الليبرالية والحرية في إطار توسيع الفكر والمفاهيم .

نضال الطيب حامد .

 

كنت جالساً في إحدى الأماكن، فجاءه عدد من الشباب فجلسوا بالقرب مني، ويبدو من حديثهم أنهم طلاب UPF وكان بينهم حوار جميل وشيق فظللت أسترق السمع من حديثهم، لعلي أستفيد منه. يتحدثون عن الليبرالية والحرية والفرد في الدولة، على الرغم من أن الحوار الدائر بينهم، كان جميلاً وفيه نوع من الهزل والعلل الفكرية في المفاهيم، لكنه جميل الشيء الذي يدعونا بأن ندعوا الشباب إلى مثل هكذا حوارات. وهذا ما دعاني إلى كتابة هذا المقال لعلنا نجد فيه مايفيد.

إذا أخذنا جانباً من مفهوم الليبرالية والحرية، فإنها تعرف على أنها نظرية أو فلسفة سياسية تقوم على أفكار تدعو للحرية والمساواة، فاليبرالية الكلاسيكية أي القديمة، تدعو إلى الحرية المطلقة، بينما الليبرالية الإجتماعية تدعو إلى المساواة، كما يتبنى عدد من الليبراليون أفكاراً تدعو إلى حرية التعبير، وحرية الدين والعقيدة، والحفاظ على الحقوق المدنية، والحقوق المدنية نعني بها كافة الحقوق في الدولة بالإضافة إلى المساواة بين الجنسين (الرجل والمرأة).

ظهرت الليبرالية كحركة سياسية أثنا عصر التنوير، حيث حظيت بشعبية كبيرة بين الفلاسفة والاقتصاديين في الغرب، وذلك بسبب رفض الليبرالية للمفاهيم الدارجة خلال ذلك الوقت من الملكية المطلقة والتمييز الإلهي للملوك، وسيطرة الدين على الدولة وعلى الشعب.. وينسب الفضل في تأسيس الليبرالية إلى الفيلسوف جون *لوك*في القرن السابع عشر، حيث جادل لوك بحق الإنسان الطبيعي في الحياة والحرية والملكية، وضرورة توقف الحكومات عن إنتهاك هذه الحقوق المطلقة مستغلين العقد الإجتماعي، كما سعي برفضه استبداد الحكم الديكتاتوري بحكومة ديمقراطية تمثل كافة شرائح المجتمع.

ألهمني ذلك الحوار الطلابي بأنه لا أحد ولا أي جهة يمكنها أن تدعي أن الحقيقة لها، دون بقية البشر، أو أنه وصل إلى الحقيقة، دون أن يصل إليها غيره من البشر، فالحقيقة أمر نسبي وليست أمراً مطلقاً، فكل البشر يصل إلى نسبة وإلى قسط مقدر من الحقيقة، ولا يمكن لبشر أن يصل إلى الحقيقة المطلقة بتمامها فالحقيقة متساوية النسبة للجميع.. فمثلاً نحن المسلمين ندعي أننا نملك الحقيقة، ولا نرها عند المسيحيين أو الشيعة أو في المذاهب الدينية الأخرى.. ولكن الحقيقة هي أنه لا يمتلك أحداً الحقيقة المطلقة، أو يدعي إنه وصل إليها دون غيره.

إذاً لا توجد عندنا نظرية حاسمة، بل كلما تطورت الحضارات واتسعت الآفاق أمام العقل البشري، كلما تولدت نظريات وأفكار جديدة، وفق طبيعة الصراع الإجتماعي، واتضح لنا نقص النظريات السابقة، إذاً ما دامت النظريات في مرحلة تكامل وتصاعد، فليست هناك حقيقة مطلقة يمتلكها الإنسان فالأصل في الفكر الليبرالي : ليس هناك حقيقة مطلقة.

ومن هنا أدعو إلى أعمال تنشيط الدائرة الفكرية لدى حركة جيش تحرير السودان بقيادة ( عبد الواحد النور) لإنتاج إصدارات فكرية تساعد هؤلاء الشباب في النضوج الفكري والسياسي بشكل صحيح.. لأن الحوارات عن الليبرالية وعلاقتها بالدين والعقيدة والفرد في الدولة، تحتاج إلى عمق فكري ومعرفي.. ولأجل ذلك لو أن الإنسان الآخر اختلف معي في العقيدة، لا يجوز لي أن أجرده من إنسانيته وعن حقوقه الإنسانية لمجرد أنه مختلف عني في العقيدة أو في السياسية، فالعقيدة والسياسة ليست عنصراً من عناصر الإنسانية، وليست مقوماً من مقومات الإنسانية، فلو أن إنساناً أرتد عن عقيدته أو منهجه السياسي، فهذا لا يعني أنه خرج عن إنسانيته، بل لا زال إنساناً، فلا يجوز أن تسحب منه حقوق الإنسانية لمجرد أنه غير من عقيدته أو أفكاره، أو لأنه أرتأي عقيدة أخرى لأن العقيدة ليست ركناً في الإنسانية، وإنما هي ركن أساسي من أركان الدين فقط.

ومن خلال ذلك الحوار فقد اتضح لي أن هناك خلط في المفاهيم، عن الفعل والممارسة، أو الكلام الحسن أو الكلام السيء القبيح.. فمن الذي يقرر هذا حسن وذاك قبيح، دون تجربة وممارسة.. وإذا لم تجرب الشي أو تعرفه معرفة حقيقية، فلا يصح الحكم عليه بالحسن والقبيح… فمثلاً الإنسان يصبح حراً في ممارسة الفساد والسرقة، فنحن لا نستطيع أن نقول هذه حرية فردية أو هي حرية الفساد، لأن أي فعل وأي سلوك لا يمكن الحكم عليه بالحسن أو السيء القبيح إلا إذا خضع للتجربة الإجتماعية وقانون يعمل على ضبط حركة المجتمع.

فالحرية مكون أساسي من مكونات الليبرالية، فمن الطبيعي أن تأخذ مساحة واسعة من التحليل عند رواد هذا الفكر ومنظريه، خصوصاً أن الليبرالية كمصطلح مرادف للحرية أو التحرر، فاليبرالية هي الفكر الذي يركز على أهمية الفرد في الدولة، وضرورة تحرره من كل أنواع السيطرة والتسلط بأنواعه : تسلط الدولة أي الإستبداد السياسي… وتسلط الجماعة أي النخبة أو الإستبداد الإجتماعي..

نكمل…

تعليق 1
  1. Salahaddin يقول

    موافق

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.