النخبة الشمالية .. عقلية وصائية أم أستاذية سياسية (2) لماذا قفز “د. محمد جلال هاشم” من سفينة الكتلة التاريخية؟

✍️🏽أنس آدم

نواصل حيث وقفنا فى مقالنا الحلقة الأولى، عند تفنيد الخطاب المفتوح الذي أرسله “د. محمد جلال هاشم” إلى الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال. وقمنا بعرض بعضاً من فقرات الوثيقتين تحالف “تأسيس 2025″ والكتلة التاريخية 2019 مع إجراء مقارنات نصيَّة. وهنا فى الحلقة الثانية نتطرق لجزئية أخرى فى الخطاب متصلة بـ”الإنتهاكات والفظائع” التى ذكرها في خطابه وإستند عليها في خطوة إنتهازية غير موفقه ومحاولة يائسة منه لمحاكمة الحركة الشعبية أمام الرأي العام وفى بازار المنصات الرقميَّة؛

تمكنت الحركة الشعبية منذ نشأتها فى العام 1983 من تشخيص المشكلة السودانيَّة، تشخيصاً سليماً وقدَّمت تعريفاً دقيقاً وعلمياً لطبيعة الصراع فى السودان “أنظر البيان السياسي للحركة الشعبية Manifesto” موضحة أن جذور المشكلة السودانية تكمن في الصراع بين المركز والهامش – كما نبَّه وأشار القائد عبد العزيز آدم الحلو في خطابه التاريخي بقاعة جومو كنياتا للمؤتمرات– نيروبي 18 فبراير2025 – إلى أن: (الحرب وصلت الشرق وإنت ماشي لغاية ما هسه خشت الخرطوم – السبب شنو؟ السبب إنو جوهر الصراع هو كما تقول الحركة الشعبية من 1983 هو صراع بين المركز والهامش). ومن هذا المنحى، إن إدراك ووعي الشعوب السودانيَّة وأياً من القوى السياسية والمدنية، وكفاح مسلَّحة بطبيعة الصراع وإنتقالها من خانة (السَّودان القديم) إلى (السودان الجديد) بلا شك يُعد قاصمة الظهر لكارتيلات بورتسودان الإسلاموعروبية؛ وبالطبع يشكل داعماً وركيزة أساسية لمشروع التغيير، سيما حالة “قوات الدعم السريع اليوم” شكلت بتحولها النوعي مكسباً سياسياً وعسكرياً لقوى السَّودان الجديد فى مقدمتها الحركة الشعبية. فقد إعترفت مؤسسة الدعم السريع ومعها مكونات تحالف تأسيس” بالقضايا المصيرية التى تهربت منها على الدوام، النخبة الشمالية الفاشلة والإنتهازية (حاكمة ومعارضة) وهي قضايا تشكل جذوراً تاريخية للمشكلة السودانية كـ(علاقة الدين بالدولة، أزمة الهوية، قضايا الأرض، المركزية الإسلاموعروبية القابضة، التنمية غير المتوازنة…الخ) لذلك لم تتردد الحركة الشعبية فى الترحيب بكل القوى السياسية التى تخلت عن النادي السياسي القديم وإلتحقت بكشوفات قوى الثورة الحية والراغبة فى التغيير. فلماذ ترفض الحركة الشعبية تلك القوى؟! كما يريد الدكتور “هاشم”.

إن الواقعيَّة السياسيَّة وبالإضافة إلى قواعد وأسس بناء التحالفات السياسية والعسكرية من (الأهداف، المبادئ، والقضايا) إلى (توازن القوة والمصلحة) فى عالم اليوم هي التي تحكم عملية صناعة التحالفات وتضع الإطار السليم والخارطة الصحيحة لأي من التحالفات والتكتلات والتشبيكات؛ ففى حالة التوافق على أهداف مشتركة كـ(تفكيك دولة التفويض الإلهى) ورؤية سياسية كـ(السودان الجديد) – فما المانع إذاً من تكوين التحالف فى ظل توفر المناخ السياسي المُلائم، والشروط، والمعايير؟… وما لا يتسق مع الواقع أن يذهب (د. هاشم) في تشكيل موقفه السياسي السلبي تجاه الحركة الشعبية على أساس إنتهاكات الدعم السريع كما ورد فى خطابه وفي الوقت ذاته يتغاضى عن عمد حتى مجرد الإشارة إلى فظائع وجرائم مؤسسة البرهان الإرهابية والمؤدلجة التي يُسميها بـ”مؤسسة الدولة الوطنية” وبالتأكيد مؤسسة لا تمت للوطنية بصله.

وللحقيقة، فقد عجزت قوى وفئات سودانية واعية ذات صلة بالتنوير والفكر وكانت مهتمه ومطلعه على كتابات ومؤلفات د. هاشم، عجزت عن تفسير التحول الدراماتيكي فى مواقفه وإتجاهاته السياسية التى أظهرت تناقضاً وبوناً واسعاً مع منتوجه المعرفي؛ وإصراراً منه على إثبات فرضية خطأ الحركة الشعبية فى تحالفها فقد حرص على حشد مسوغات عدة فى خطابه نقتبس منها: “إن حرب 15 أبريل 2023 وبالشواهِد والأدِلة، مدعومه إقليمياً ودولياً وأن هنالك دول ترعى قوات الدعم السريع وتمِدَّها بالأسلِحة والمال والعتاد وتجنيد المرتزقة من دول الجوار بل حتى من أمريكا اللاتينية وأنها تستخدم في ذلك مطار أم جرس”. وهنا يتضح جلياً أن د. هاشم قد فرز عيشته وحزم حقيبته السياسية والأيديولوجية. ولكن ما لا يستطيع إنكاره حتى دولته الوطنية المزعومة أن وقائع وشواهد سياسية المحاور والأبعاد الإقليمية والدولية للحروب في السودان لا تزال ماثله للعيان عوضاً عن المآلات الإقليمية والدولية لـ”حرب 15 أبريل 2023″. وبحكم هذا الواقع وتلك المعطيات لا تعدو مزاعمه كونها محاولة مكشوفه للهروب إلى الأمام مره وإثارة للغبار مره أخرى عن حقيقة تلقى سلطة بورتسودان للترسانة العسكرية المتطورة والحديثة بل والمحظوره دولياً من قبل دول خارجية معلومة بالضرورة أجندتها السياسية الخبيثة وعدائها التاريخي للشعوب السودانية، فهى موثقة أنشطتها وتحركاتها العسكرية والأمنية فى السودان منذ عقود.

فإن كان “د. هاشم” حريصاً على دولته الوطنية لماذا تهرب في خطابه ولم يتحلى بالشجاعة للإعتراف بتلقى البرهان ومليشياته الإرهابية للدعم العسكري من دول مجاورة؟. ولماذا لم يذكر مؤتمر كوش ورئيسه، أن هنالك مليشيات ومرتزقة من دول مجاورة تقاتل الآن بجانب فلول سلطة بورتسودان؟. ومن أين تأتي الطائرات الحربية والمسيَّرات لمليشيات الداعشية سناء حمد؟؛ وهل لدى مؤتمر كوش أدنى فكرة عن أن مليشيات بورتسودان الإسلاموية تتلقى دورات تدريبية في معسكرات للتدريب العسكري في دولة مجاورة؟

 عزيزي القارئ والمتابع الحصيف إن مؤسسة الجيش المؤدلجة ما هى إلا أداة إستعمارية ظلت تمارس مهامها فى إضطهاد الشعوب السودانية وإبادتها طوال سبع عقود ولا تعترف بالتعدد والتنوع الذي تتسم به الدولة السودانية، ودونك تصريح قائدها البرهام مخاطباً جنوداً في الجزيرة وصف فيه مواطن سوداني بالعب “العب دخل هنا في إشاره إلى مواطن سوداني من أصول افريقية إحتمى تحت كبري في مدني “دخلنا ليهو صاروخ محل داسي نفسو”. وما أدراك ما قانون الفصل العنصري “أبرتهايد دولة الجلابة في القرن الحادي والعشرين” قانون الوجوه الغريبة الذي تتم بموجبه الآن سحل أرواح وإراقة دماء الآلاف من الأبرياء في الخرطوم، الولاية الشمالية ونهر النيل على أساس عرقي.. فأي مؤسسة وطنية يا د. هاشم تفرخ المليشيات والكتائب تلو الآخر؟! من كتائب البراء التى تم ترفيعها إلى فيلق إلى خفافيش الظلام ومليشيات الزبير بن العوام وغيرها من الكتائب الجهادية؛ ضف إلى ذلك الفظائع والإنتهاكات التي طالت الشعوب السودانية في الجنوب الجديد (دارفور جبال النوبة والفونج الجديدة) عبر الفتاوي الجهادية والتكفيرية منذ العام 1992 وما زالت سارية تلك الفتاوي الداعشية حتى لحظة محاولة مؤتمر كوش محاكمة الحركة الشعبية وفى المقابل تبرئة دولة الزبير باشا الإستعمارية واللاوطنية، فهل من ضمير حي تنصف الحركة الشعبية؟!.

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.