة ومن ثم تجد في حلها، من الطبيعي أن نعيش تمرد بعد تمرد، و ثورة بعد الأخرى تتراوح في مقاومتها مابين الرفض السلمي إلى الإحتجاج والمقاومة المسلحة.
فإن إستوعب الأمير الوليد مادبو ماقاله (هوارد زن) سيدرك أن للتاريخ تداعيات، وللتاريخ مع الظلم تداعيات ولا مفر من الإنفجار متي ما تم تجاهل هذه التداعيات. فالوقائع والأحداث تتراكم والزمن، وتشكل واقعا ماديا يعادل أهمية وثقل الأحداث نفسها ولا يمكن القفز على هذا الواقع. بمعني: أن للسودان تاريخ مع أحداث عظيمة تعمل في واقعنا المعاصر وبكثافة. فلتاريخ الرق في السودان تداعيات، وللعنصرية في السودان تداعيات، وللإبادة الإثنية الفاعلة تداعيات، وللحروب الفاعلة تداعيات، ولجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية تداعيات، ولغمط إنسانية وكرامة المواطنين في وطنهم تداعيات- ولا يمكن القفز على ما يشكل طبيعة المشكلة في السودان مالم نسميها منطلقا!
ونواصل مع طويل العمر الأمير الوليد آدم مادبو
بوسطن 4/ يناير 2023
كلام في الصميم. تحياتي بروف كودي.