المؤسسة العسكرية فى السودان وإدمان الإنقلابات
✍🏿 بقلم: عيسى خميس مرفعين
إرتبطت الإنقلابات العسكرية فى السودان كظاهرة موروثة داخل المؤسسة العسكرية في الدولة السودانية منذ ما يسمى بالإستقلال، وظل يتم تسويق كل إنقلاب للشعب على أنه فرصة للخروج من أزمة سياسية أو إنقاذ الوطن أو تصحيح المسار…..الخ. على الرغم من أن كل الإنقلابات التى مرت على السودان كشفت جليأ بأنه فقط احد اعراض أزمة وأمراض السودان القديم وأنها مجرد وسيلة للمفامرة والإستيلاء على السلطة بقوة السلاح، وليست علاجا لمشكلات البلاد المستفحلة لأن الإنقلابات العسكرية غالبا ما تنتهى إلى بناء أنظمة شمولية ودكتاتورية مستبدة بالتالي تفضى إلى إنتفاضات شعبية اخري و حروبات مدمرة وسلسلة من الإنقلابات المتلاحقة مهما كان الشعار الذي ترفعه، أو الأرضية التي تنطلق منها، يظل الإنقلاب انقلاب.
لقد ثبت تاريخيا وعمليا ان كل إنقلاب عسكرى فى السودان كان يقف وراءه حزب سياسى وقوة آيديولوجية. وظلت المؤسسة العسكرية تكرس لمشروعية العنف وتؤسس لواقع قائم على الدكتاتورية و البطش والإستبداد، و هكذا يظل السودان يلف و يدور فى فلك المؤسسة العسكرية التى أدمنت الإنقلابات.
تظل الأسئلة الجوهرية والموضوعية قائمة حول عقيدة الجيش الوطنى و مهامه؟ علاقته بالسياسة؟ و عن مناهج التدريب العسكري التى تدرس فى الكلية الحربية، لأنها صارت منذ تأسيسها تفرح ضابطا يخططون للإستيلاء على السلطة وحكم السودان، و أصبح كل ضابط حديث التخريج يحلم أن يكون رئيسا للسودان بعد عشرين سنة من تخرجه، و هذا هو أس الأزمة الكارثة داخل المؤسسة العسكرية. كل هذه الأسئلة جاوبت عليها الحركة الشعبية فى موقفها التفاوضى حول إصلاح القطاع الأمنى والعسكرى، وإعادة هيكلة القوات المسلحة السودانية وإعادة النظر فى قانونها ولوائحها وعقيدتها العسكرية. لكن رفضت سدنة المركز وأصحاب الإمتيازات التاريخية هذا الطرح لعلمهم لإدراكهم التام أن هذا هو الحل والذى سيضع حدا لمسلسل الإنقلابات العسكرية، وبالتالى إن حدث فسيهدد هيمنتهم وسيطرتهم على السلطة السياسية فى البلاد.
ولهذا كان من الطبيعى أن يشكل طرح الحركة الشعبية هاجسا كبيرا أمام سدنة المركز وكل الإنقلابيين، لذلك عملوا على وضع كل المتاريس و العراقيل أمام الحركة الشعبية – شمال للحيلولة دون التوصل لأي اتفاق سياسى يخاطب ويعالج جذور المشكلة السودانية. فقد عملوا على كسب الوقت وتضليل الرأى العام، واللعب على عواطف و مشاعر السودانيين بقضية علمانية الدولة بشكل مغرض ومفضوح، بهدف كسب الوقت لتنفيذ فعلتهم هذه ومحاولة إضفاء شرعية زائفة لإنقلاب اللجنة الأمنية من خلال إتخاذ خطوات رمادية من قرارات ٢٥ أكتوبر الإنقلابية.
والملاحظ أن إنقلاب البرهان كان له اسلوب مختلف فى التكتيك و الآليات، وإن كان الجوهر واحدا وهو الوصول للسلطة من خلال القوة أو الإطاحة بشريكه المدنى تحت ذريعة إعادة تصحيح المسار (بدعوى فشل الحكومة الإنتقالية). الغريب فى الأمر أنهم شركاء الفترة الإنتقالية و يقع عليهم كعسكر الجزء الأكبر فى تحمل مسئولية تردى وسيولة الأوضاع الأمنية و عرقلة تكوين المجلس التشريعى والأجهزة العدلية و المفوضيات المختصة، و لكن تم القفز على كل هذه الأشياء من اللجنة الأمنية بما فى ذلك قوى الحرية والتغيير فى الضفتين مجموعة ميثاق وأربعة طويلة (ثلاثة طويلة فيما بعد) وشخصيا أرى أن معظم قوى الحرية و التغيير هى من أتت بالبرهان وعسكر اللجنة الأمنية إلى سدة الحكم ومكنتهم من الإنقلاب على الشراكة. وحتى الوثيقة الدستورية و إشراك المدنيين هى عبارة عن خطوة شرعنت للإنقلاب منذ وقت مبكر.
ولكن تبقى كل أشكال الإنقلابات العسكرية مرفوضة، لأنها تقوم على مغامرة قد تفضى إلى شيوع الفوضى العارمة أو تفكك الجيش والبلاد، ونموذج الصومالي خير دليل بعد إنقلاب العام 1991.
لكن هناك نماذج ناجحة فى إفشال انقلابات عسكرية عبر إرادة الشعوب لأن الإرادة الشعبية تظل في النهاية هى الأقوى من إرادة الإنقلابيين مهما كانت حاضنتهم السياسية إن استقر لهم الوضع لفترة فإن إنهيار نظامهم مسألة وقت ليس إلا. وإذا ظل الحال كما عليه سوف تكون هناك سيناريوهات أخرى محتملة.