المسحراتية القدامي والجدد (١)

 

عبد العزيز أبو عاقلة

لا يولد الناس أشراراً بالفطرة ولكنهم يصبحون أكثر شروراً عندما تمتزج وتتشابك الخصال المكتسبة من الأنانية والطمع والاجندة الخاصة والغرور والتعالي ( الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والدينية ) مع عامة الناس .هكذا “بشكل عام” بدأت الخلافات اولاً حول السيطرة علي أدوات الإنتاج و الأرض والماء ..الخ ، وانتهت بالإستحواذ علي السلطة وهيمنتها إلي قلة قليلة من الناس بإسم الإمتيازات التاريخية او الإجتماعية أو الدينية أو بوضع اليد والخداع والغش سلماً او حرباً وغيرها من المسميات البراقة التي أدت في النهاية إلي حالات الإنقسام ، بل استخدام القوة والعنف بما يسمي بالحروب الداخلية والتوسع الخارجي بما يسمي استعمار الشعوب (داخليا /خارجيا ) كما يسميه المفكر الثوري (فرانز فانون) .وهذا ما يعنينا هنا حول إدارة ( بنيوية) الدولة السودانية منذ تأسيسها وبزوغها كدولة وطنية مركزية قابضة في كل (الديمقراطيات الليبرالية ) واحياناً طاردة في عهود ( الديكتاتوريات العسكرية) من قبل نخبها السياسية و العسكرية معاً (احتكار منطقة الوطنية ) وتظليلها لهم فقط تحت مسميات شتي.
# عندما تتلاشي قيم المحاسبة (المساواة امام القانون ) والعدالة التاريخية من أجندة كل الأنظمة المتعاقبة علي حكم السودان أمام أولئك المجرمين والأشرار والفاسدين أكانوا (نخباً سياسية أم عسكرية أو مليشيات جنجويدية باطشة ) تصنعها تلك الأنظمة كأذرع لها (ككلاب صيد ) او لحراستها للاستمرار في (القبضة السلطوية) والبطش بعامة الشعب تأتي هذه العناوين العريضة مقدمة مؤكدة لانهيار الدولة الوطنية.

# مالم يتوقعه الثوار الأبطال الان من الشباب /ت في كل مدن الوطن هامشه ومركز ه ، رغم أنهم هم وحدهم مفجري ثورة ديسمبر ٢٠١٨ المجيدة أن يصبح بين ليلة وضحاها ( الجناة) (مجلس القتل والسحل ومليشياتهم من الجنجويد ) القتلة المجرمين شركاء في ثورتهم : بل و يتحكمون في مصير الوطن بوضع اليد وبتواطؤ مع بعض النخب السياسية وهم لا يستطيعون محو الصورة الصادمة ومرارة المشاهد الأخيرة الدموية المرعبة وحالات الذعر (مذبحة القيادة ) في صبيحة رمضانية من قبل نخب مجلس القتل والسحل و الذين اغتالوا بدم بارد اخوانهم وأبنائهم وأصدقائهم بل اغتصبوا اخواتهم وزميلاتهم ورموا بعضهم في النيل وآخرين تم اختطافهم وأصبحوا في عداد الغائبين في مشهد درامي دموي لم تسجله حتي مشاهد عالم افلام العنف في السينما ، وسابقة تاريخية في عمق المركز . ولا ننسي فيما مضي من سنوات العنف والبطش الممنهج كذلك تصدير الحروب العبثية الجهادية وفتاويها المخجلة من قبل النظام المتأسلم الفاشي ضد المدنيين السلميين من ( النساء والأطفال ) لأهلنا في الهامش (جبال النوبة .ج الفونج .دارفور ) وأرسلت لهم الطائرات ليس لتوصيل الغذاء والماء والكتب والأدوية المنقذة للحياة بل براميل الموت والدمار كتحية صباحية كل يوم عقاباً لهم بتمسكهم بهويتهم وأراضيهم (الهوية القاتلة – د. امين معلوف) . والآن تفاجؤوا بأن الجناة نفسهم يحدثونهم عن الثورة والتغيير وهم الان يلوحون لهم (بحلاوة قطن مسارات ) بينما كانوا يرسلون لهم الموت بين كل لحظة وأخري . وهم يرون بأعينهم من يدعون الثورية كذبا من النخب السياسية و يتبادلون الابتسامات و القهقهات والصور التذكارية (سلفي ) مع ( نفس الجناة القتلة المجرمين ) بل و أكثر من ذلك يطالبهم ( سماسرة الثورات ) بأن هؤلاء الجناة هم الان (ابطال) ومنقذين للوطن من الفوضي والتلاشي وان سلام المحاصصات والمناصب الرأسي و الموقع علي حساب شهدائهم ودموع الأرامل وفجيعة الآباء هو الواقع الممكن الذي يجب القبول به صونا للعرض والذود عن الوطن . وحالهم وهم اهل الفجيعة يتساءلون : هل هذه الثورة التي كانوا يريدونها وعملوا لها بصبر ٣٠ عاما من الشدة والصمود والإرادة؟ وهل هذا هو السلام الذي يريدونه ؟ وهل هو العادل المنصف لحقوقهم المغتصبة سنيناً عددا ؟؟ وهل هؤلاء هم نفسهم نخب النظام السابق الاشرار المجرمين أم هم آخرين تناسخوا بجلود جديدة مغطاة بالعدالة والقانون والسلام والشفافية ؟؟

# والان ما يدور في ( السيرك السياسي ) للراهن السياسي من اتفاقيات سرية تحت الطاولة او علانية سماتها المصالح الذاتية الضيقة والتهافت نحو الحصول علي أكبر قدر من السلطة والمحاصصات الغبية . الغرض منها “وأد الثورة السودانية ” وركل شعاراتها المعلنة للجميع !! ولكنهم لا يدركون أن القطار الثوري الشعبي أكثر نضجاً وقوة وتماسكاً ولا تستطيع أي قوة كانت تحت أي مسمي أن تغيّر مسار عجلات الثورة وغداً القريب سيدركون ” أي منقلبِ سينقلبون ” بعد فوات الأوان و” تتخطي شمس الضحي ظل النهار ” . وقديماً قال بعض الحكماء المتبصرين بالأمور :” هو أن لا نخشى النباتات السامة المرة المذاق لأننا سنبصقها بمجرد أن نتذوقها و أننا لن نبتلع منها شيئاً , ولكن أخطر النباتات السامة هي تلك التي تكون بلا طعم أو تلك التي يكون مذاقها في البدء حلواً”.

عبد العزيز أبو عاقلة [email protected]

سبتمبر 2020

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.