القائد يوسف كرة هارون فى حوار مهم مع الموقع الرسمى ( الجزء الثانى )
– لقد دعا تلفون كوكو فى مداولات المجلس الإستشارى إلى الإستسلام وتسليم سلاح الجيش الشعبى
– بخلاف ما أراده تلفون كوكو، فقد قرر المجلس الإستشارى بالإجماع مواصلة الكفاح المسلح إلى أن يتحقق مشروع السودان الجديد
– القرارات التصحيحية أجهضت مخطط الهبوط الناعم، وقطعت الطريق أمام مؤامرة مساومة الجيش الشعبى
– النادى السياسى القديم لا يرغب فى الحل الجذرى لمشكلة السودان، ولذلك عمل على إجهاض ثورة ديسمبر و ما زال يقاوم أى دعوة أو إتجاه نحو التغيير الجذرى
– الحركة الشعبية متماسكة وأقوى من أى وقت مضى، وهى قوة رئيسية ومؤثرة فى الساحة السياسية السودانية
– الأوضاع القائمة الآن تشكل تهديدا وجوديا للسودان ما لم يتم تداركها بمسئولية وروح وطنية، وعلى جناح السرعة
حوار: أنس آدم
يظل القائد يوسف كرة هارون المستشار السياسى لرئيس الحركة الشعبية، مستودعا وصندوق أسود يحمل معلومات وأسرار قلما تجدها عند غيره بوصفه من أوائل قيادات كومولو العشرة الذين أرسل لهم القائد يوسف كوة مكى طالبا منهم اللحاق به فى إثيوبيا بعد إعلان الإنضمام للحركة الشعبية والجيش الشعبى لتحرير السودان والإنخراط فى الكفاح المسلح. إنضم يوسف كرة إلى تنظيم الشباب السرى(كومولو) منذ العام 1978 عندما كان يعمل موظفا فى مؤسسة البريد والبرق. إلتقيناه وأجرينا معه هذا الجزء الثانى من الحوار والذى تناول فيه طبيعة الصراع فى السودان وتعقيدات المشهد السياسى فى البلاد وآفاق الحلول، فإلى مضابط الحوار:
🔴 متى إنعقد المجلس الإستشارى الذى دعا له القائد يوسف كوة، وهل لك أن تعطينا فكرة عن إنعقاد المجلس؟
نعم، تلت عملية تحرير أراضى واسعة فى إقليم جبال النوبة، مرحلة تأسيس إدارات مدنية، من بينها المجلس الإستشارى وهو بمثابة برلمان الثورة وقتها والذى تم تكوينه فى العام 1992 ويناط به مناقشة القضايا المصيرية والملحة التى تتطلب تدخلا وإتخاذ قرارات حاسمة تسهم فى تدارك المشاكل ووضع الأمور فى نصابها. كان الرفيق موسى عبد الباقى يشغل موقع رئيس المجلس الإستشارى منذ تأسيسه. وأذكر عندما نشبت الخلافات داخل الحركة الشعبية والتى قادت إلى إنشقاق مجموعة د. رياك مشار تينج ود. ولام أكول أجاوين فى العام 1991، فقد مرت الحركة الشعبية والجيش الشعبى فى جبال النوبة فى أعقاب تلك التطورات الداخلية بمنعطف تاريخى خطير وظروف بالغة التعقيد ترتب عليها فرض سياج من العزلة والحصار لفترة طويلة على إقليم جبال النوبة حيث تم قطعنا عن الجنوب وفقدنا خطوط الإمداد لسنوات، فضلا عن معركة وحصار تلشى الذى إستمر لعام كامل، ومع ذلك لم يستسلم الثوار بل إنتصروا على العدو. ومن ناحية أخرى، فقد ضربت المجاعة إقليم جبال النوبة بسبب شح الأمطار، ورفض الحكومة دخول الإغاثة إلى جبال النوبة عبر عملية شريان الحياة (Lifeline Operation). إستغلت الحكومة كارثة المجاعة وعملت على تهجير المواطنين بهدف تجفيف مناطق سيطرتنا من السكان. لقد إقتنعنا وقتها أن المجاعة أكثر خطرا من العدو لدرجة أننا سمحنا للكثير من الناس بالذهاب إلى مناطق سيطرة العدو، بدلا من الموت جوعا. القائد يوسف كوة مكى بحنكته وقدراته القيادية كان له رأيا مغايرا لمجابهة تلك الظروف والتحديات، فقد كان يدرك أن الشعب إذا كان لا يريد القتال، فسيكون من الصعب جدا دفعه دفعا للقتال، ولذلك رأى يوسف كوة من الأفضل إستقصاء رأيهم لمعرفة ما إذا كانوا يريدون مواصلة القتال أم لا. تلك كانت هى الفكرة الأساسية من وراء إنعقاد المجلس الإستشارى فى العام 1992. فقام بالدعوة إلى عقد إجتماع المجلس الإستشارى الإستثنائى فى العام 1992 بإعتبار أن هناك أمر جلل يستدعى المناقشة بشفافية والبت فيه بقرارات مصيرية. وبناءا على تلك الدعوة إنعقد المجلس الإستشارى لمدة سبعة أيام متتالية، وترأس الجلسات التى إنعقدت فى منطقة “دبى” الرفيق موسى عبد الباقى، فكانت القضية الأسياسية والمحورية فى جدول أعمال المجلس الإستشارى هو السؤال الذى طرحه القائد يوسف كوة مكى، هل نحن على إستعداد لمواصلة الثورة والنضال، أم علينا الإستسلام؟.
🔴 يُقال أن تلفون كوكو كان له موقف مختلف وقد عبر عنه صراحة لكنه لم يجد القبول من أعضاء المجلس الإستشارى، أرجو أن توضح لنا ذلك الموقف؟
نعم، إتخذ تلفون كوكو موقفا سلبيا ومحبطا تجاه الثورة فى تلك الإجتماعات. وعندما تم فتح باب النقاش حول البند المطروح على طاولة إجتماع المجلس الإستشارى، وهو السؤال الذى قدمه القائد يوسف كوة فى بداية الإجتماع، فإن الفرصة الأولى كانت من نصيب تلفون كوكو أبوجلحة حيث أدلى برأيه الذى نزل على أعضاء المجلس الإستشارى كالصاعقة، فقد دعا بكل صراحة إلى الإستسلام وعقد أى إتفاق سلام وتسليم سلاح الجيش الشعبى للعدو. لقد كشف تلفون كوكو عن أفكاره ومواقفه الحقيقية أثناء مداولات المجلس الإستشارى لتقوم بعد ذلك إمرأة وهى الرفيقة مريومة عبد الله تتبع لإتحاد النساء – منطقة ألليرا “وندو”، فقالت: ” نحن الآن فى منتصف الطريق، ومن الأفضل لنا الإستمرار بدلا من ترك هدفنا فى منتصف الطريق. فإذا قررتم أنتم الرجال الإستسلام للعدو، فأعطونا السلاح، فنحن النساء سنواصل النضال والكفاح المسلح ونواجه مصيرنا. نحن لا نخشى الجوع ولا العرى، أو حتى الموت الذى بات يحاصرنا من كل الإتجاهات. وبسبب موقف تلفون كوكو الإنهزامى الذى إعتبره أعضاء المجلس الإستشارى إنتكاسة إستمرت النقاشات حول هذا البند فقط لمدة أربعة أيام متتالية. لكن تمكن أعضاء المجلس الإستشارى من التصدى لهذا الموقف المخزى بالرفض القاطع، الأمر الذى أغضب تلفون كوكو الذى كان متمسكا برأيه وموقفه بل وإصراره على تسليم السلاح وظل ثابتا على ذلك الموقف منذ ذلك الوقت. لكن بعد مداولات ونقاشات ساخنة إتسمت بالصراحة، وبخلاف ما أراده تلفون فقد قرر المجلس الإستشارى بالإجماع مواصلة النضال والكفاح المسلح إلى أن يتحقق مشروع السُّودان الجديد وكان ذلك قرار مصيرى حاسم. فما يفعله تلفون كوكو اليوم ليس بجديد، ولا يعدو كونه تعبير عن ذات الموقف القديم.
🔴 كيف تنظرون للقرارات التصحيحية لمجلسى تحرير إقليمى جبال النوبة والفونج فى العام 2017؟
بالتأكيد، القرارات التى إتخذها مجلسا تحرير إقليمى جبال النوبة والفونج فى العام 2017 كانت قرارات تصحيحية بكل ما تعنى الكلمة لأنها أنقذت الثورة من محاولة الإختطاف، كما أجهضت مخطط الهبوط الناعم وقطعت الطريق أمام مؤامرة مساومة الجيش الشعبى الذى يعد صمام أمان الثورة. فالثنائى عقار وعرمان قد تخليا عن مشروع السُّودان الجديد الذى قامت على أساسه الحركة الشعبية والجيش الشعبى لتحرير السودان، وذلك مقابل مصالح ذاتية وتمرير أجندة قوى الهبوط الناعم بالتواطؤ مع نخب المركز الإسلاموعروبى، لكن جاءت القرارات التصحيحية فى وقتها لتؤكد يقظة مؤسساتنا القاعدية، وأن الثورة محروسة، ولن يستطيع كائن من كان النيل منها.
🔴 كيف تقيم أداء مؤسسات الحركة الشعبية فى الوقت الراهن بالمقارنة مع الفترة قبل الثورة التصحيحية؟
لا يمكن المقارنة أصلا مع الفترة قبل الثورة التصحيحية التى شابها التخبط والعشوائية، والإنفراد بالقرارت المصيرية بالإضافة إلى غياب الوثائق المرجعية والهياكل والمؤسسات وغيرها من الأزمات التى إختلقتها القيادة السابقة. بعد القرارات التصحيحية، وبفضل المؤتمر الإستثنائى العام الذى أعاد الحركة الشعبية إلى منصة التأسيس فأصبحت لديها هياكل ومؤسسات تنظيمية منتخبة ووثائق مرجعية ممثلة فى ” المنفستو والدستور والبرنامج السياسى والقوانين”. الجيش الشعبى صار أكثر تنظيما من أى وقت مضى، وتم تأسيس هياكل ومؤسسات السلطة المدنية للسودان الجديد فى جميع المستويات فى الأراضى المحررة بالإقليمين. هناك قضاء مستقل ومؤسسات عدلية، كما هنالك منظمات مجتمع مدنى تشكل حاضنة مدنية للثورة. أستطيع القول أنه توجد بيروقراطية الدولة (State bureaucracy) فى المناطق المحررة. أنا أؤكد وبثقة أن الحركة الشعبية حاليا متماسكة وأقوى من أى وقت مضى، كما أنها تمثل قوة رئيسية ومؤثرة فى الساحة السياسية السُّودانية.
🔴 كيف تقرأ المشهد السياسى فى السودان، وما هى مآلاته فى ظل الأوضاع القائمة الآن؟
ما يجرى الآن فى السًُودان من تطورات سياسية يمكن قراءته فى سياق تكريس المركز لسياسات السُّودان القديم والتى لن تقود إلا إلى تبدد وضياع الدولة السُّودانية برمتها، فالنادى السياسى القديم لا يرغب فى الحل الجذرى لمشكلة السودان، ولذلك عمل بجد لإجهاض ثورة ديسمبر، وما زال يقاوم أى دعوة أو إتجاه نحو التغيير الجذرى لأنه يرى أن أى تغيير فيه مساس ببنية الدولة القديمة يشكل بالضرورة تهديدا لهيمنته وإمتيازاته. ومن ناحية أخرى البلاد تعيش أزمة شرعية وفراغ دستورى وإنسداد سياسى غير مسبوق بسبب إنقلاب اللجنة الأمنية المرفوض والمعزول محليا وإقليميا ودوليا. معلوم أن الحكومة الحالية والتى يقودها إئتلاف العسكر والجنجويد وقوى سلام جوبا هى حكومة بلا برنامج وهى من تتحمل مسئولية إنقلاب ٢٥ أكتوبر وتداعياته الكارثية من أزمة شرعية وفراغ دستورى، إنهيار إقتصادى، عودة فلول النظام إلى المشهد، الإنفلات الأمنى غير المسبوق فى الولايات وفى قلب العاصمة الخرطوم بالإضافة إلى الإرتهان لسياسة المحاور على حساب السيادة الوطنية ومصالح البلاد. بإختصار الأوضاع القائمة الآن تشكل تهديدا وجوديا للسودان ما لم يتم تداركها بمسئولية وروح وطنية، وعلى جناح السرعة.
🔴 وكيف تنظر لطبيعة الصراع السياسى فى السودان، وما هو المخرج فى تقديركم؟
يكمن جوهر المشكلة فى السودان فى غياب المشروع الوطنى، وفى أزمة الهوية الوطنية حيث فشلت الدولة السودانية فى إدارة التعدد و التنوع بسبب عدم الإعتراف بالتنوع من الأساس، فضلا عن فشل النخب التى تعاقبت على حكم السودان منذ ما يسمى بإستقلال السودان فى الإجابة على الأسئلة الدستورية المتعلقة بطبيعة الدولة، سؤال الهوية الوطنية، علاقة الدين بالدولة، والسؤال كيف يحكم السودان، بالإضافة إلى تهميش وإقصاء الآخر الثقافى. وفى تقديرى يكمن الحل فى ضرورة الوصول إلى سلام عادل شامل ومستدام يعيد البلاد إلى منصة التأسيس بدلا من سياسة الهروب إلى الأمام.
🔴 برأيكم ما المطلوب من الشعوب المهمشة فى السودان حتى تنتزع حقوقها؟
بالنسبة للشعوب المهمشة لا خيار أمامها سوى التضامن والتوحد لتحرير أنفسهم وإنتزاع حقوقهم. لذلك ينبغى على الشعوب المهمشة فى شرق السُّودان، دارفور، جبال النوبة، والفونج وفى أقصى شمال السودان وكل المتضررين من الوضع القائم فى السودان، ولهم مصلحة حقيقية فى التغيير الجذرى أن يتوحدوا خلف رؤية السُّودان الجديد وذلك لإنهاء التهميش والأوضاع المختلة ومعالجة المشكلة السُّودانية السُّودانية من جذورها وبناء دولة قابلة للحياة.
🔴 هل من رسالة للشباب؟
يمثل هذا الحوار فرصة تاريخية بالنسبة لى، لذا دعونى أقدم عبركم الدعوة إلى الشباب بضرورة وأهمية الوحدة فيما بينهم والتمسك بمشروع السُّودان الجديد. كما أناشدهم أيضا بالإستمرار فى طريق الكفاح والنضال والثورة بتقديم المزيد من التضحيات فى سبيل إنتزاع الحقوق وتحقيق رؤية السُّودان الجديد التى ظلت وما تزال حلما يراود الأغلبية المهمشة. المستقبل لكم أيها الشباب، فأمضوا أيها الشباب ولا تلتفتوا للإنهزاميين والمخزلين وقوى الردة والظلام.
هذا تحليل صادق للغاية وعميق لمشاكل السودان التاريخية والأسباب الجذرية لهذه المشاكل. ولكن للأسف بقيت الأمور منذ تأسيس دولة السودان الحديثة حتى هذه اللحظة.