
الميثاق التأسيسي والدستور الانتقالي: قطيعة مع تهميش النساء في السودان نحو عدالة تاريخية وإنصاف شامل.
✍️🏽 غادة حسن مردوم
مقدمة: النساء وتاريخ التهميش في السودان
لطالما كانت النساء في السودان ضحايا تمييز قانوني، اجتماعي، سياسي، واقتصادي، إذ استُخدمت التشريعات المستمدة من الشريعة الإسلامية المطبقة بانتقائية لتقنين وصاية الرجل على المرأة، وتقييد حريتها، وحرمانها من حقوقها الأساسية. لم يكن هذا التمييز مقصورًا على الإطار القانوني، بل تعمّق مع اندلاع الحروب الأهلية، حيث تحوّلت النساء في مناطق النزاع إلى أهداف مباشرة للعنف الممنهج، عبر الاغتصاب الجماعي، الاستعباد الجنسي، والتشريد القسري.
مع صدور الميثاق التأسيسي والدستور الانتقالي، ظهر تحول جذري في التعامل مع قضايا النساء، حيث يتم الاعتراف بالمساواة التامة بين المرأة والرجل كمبدأ دستوري غير قابل للتفاوض، مما يشكل قطيعة مع الإرث الذكوري القائم على القمع باسم الدين والتقاليد، وإقرارًا بمبادئ حقوق المرأة كما وردت في الاتفاقيات والمواثيق الدولية.
أولًا: كيف عالجت الوثيقتان التمييز القانوني ضد النساء؟
1. القوانين السودانية كأداة تمييز ممنهج ضد النساء
لم يكن التمييز ضد النساء في السودان مجرد ممارسة اجتماعية، بل كان مؤسسيًا ومقننًا عبر التشريعات. وقد لعبت قوانين الأحوال الشخصية والنظام العام دورًا رئيسيًا في تقليص حقوق النساء وجعلهن خاضعات لوصاية الرجال.
أ. قانون الأحوال الشخصية لعام 1991: كيف عالجه الميثاق التأسيسي؟
زواج القاصرات: سمح القانون بزواج الفتيات ابتداءً من عمر العاشرة، متجاهلًا اتفاقية حقوق الطفل
(CRC)
التي تحدد سن الزواج بـ 18 عامًا
الميثاق التأسيسي: ينص على إلغاء زواج القاصرات بالكامل، وتجريم أي زواج يتم قبل سن 18 عامًا، مع فرض عقوبات على المخالفين
إلزامية الطاعة الزوجية: أعطى القانون الرجل سلطة إجبار المرأة على الطاعة، مما أفقدها استقلالها القانوني والاقتصادي
الميثاق التأسيسي: ألغى مفهوم الطاعة الزوجية، ونص على مبدأ الشراكة المتساوية في الزواج، مع ضمان حق المرأة في العمل والتنقل دون قيود
عدم المساواة في الطلاق: ظل الطلاق حقًا حصريًا للرجل، بينما تم تقييد قدرة المرأة على طلب الطلاق إلا في حالات استثنائية
الميثاق التأسيسي: يضمن حق الطلاق المتساوي بين الرجل والمرأة، ويمنح النساء الحق في فسخ الزواج دون أي قيود دينية أو عرفية
ب. قوانين النظام العام: كيف عالجها الدستور الانتقالي؟
كانت هذه القوانين تستهدف حرية النساء في اللباس، والتنقل، والعمل، حيث تم جلد النساء واعتقالهن بتهم مثل “الزي الفاضح”
الدستور الانتقالي: يلغي جميع القوانين التي تقيّد حرية المرأة في المظهر والسلوك العام، ويجرّم أي شكل من أشكال التمييز أو العنف القانوني ضد النساء
قضية الصحفية المعروفه لبنى حسين عام 2009، التي جُلدت بسبب ارتداء سروال، هي مثال واضح على كيفية استغلال القوانين الدينية لقهر النساء وإخضاعهن
الميثاق التأسيسي: يمنع أي استخدام للقوانين الدينية كأداة للعقاب الاجتماعي، ويكفل حرية اللباس للمرأة وفقًا لاختيارها الشخصي
ثانيًا: كيف عالجت الوثيقتان التهميش الديني والعرقي للنساء؟
1. التمييز ضد النساء غير المسلمات في القانون السوداني
أُجبرت النساء المسيحيات واللادينيات على الخضوع لقوانين الأحوال الشخصية الإسلامية، مما حرمهن من حقوق الزواج المدني والطلاق المتساوي.
الميثاق التأسيسي: ينص على حرية الاعتقاد، وحق كل فرد في اختيار القوانين التي تحكم حياته الشخصية.
في مناطق النزاعات، كانت النساء من الأقليات العرقية أهدافًا للعنف الجنسي الممنهج، حيث تم استخدام الاغتصاب الجماعي كأداة “لإعادة هندسة التركيبة العرقية”.
الدستور الانتقالي: يجرّم الاغتصاب كسلاح حرب، ويضمن محاسبة مرتكبي هذه الجرائم أمام المحاكم المحلية والدولية.
ثالثًا: كيف عالجت الوثيقتان التهميش السياسي والاقتصادي للنساء؟
1. الإقصاء السياسي للنساء
رغم أن النساء قدن العديد من الحركات الثورية، مثل ثورة ديسمبر 2018، ظل تمثيلهن في الحكومات الانتقالية رمزيًا وغير فعال.
الميثاق التأسيسي: ينص على ضمان مشاركة النساء بنسبة لا تقل عن 40% في جميع مستويات الحكم.
في المجال الاقتصادي، كانت النساء محرومات من الوصول العادل للموارد، والأراضي، والاستثمار.
الدستور الانتقالي: يضمن الحق المتساوي للنساء في الملكية والميراث، وإلغاء القوانين التي تعطي الأولوية للرجال في توزيع الثروات.
رابعًا: كيف عالجت الوثيقتان العنف ضد النساء في مناطق النزاع؟
1. أجساد النساء كساحة للحرب
خلال النزاعات في دارفور، جبال النوبة، والنيل الأزرق، كان العنف الجنسي يُستخدم كسلاح إبادة ثقافية.
الميثاق التأسيسي: ينص على محاكمة مرتكبي جرائم الاغتصاب الجماعي والعنف الجنسي أمام المحكمة الجنائية الدولية
تم وصم النساء الناجيات اجتماعيًا بدلًا من معاقبة الجناة
الدستور الانتقالي: ينص على حماية الناجيات من العنف الجنسي، وتقديم دعم قانوني ونفسي لهن، وضمان عدم تحميل الضحية مسؤولية الجريمة
خاتمة: نحو سودان جديد يقود التغيير لصالح النساء
إن الميثاق التأسيسي والدستور الانتقالي ليسا مجرد إصلاح قانوني، بل يشكلان ثورة اجتماعية وسياسية تضع النساء في قلب عملية بناء السودان الجديد. لأول مرة، يتم الاعتراف بحقوق النساء ليس كمطالب، بل كحقوق دستورية غير قابلة للتراجع
كيف يعيد الميثاق تشكيل مستقبل النساء في السودان؟
القضاء على التمييز القانوني والديني، وإقرار المواطنة المتساوية
محاكمة مرتكبي العنف الجنسي في النزاعات، وإنصاف الناجيات
إلغاء القوانين التي تكرّس وصاية الرجل على المرأة، وتمكين النساء اقتصاديًا وسياسيًا
بهذا، يصبح السودان الجديد دولة تضمن العدل والمساواة للنساء، وتُنهي قرونًا من التمييز، حيث لا يُستخدم جسد المرأة كساحة للحرب أو وسيلة للإذلال، بل تصبح النساء شريكات فاعلات في بناء وطن يحترم حقوقهن، ويؤسس لمجتمع قائم على العدل، والمواطنة المتساوية، والكرامة الإنسانية
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.