المؤتمر الاقتصادي الأخير هل يحقق الإصلاح الهيكلي للاقتصاد السوداني .
نضال الطيب حامد
الإقتصاد السوداني في هيكله وبنيته عموماً هو إقتصاد هش جدأ لكونه إقتصاد تقليدي، ومشوه وهجين، ظل هكذا على تفاوت الحقب والنظم السياسية التي مرت على حكم البلاد، حيث ظل الإقتصاد الوطني نهباً لنزوات الطبقة والنخبة السياسية المميزة التي ظلت تستمتع بموارد البلاد على حساب الطبقة الوسطى والطبقات الفقيرة.
ومع أزمات البلاد السياسية، المصحوبة بالحروب في بقية المناطق بالبلاد ، تجذر الزبائنية { وأقصد هنا سوق الولاءات السياسية والأثنية والتي يعتبر النشاط السياسي فيها كرأسمال أو مصدراً للكسب} خاصةً مع تضخم الطبقة السياسية (حكومة على معارضة) وفي كافة المستويات في المركز والولايات وداخل وخارج البلاد، ما أدى لزيادة الفساد الذي ورثوه من النظام السابق، وهدر الأموال العامة في الصراع السياسي والمحاصصات.
نتيجة لتلك السياسات الخاطئة نشأ قطاع ضخم للاقتصاد غير الرسمي. فمع تراجع القطاعات الإنتاجية وتوسع الحكومة الإنتقالية على الضرائب وزيادة والرسوم على كل شي مثل زيادة تعريفة المياه والكهرباء والمواصلات وغيره، حتى الخدمات الأساسية للمواطنين، لجأ الناس للتعاملات غير الرسمية أو خارج المؤسسات الإقتصادية _ من التحويلات المالية إلى تجارة العملة مروراً ببيع الأرضي والعقارات… ألخ.. فكان توسع الاقتصاد الموازي أو مانسميه السوق الموازي غير الرسمي بسبب تراكم السياسات الاقتصادية الخاطئة، ومع مرور الوقت نتج عنه فقدان للثقة في مؤسسات الإقتصاد الرسمي. لعوامل عديدة نشأ نموذج” فريد“ للاقتصاد السياسي السوداني، لا يركز لا على الإنتاج أو الخدمات أو تلبية الإحتياجات أو توفير السلع العامة للمواطنين. وقد لا تصلح المداخل التقليدية لعلم الإقتصاد السياسية تفسيره.،ونتيجة لهذا الخلل الهيكلي ظلت السياسات الإقتصادية بدلاً أن تركز على تعظيم الإنتاج وتقوية هياكل الإقتصاد الوطني ومعالجة تشوهاته، غدت حقيقة تعمل على توجيه الموارد العامة نحو الحرب لقتل السودانيين المقهورين والمتطهضين والمهمشين في دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق ، وبدلاً من توجيه الموارد العامة نحو الخدمات والتنمية المتوازنة المستدامة، غدت حقيقة تعمل على توجيه الموارد العامة لرفاه الطبقة والنخبة السياسية والإنفاق السياسي التبذيري.
إن غياب المجلس التشريعي والرقابة والمحاسبة والأخلاق والنزاهة العامة، ساعد على دخول الوزراء والمسؤولين على كافة المستويات في ممارسات الأعمال الخاصة والإفراط في ذلك؟ هو ما قد يؤدي بشكل كبير على زيادة ممارسات الفساد للفترة الإنتقالية بشكل سرطاني وخنق الإقتصاد الرسمي، والتضييق على الإنتاجية الكامنة في القطاع الخاص الوطني، وافقاد الخزينة العامة عائدات ضخمة بسبب التهرب الضريبي المحتمل والاعفاءات الكبيرة علاوة على احتكار العطاءات والتعاقدات الحكومية في بعض الحالات.
وهناك أيضاً سياسة الإعتماد المفرط على الاستدانة والقروض من الخارج، وتنفيذ سياسات البنك الدولي، كحزمة متكاملة والتوسع في ذلك، دون التحسب للعوامل التي يمكن أن تطرأ على مصادر الإقتراض هذه لا سيما العوامل السياسية سواءً كانت محلية أو خارجية، مع إغفال العمل على تنويع هياكل الإقتصاد الوطني وتطوير القطاعات الإنتاجية بما يؤدي لتفادي الصدمات الإقتصادية والتخفيف من وطأتها.
في ظل تبني السياسات الريعية سواءاً بالاعتماد على مورد وأحد __ إن كان النفط أو الذهب أو الثروة الحيوانية، وعدم تطوير وتنويع قطاعات الإنتاج الأخرى المختلفة، وفي ظل النزعة الريعية ونتيجة للسياسات الاقتصادية الفاشلة، برزت نزعة” فيزيوقراطية “ في السلوك والنشاط الاقتصاديين بالبلاد ( أي أصبحت الأرض كمصدر للثروة) وهو ما برز عنه ظهور شبكات إجرامية وسماسرة سيطروا على الإقتصاد : فالأرض التي ارتفعت أسعارها بشكل جنوني، أصبحت مصدراً للثراء الفاحش وتدوير كتلة مالية نقدية ضخمة خارج النظام المصرفي.. وكذلك ستاراً لعمليات غسيل الأموال، وطريقة لحفظ الأموال! إما لعدم وجود الثقة في الإقتصاد الرسمي أو للقيام بنشاط اقتصادي مربح بعيداً عن الإطار القانوني، عند الحاجة للدخول في مضاربة ما ( و المضاربة بدورها أصبحت جزءاً من السلوك اليومي والنشاط الاقتصادى غير الرسمي) وفي نفس الوقت أصبحت الأرض _ بجانب كونها سلعة قابلة للتداول كمصدر للسيولة النقدية بعيداً عن النظام المصرفي الرسمي.
مع وجودنا في إدراة الأسواق بالغرفة التجارية في ولاية الجزيرة، وتعاملاتنا التجارية في عدد من الأسواق التجارية الكبيرة في البلاد، أبديت ملاحظاتي على التوسع في الضرائب والرسوم، قد أديا لسياسة» «إفقار » بمعني الكلمة وهزمت تلك السياسة برامج الدولة سابقاً المعلنة في محاربة الفقر… وما فات على المسكين بقرارات الاقتصاد أن وجود خطط وبرامج لخفض الفقر بشكل ملموس، بات إحدى شروط الإعفاء أو خفض أو إعادة جدولة الديون الخارجية للدول، فالسودان توفرت له فرص كبيرة في هذا الصدد ولم تستقل لا سيما في أعقاب التسويات السياسية واتفاقية السلام نيفشا، بيد أنها اضيعت كالمعتاد… هل يا ترى تضع مخرجات وتوصيات المؤتمر الاقتصادي الأخير سدا دون أن تحقق نهضة اقتصادية مرجوه.