النساء في قلب الصراع 1 (العدالة الانتقالية)
منال ابراهيم حسين
توطئة:
كثيرا ما نقرأ عبارة (المرأة نصف المجتمع)، ولكن حينما ينشب الصراع نجدها أولى الضحايا، بل هي الورقة الرابحة ضمن تكتيكات الحروب، فكأنها تفند هذه المقولة وتثبت عكسها بأن (المرأة كل المجتمع)، و يعد العنف ضد المرأة سلوك أكثر إنحرافا و ظاهرة مثيرة للقلق و تستفحل في شتى شرائح المجتمع و تترتب عليه آثار عديدة بتكلفة إقتصادية و بشرية كبيرة.
ولدور المرأة الريادي في بناء يتحتم علينا تقويتها وإعدادها بالتعليم والتوعية والإرشاد لضمان أجيالا أسوياء ومجتمع سليم ومتعافي، ولا نجعلها خلقا آخر متخلية عن طبيعتها الفيسيولوجية والنفسية التي تساعدها علي القيام بمهامها. فهي إذن قضية الجميع.
ولكن المتتبع للأحداث في العقدين الماضيين ومع حدوث النزاعات والصراع في كثير من الدول والأقاليم لأسباب مختلفة، نجد أن المرأة في طليعة ضحايا الحرب، وورقة ضغط وإستجداء لمآرب سياسية وإقتصادية وإجتماعية، وأحيانا علينا أن نبتعد قليلا لنرى الأشياء بوضوح.
أشكال التمييز التي تمارس ضد المرأة في النزاع:
تشير بعض الدراسات إلى أشكال التمييز التي تتفاقم ضد المرأة قبيل بدء الحرب أو أثناء الحرب أو خلال فترات النزاع، وتعتبر من مخلفات الحرب، إذ ترتفع في مناطق الحروب مقارنة بالأوساط غير المتضررة، وتتباين في أشكالها كالعنف القائم على النوع، الإستعباد، التعذيب، القتل، الإرهاب، التزويج القسري، الإغتصاب، العنف الجنسي، فتكون النساء والفتيات أمام خطر الحمل غير المخطط له، الإجهاض الغير آمن، الأمراض المنقولة جنسيا، التعرض للنزوح، اللجوء، التهجير القسري، فضلا عن فقدان المأوى أو أحد الأقارب أو اطفالها، الإنفصال عن العائلة، الشعور بالعجز والوحدة، العيش تحت وطأة الفقر، الحرمان من التعليم، الخوف من أي هجمات إعتدائية، فضلا عن عزلهن وتعذر وصولهن لمراكز الرعاية الصحية ،والصحة الجنسية والإنجابية.
ولا شك فإن الأثر الإجتماعى والنفسي الكبير لأشكال التمييز ضد المرأة في مناطق النزاع تشكل معضلة أمام صانعي السلام وفض النزاع ومؤسسات تحقيق العدالة والعدالة الإنتقالية.
ولتحقيق العدالة الإنتقالية يجب إصلاح مؤسسات المنظومة العدلية ويوجب ذلك سن وتعديل كافة القوانين.و إجراء المحاكمات جبرا للضرر وردا لإعتبار الضحايا وأسرهم لا سيما النساء و معالجة جذور قضايا الصراعات والنزاعات التي إنتهكت حقوق وكرامة النساء مع ضمان تقصي كامل للحقائق حول من إنتهكوا الحقوق فإن العدالة الإنتقالية لا تعني الإفلات من العقاب، بل تعني مزيدا من التدابير القضائية و الغير قضائية عبر آليات و مفوضيات العدالة الإنتقالية والمسئولية الجنائية على جرائم العنف ضد النوع الإجتماعي.
*دور المرأة في السلام:*
على الرغم من أشكال المعاناة التي إرتبطت بالمرأة في مناطق النزاع والصراع وإظهارها على أنها في قلب الصراع ،و الضحية الأولى، إلا أن للمرأة دور كبير في عمليات بناء السلام والتعايش السلمي والتعافي، فضلا عن أن لديها تاريخ نضالي كبير في الثورات وحركات المقاومة ضد الظلم والإضطهاد والشمولية، وهي مدافعة عن حقوق الإنسان، لذلك لابد من وضع قوانين ترد لها كرامتها وعزتها كإنسانة في المقام الأول.
*آليات تحقيق العدالة للمرأة كضحية نزاع:*
إن البحث عن مستقبل سلمي وآمن للجميع أمر عسير، لكن هناك تجارب لضحايا الصراعات حقق لهم العدالة، جاء ذلك بما يسمي العدالة الإنتقالية والتي تشير إلى مجموعة التدابير القضائية وغير القضائية التي قامت بتطبيقها دول مختلفة من أجل معالجة ما ورثته من إنتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. وتتضمّن هذه التدابير الملاحقات القضائية، ولجان الحقيقة، وبرامج جبر الضرر وأشكال متنوّعة من إصلاح المؤسسات. وليست العدالة الإنتقالية نوعًا “خاصًّا” من العدالة، وإنّما هى مقاربة لتحقيق العدالة في فترات الإنتقال من النزاع و/أو قمع الدولة. ومن خلال محاولة تحقيق المحاسبة والتعويض عن الضحايا، تقدّم العدالة الإنتقالية إعترافاً بحقوق الضحايا وتشجّع الثقة المدنية، وتقوّي سيادة القانون والديمقراطية.
لذلك فإن العدالة الإنتقالية تعني بالضّحايا لا سيما المرأة قبل أي إعتبار آخر، وهي تصب جل تركيزهم علي حقوقهم وكرامتهم بصفتهم مواطنين وأشخاص علي حد سواء.
*ختاما:*
طالما هناك شعوب تقطن على الأرض لابد من أن يكون هناك خلاف أو اختلاف أو نزاع أو صراع وحروب، وإلا لما كانوا أصحاء، فالخلاف سنة الحياة لكن الحكمة تتمحور حول إدارة الخلاف والصراع بسبل تضمن الحلول السلمية بعيدا عن الحرب المسلحة وتبعاته التي تضر بالمجتمع والمرأة في مقدمته، بالحكم الرشيد وقبول الآخر، كما هو عليه يمكن أن يولد أفقا سياسيا وإقتصاديا وإجتماعيا يجعلنا نعيش في سلام وعدالة إجتماعية ونتسابق نحو التنمية والتنمية المستدامة، أمل وتطلعات النساء السودانيات وهن في قلب الصراع.