المناهج وتحرش رجل دين بلا أدب ولا دين!

بثينة تروس

 

(من أجل منهج يؤصّل للقيم الإنسانية، ويحتفل بالتنوع والسلام ويلحق بركب العلم والحداثة) تحت هذا الشعار الشامخ؛ انطلقت فعاليات المؤتمر الأول لمناهج المرحلتين ــ المتوسطة والثانوية ــ 5-7 يناير عام 2021. هذا الشعار أرجعنا إلى أيام الاعتصام، ودويلة المدنية؛ التي عاشها ثوار ديسمبر، شوقاً للإنسانية، والحداثة، والتحرر من آفات الجهل والخرافات، حين شاهدنا الكندكات، ينتفضن على المناهج التي تُعْلِي من شأن التمييز بين الرجال والنساء منذ الدرس الأول، حيث تصور (أمل) مقهورة، وضعيفة ترجو (بدر) بأن ينقذها!! تشاطرن عبء المسؤولية، قلمها ليس بمفقودٍ، بل مسنون، تطالب بحقوقها، وتُعَلِّم العدو الذي أذلَّها بسياط الجلد والمهانة! كتبا معاً على الجدران “حرية!! سلام!! وعدالة!!”. وحلموا بمستقبلٍ يحدث فيه التغيير الحقيقي، غير عابئين بالتابوهات التي تُحَرِّم، وتُحَلِّل بحسب أهواء الحكام! تغنوا بالوطنية، والحب، صوتاً داوياً وليس (إيحاءات جنسية) من رجل الدين الذي لا أدب له ولا دين!

المدعو أبوبكر (آداب)، وهو في تقديري لا يستحق عناء الكتابة حوله إلا في حيّز أنه نموذج لرجلٍ مهووس دينياً، حمل مُدْيَتَه الصدئة ليذبح برآءة طفولة تلاميذ وتلميذات في الصف السادس، مشهراً بهم في معركته ضد تغيير المناهج ووزراة الثورة والتعليم! ولا شُغْلَ لنا به لولا أنه قد شَغَلَ الرأي العام هذه المرة، مستخدماً خيالات مريضة من (بنات) أفكاره، بَرِعَ رجال الدين في استخدامها. هم لا يفتئون يشهرون هذه الترهات البلهاء في أوجه النساء لإرهابهن وخرس ألسنتهن، بالخوض في الأعراض مستخدمين لغة لا تمت للأخلاق، ولا للدين، ولا للأعراف السودانية، ولقد حبك ــ المدعو أبوبكر آداب ــ من غلاف كتابٍ مدرسي فيلماً رخيصاً، ظاناً أنه يقيم محاضرة أخلاقية! مجدداً بخطابه التمييزي بين البنات والأولاد! وساقته إثارة العاطفة الدينية؛ في التباكي على عدم ارتداء الطالبة الطرحة في صورة الغلاف، ثم طَفِقَ بطريقة دراماتيكية سمجة ــ تناقلها رجال الدين عن دعاة الأزهر في السابق ــ يخاطب الحضور في عظم الجرم لأبنة الصف السادس المرسومة، من دون طرحة!! وأن عفة بنات الصف السادس في لباس الطرحة! يتحدث ــ هذا المهووس ــ وكأنما دائرة السودان الجغرافية والثقافية والإثنية هي (حلتهم)، ولعمري إن الثورة ما قامت إلا من أجل إلغاء العنف الممنهج ضد المرأة، وتكريس الهويات الجهوية المحددة، وتلك القوانين التي تعاقب بالجلد.

إن رجال الدين يعمدون بصلف وهم (عروبي) على تجاهل أن السودان بلد متعدد الأديان، والثقافات، والإنتماءات الإثنية، والعرقية، والجهوية، وإلا منذ متى كانت الطرحة تمثل زيَّ كل طالبات السودان قبل حكومة الإسلامويين؟ !

يتواصل سقوط (آداب) اللاأخلاقي حين يمدد خياله لصورة الغلاف بـ”أن البت جايبينها لابسة بلوزة وردية ومطقمة الحلق مع البلوزة، بعدين اللون الوردي دا لون شنو؟ يسآءل الحضور، ثم يجيب بنفسه: دا لون الحب! دي جاية تقراء ولّا تحب هي؟! “ويواصل: “بعدين البت دي راسمين خدودها حمر الكلام دا ما جاء ساي دا معناها الكلام البحكي ليها فيه (الشفت) دا! خشى ليها! الكلام دا عميق!! بعدين لاحظوا ليها هي سارحة، وهو بحكي ليها وهي عايشة مع الكلام بتاعه هو… دي يا أخونا صورة منهج دراسي؟! بعدين لاحظوا للولد دا خاتي كوعه وين؟ .. عاينوا براكم والبت دي يدينها تحت وين؟ .. يا أخوانا الموضوع دا طويل جداً ودا خطرررر بمعنى الكلمة، ومن الغلاف دا ما كتاب بتاع جغرافية مفروض يسموه كتاب شارع النيل!!) أنتهى. من المؤكد مثل هذا القول لايصدر إلا عن نفوس مريضة الأهواء، نظرتها للمرأة مكانها حفرة الوأد، وأنها مصدر العار، والخطيئة من لدن سيدنا آدم!!

إن ما قام به المهووس أبوبكر ورهطه يمثل التحرش والتنمر بجميع صوره وأشكاله البشعة على أطفال قصر باتهامهم في أخلاقهم! بإشاعة الفاحشة! بالطريقة التي تجافي مهام رجال الدين الذي يفترض أنهم يعينون على خلق بيئة مدرسية آمنة، خالية من العنف وسوء الظن.

بربكم، هل هؤلاء رجال يكلمونا بحرصهم على التربية والتعليم والأخلاق؟! أيحدثوننا، ويعظونا وماضيهم القريب، يحدّث بأعلى صوت، أن هؤلاء الطالبات والنساء أشجع منهم، إذ وقفن، وهتفن في وجه سلطانٍ جائرٍ، ودخلن المعتقلات دفاعاً عن العرض، والوطن حين كان أمثال أبوبكر آداب، وعبدالحي يوسف، ومحمد الأمين إسماعيل، وقبيلهم، يلعقون جزم الحكام ويسرقون منظمات الدعوة الإسلامية، والأوقاف الدينية، وزكاة وهابية المملكة العربية السعودية، وشيخات قطر ويستلمون الظروف والهبات!!

قول أخير للذين يستمعون للمحاضر ويتضاحكون: أليس فيكم رجل رشيد؟ إن مَنْ يتم (قذفهن) ويتهمونهن في أعراضهن إنما هن بناتكم، (وكذلك أبناؤكم) الذين لم يبلغوا الحلم، فلذات أكبادكم، وأخواتكم وبنات أخوانكم وأرحامكم. إنهن لسن مادة للتزحية، أو مسرحاً للخيالات، والإيحاءات الجنسية المريضة، المشوهة. ألم يبلغكم حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس المؤمن بالطعّان، ولا اللعّان، ولا الفاحش، ولا البذيء)  وقوله تعالى (وقولوا للناس حسناً) إن كان المهووسون يحرصون على عفة البنات، فليلتزموا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (عفّوا تُعف نساءكم). إن مِنْ محاسن معركة تغيير المناهج أنها مايزت بين الذين يطالبون بالحقوق الأساسية، والدستور، ويؤمنون به حقاً للمواطنة المتساوية، وبين الذين يشتهونه ولا يتمنونه لغيرهم، وبين الذين يعلمون أنه لا منجاة لهذا البلد الخارج من قائمة الدول الراعية للإرهاب إلا به. إن الهوس الديني يهدد وحدة، وأمن البلاد مجدداً، ولا خير في أمة تصمت على عبث رجال الدين  الذين يعتقدون أنهم فوق العقاب والمحاسبة، وأنهم باسم الدين لهم حصانة سماوية تميزهم،  فيرهبون بها الناس.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.