المبادئ فوق الدستورية ضرورة لبناء الدولة الدولة الديمقراطية.
عبدالسلام صابون - المحامي
منذ خروج المستعمر في 56م ظل السودان في حالة بحث مستمرة عن دستور دائم . ودخل السودان في العديد من المحاولات الفاشلة لتبني دستور دائم يساعد على بناء المؤسسات السياسية والديمقراطية التي ظلت تسيطر عليها قوى سياسية واجتماعية معينة لسنوات طويلة وتعمل على تشويهها. ترتبط الأزمة السياسة الحالية التي يعيشها السودان ارتباطاً محكماً بفضل النخبة السياسية في السودان في تبني الدستور الدائم. مما أدى إلي استقلال جنوب السودان في يوليو 2011، وانتشار الحروب الأهلية في اقليم دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان، والانتهاكات الواسعة لحقوق الانسان هي من أهم أعراض الفشل الدستوري.
و قبل أن نخوض في تلك المبادئ بشيء من التفصيل .لا بد لنا أن نعطي فكرة سريعة عن الدساتير السابقة في السودان منذ الإستقلال حتى الآن و هي عشرة دساتير وذلك عن النحو التالي :-
– الدستور المؤقت للسودان لسنة 1956م
– الأوامر الدستورية خلال فترة الحكم العسكري (1958- 1964).
– دستور جمهورية السودان المؤقت لسنة 1964م
– دستور السودان المؤقت (المعدل سنة 1964) (تعديل رقم 2 لسنة 1965)
– دستور السودان المؤقت (المعدل سنة 1964) (تعديل لسنة 1966)
– دستور السودان المؤقت (المعدل سنة 1964) (تعديل رقم 6 لسنة 1968)
– الدستور الدائم لجمهورية السودان الديمقراطية لسنة 1973م
– دستور جمهورية السودان لسنة 1998م
– دستور جمهورية السودان الانتقالي لعام 2005
– الوثيقة الدستورية الإنتقالية لسنة2019 تعديل2020م.
ايضا يجب علينا أن نعطي فكرة سريعة عن نشأة و تطور تلك المبادئ و تعريفها وذلك بأختصار غير مخل.
**النشاة :
ظهرت المبادئ فوق الدستورية منذ مئات السنين كما يرجع البعض بل ظهرت إلي الحاجة اليها وتطبيقها في أحوالٍ قريبة الشبه من واقعنا الحالي ويرجع تحديدا إلي العام (١١٠٠) للميلاد و ربما قبله.حيث صدر ذلك العام ما يسمّى ب (ميثاق الحريات)في بريطانيا من الملك هنري الأول .وقد تضمّن قيوداً و حدوداً لاستبداد الملك والملوك وتجاوزاتهم ،ينظّم علاقة الملك برجال الكنيسة و طبقة النبلاء .
تلا ذلك تطور و تعبير أكثر وضوحاً لشكل تلك المبادئ .بصدور ما يسمى بوثيقة ( الماغنا كارتا) أو (العهد العظيم) أيضاً في بريطانيا ،العام (١٢١٥) ، و هذه المرة في عهد الملك جون ستير وتضمّن مرةً أخرى و بشكلٍ أوسع تنظيم العلاقة بين الملك و الشعب وبصورةٍ تحد من سلطات الملك لصالح حقوق الشعب .و الجدير
ذكره أن الميثاقين المذكورين لم يصدرا إلا بعد ضغوطاتٍ كبيرة على الحاكم ،فما كان منه إلا أن أصدرها بشكل منحةٍ ،كما كان سائداً في الأساليب اللا ديمقراطية لنشأة الدساتير .و ما لا بدّ من ذكره هنا بأنّ تلك المواثيق كانت أقرب إلى المبادئ فوق الدستورية منها إلى الدستور .أنها كانت تصدر أساساً لحقبةٍ زمنيةٍ طويلةٍ و غير محددةٍ و تلزم بصيغتها الملك وكل الملوك بعده، وتتضمن حقوقاً أساسية .
لذلك كانت وثائق (الماغنا كارتا) تلك أساساً مؤثّراً في الكثير من الدساتير و وثائق و إعلانات حقوق الإنسان
* ماهية المبادئ فوق الدستورية
عرف الفقه الدستوري نوعاً من القواعد يُطلق عليها المبادئ فوق الدستورية، أو المواد فوق الدستورية، أو المبادئ الدستورية العليا، أو القواعد المؤسِّسة للدستور، أو المواد الحاكمة للدستور…إلخ وهي وكما يُعرفها الفقه قواعد دستورية تُعطى، بوصفها قواعد تمس قضايا كبرى ومصيرية، وذات أبعاد استثنائية في الدولة، وتتعلق بحقوق ومصالح ومستقبل كل فئات الشعب دون استثناء، حصانةً استثنائية تجاه التغيير والتعديل، تفوق الحصانة التي تُعطى لغيرها من قواعد الدستور، بحيث يكون تعديلها أو تغييرها أو إيقافها.
.هي مجموعة القواعد والأحكام المتفق عليها من كافة الفئات أو ممثليها ضمن الدولة الواحدة .و تكون أعلى رفعةةو سموا ودواماً و إطلاقا و حصانةً ضد التعديل والإلغاء والتعطيل من أحكام الدستور ذاته .وتأتي إما في وثيقةٍ أو وثائق منفصلةٍ أو ضمن الدستور ذاته ،لا فرق.ويكون مصدرها قواعد وأحكام سامية عالمية وكل ما تقتضيه الضرورة القصوى النص عليه وتأكيده لصون و حفظ قدسية الإنسان و كرامته.
من خلال ذلك فلا بد لنا أن نجيب على السؤال التالي .
هل راهننا يستوجب إلي المبادئ فوق الدستورية .
للأجابة عن التسأول.
بات من المعروف ما خلفته الحرب في السودان من دمار وخراب وقتل وانقسامات بين مكونات المجتمع االسوداني.
لكن كيف يمكن للجنة الدستورية صياغة دستور ديمقراطي، يحظى بإجماع مختلف قوى وفئات الشعب السوداني ويصون حقوقه ويحمي حرياته دون أن تتمكن أي سلطة قادمة، حتى لو تمتعت بأغلبية انتخابية، ومهما كانت مرجعيتها الأيديولوجية من تغيير هذا الدستور أو تعطيله أو تعديله وفق مصالحها الضيقة الحزبية أو المادية أو الأيديولوجية.
إن واقع المجتمع السوداني وتركيبته منذ نشوء الدولة السودانية الحديثة ليس بخاف على أحد .من حيث كونه مزيج اجتماعي يضم تنوعا أثنيا و عرقياً و دينيا و ثقافيا
ذلك التنوع في الدين و المعتقد واللغة و الثقاقة والنشاط الأقتصادي و حتى العادات و التقاليد يجعل من وجود جملةٍ من الضوابط و الآليات تحكم علاقتهم و تصون و تحفظ حقوقهم و تؤمن لهم السلم والعيش المشترك أمراً في منتهى الإلحاح والضرورة ،بحيث لا تستقوي جماعة أو فئة على أخرى في فترةٍ ما. ولا سيما بعد ثورة ديسمبر 2018 . انتجت واقعا سياسيا جديدا برغم ذلك مازال هناك شرخا أجتماعيا هائلا مرعباً و هناك فجوة بين المكونات و أجواء من عدم الثقة .
كما ذكرت سلفا منذ تأسيس ما يسمى بالسودان الحديث لم يحدث توافق دستوري أو دستور دائم يجمع كل السودانيين وذلك مما افرزت النزاعات ادى الي قتل وتشريد الملايين من السودانيين. ادى إلي استقلال دولة جنوب السودان و الآن هناك فرصة تاريخية لوضع دستور دائم يصون كرامة الشعوب و هنا يثور التسأل كيفية احترامه و المحافظة عليه و منعه من تغول السلطة التنفيذية عليه و تفصيله حسب آيدلوجيا معين.
باعتقادي هذا الأمر يقودنا إلى ضرورة تحصين الدستور وفق “المبادئ فوق الدستورية”، والنص عليها قبل صياغة الدستور، بحيث تشكّل القواعد والأسس، التي تُبنى عليها نصوص دستور جمهورية السودان القادم.
و المبادئ فوق الدستورية قائمة على المبادئ الاتية:
أولاً : في شكل الدولة ونظام الحكم فيها:
تتمايز أشكال الدولة بين الدولة البسيطة/ المركزية والدولة المركبة/ الاتحادية، بحيث تتكون الأخيرة من اتحاد أكثر من دولة أو إقليم أو ولاية معاً، سواء كان اتحادا فيدراليا أم كونفدراليا أم غير ذلك من الأشكال، على أن تتمتع كل من تلك المكونات باستقلال نسبي وتخضع معاً لسلطة سياسية مشتركة، كما هو الحال في جمهورية ألمانيا الاتحادية أو الولايات المتحدة الأمريكية وغيرهما كثر.
أعتقد أننا في الحالة السودانية، سواء ذهبنا بأي من خيارات الفيدرالية أو المركزية، لن تستطيع تشكّيل الضمانة المطلوبة لاستمرارية النظام الديمقراطي، ولن تكون المظلة الحامية لحريات وحقوق كافة المكونات المجتمعية، بدون مبادئ فوق دستورية، تحمي النصوص الدستورية من طغيان السلطة السياسية.
ثانيا : مبدأ فصل السلطات :-
وتتكون السلطات في الدولة من ثلاث ( تتفيذية – قضائية – تشريعة).
من المعروف أن ثمة أنماط مختلفة لنظام الحكم السياسي، وجميعها تقوم على مبدأ فصل السلطات، لكن بدرجات متفاوتة.
فبالرغم من أن النظام الرئاسي يتميز بفضاء خاص لكل من سلطات الدولة الثلاث، لكن يؤخذ عليه أنه يفتقد إلى آليات حماية جدية تمنع تغول السلطة التنفيذية على السلطات الأخرى، لإنشاء دورة من الاستبداد. ليس على ذلك مما خبرته السودان خلال منذ خروج المستعمر السودان في حالة ، من انعدام الحياة الدستورية وسيطرة القمع والاستبداد والانتهاكات المستمرة لحقوق وحريات الشعب، ليس فقط بسبب فرض قانون الطوارئ، الذي أبطل مفاعيل مبدأ فصل السلطات وسيادة القانون، وإنما أيضاً، بسبب ضعف آليات الحماية بحيث إذا ان يستطيع رئيس السلطة التنفيذية/ رئيس الجمهورية، الهيمنة على السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية، وبالتالي إحكام قبضته على كل أوجه الحياة في الدولة والمجتمع دون أي رادع. مثال قوانين سبتمبر المعبية الذي وضعة الديكتاتور النميري و جاءت بيسمى الديمقراطية الثانية بما أن لا يوجد شئ ديموقراطية تانية إنما الديمقراطية مرة واحدة لن تلغي تلك القوانين المعيبة إلي أن جاءت الإنقاذ عبر انقلابها المشؤوم و تم تطريز تلك القوانين بالحرير.
ان مهمة السلطة القضائية فتتولى مهمة تفسير القوانين وتطبيقها، والفصل في النزاعات بين الأفراد وإحقاق العدالة، وتشرف على عمل المحاكم عبر مجلس القضاء الأعلى، كما تشرف على الانتخابات وفرز الأصوات، بالإضافة إلى مهمة الرقابة على دستورية القوانين عبر المحكمة الدستورية العليا.
ثالثاً : مبدأ فصل الدين عن الدولة:
يعتقد البعض جازماً أن العلمانية تدعو إلى الإلحاد وتحارب الدين والعبادات، لكن هذا غير صحيح، فالعلمانية نظام فلسفي واجتماعي وسياسي، يقوم على مبدأ فصل الدين عن الدولة، دون أن يحارب الدين أو الإيمان، انطلاقاً من أن الدين يرتبط بالأشخاص الطبيعيين، ويكون مجاله الضمير الشخصي للأفراد، في حين إن الدولة في الفكر السياسي المعاصر، هي شخص اعتباري لا دين له، بل أكثر من ذلك، إذ يجب على الدولة الحديثة احترام معتقدات السكان أياً كانت ومهما تنوعت، وصون حقهم في الاعتقاد وفي ممارسة الطقوس والعبادات، بما في ذلك حقوق رافضي التديّن أيضاً، فلا يحق لها مساءلتهم عن معتقداتهم ودياناتهم، وإنما مساءلتهم عن أفعالهم وتصرفاتهم في حال شكت خرقاً للقانون.
وختاما حاولت قدر الإمكان إعطاء القارئ /ة فكرة ربما تكون غير كافية عن ماهية و مفهوم المبادئ فوق الدستورية و نشأتها و مراحل تطورها و مدى أهميتها في حياة بعض الدول و أزماتها و لا سيما الواقع السوداني .
و أرجو في النهاية أن تجد تلك المبادئ طريقاً لها و حصة في أي اتفاقٍ او توافقٍ او حل سياسي قادم للسودان خصوصا في مباحثات السلام التي تبدأ بعد أيام قليلة بين( الحكومة الإنتقالية و الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال ) لأنها إحدى الموجبات الكفيلة ببقاء السودان بحدودها الحالية و الضامن الوحيد لأدراة التنوع لأن فشلت النخبة السياسية في السابق كيفية إدارة التنوع باعتبار أن هذه المبادئ هي الضامن الوحيد لأدراة التنوع و وحدة السودان و يعتبر ركناً رابعاً من أركان الدولة السودانية.
برافو
فعلا نحن اوحوج ما نكون لصياغة هذه المبادي فوق الدستورية لتأسيس دولة السودان التي لم تأسس منذ خروج المستعمر و تسليم البلد لوكلائها من نخب البلد الذين لم يسعوا للتاسيس دولة تخدم المواطن بدل خدمة المستعمرين ودول الاستعمار الجديد