القائد يوسف كرة هارون فى حوار مهم مع الموقع الإلكترونى (١ – ٢)

 

– أنا أول ضابط تم تكليفه بمهام الإستكشاف والترتيب لدخول كتيبة البركان بقيادة يوسف كوة إلى جبال النوبة

– يوسف كوة كانت أمامه فرصة للعمل فى أكبر وأرقى المؤسسات الإقتصادية بعد تخرجه من كلية الإقتصاد بجامعة الخرطوم، ولكنه قرر العودة إلى كادقلى لمواصلة مهمة توعية وتنظيم الشباب

– نجحنا فى إيقاف ظاهرة إستيراد المرشحين من الخرطوم والأبيض للترشح فى دوائر جبال النوبة

– إخترنا طريق الكفاح المسلح عندما إنسدت كل الطرق أمام حقنا المشروع فى التعبير والمطالبة بحقوق شعبنا

– تلفون كوكو لم يكن عضوا فى اللجنة التنفيذية لتنظيم كومولو

– ترتيب إختباءنا وتنسيق خروجنا من الخرطوم كان مسئولية د. لام أكول وعبدالعزيز الحلو

حوار أنس آدم:

يظل القائد يوسف كرة هارون المستشار السياسى لرئيس الحركة الشعبية، مستودعا وصندوق أسود يحمل معلومات وأسرار قلما تجدها عند غيره بوصفه من أوائل قيادات كومولو العشرة الذين أرسل إليهم القائد يوسف كوة مكى طالبا منهم اللحاق به فى إثيوبيا بعد إعلان الإنضمام للحركة والجيش الشعبى لتحرير السودان والإنخراط فى الكفاح المسلح. إنضم يوسف كرة إلى تنظيم الشباب السرى (كومولو) منذ العام 1978 عندما كان يعمل موظفا فى مؤسسة البريد والبرق. إلتقيناه وأجرينا معه هذا الحوار المطول والمهم والذى سيتم نشره فى جزئين، هذا الجزء الأول من الحوار تطرق فيه القائد يوسف كرة لسرد تاريخى مفصل عما يعرفه عن تنظيم الشباب (كومولو) وأهم إنجازاته. كما تحدث عن أسباب وقرار إنخراطهم فى الكفاح المسلح وبدايات التأسيس للثورة والكفاح المسلح فى جبال النوبة. أما الجزء الثانى من الحوار والذى سينشر لاحقا، فقد تناول فيه تعقيدات المشهد السياسى فى السودان وآفاق الحلول، فإلى مضابط الحوار:

🔴 نحييك إبتداءا، وسعداء أن نلتقى بكم فى الموقع الإلكترونى لإجراء هذا الحوار التاريخى والمهم. فى البداية أرجو تعريف نفسك لقراء ومتابعى الموقع الرسمى

أُولا أحيى الطاقم الإعلامى للموقع الإلكترونى للحركة الشعبية، وسعيد بهذه الإطلالة على هذه المنصة الإعلامية. أنا القائد يوسف كرة هارون – المستشار السياسى لرئيس الحركة الشعبية لتحرير السُّودان – شمال، من مواليد 1957 بقرية أبيض التابعة لمقاطعة دلامى. تلقيتُ الدراسة الأولية والوسطى فى الإرسالية الأسقفية، ثم إلتحقت بمدرسة تلو الثانوية بكادقلى عندما كنت موظفا فى البريد والبرق.

🔴 متى كان إنضمامكم للحركة الشعبية والجيش الشعبى لتحرير السودان، وما هى أبرز المناطق والجبهات التى عملت بها؟

إلتحقتُ بصفوف الحركة الشعبية والجيش الشعبى لتحرير السودان فى 25 ديسمبر 1984 ضمن أول مجموعة أرسل لها القائد يوسف كوة مكى طالبا منهم الإلتحاق به فى إثيوبيا. بحكم خلفيتى العسكرية قبل عملتُ مدربا بمركز التدريب فى بلفام، ثم قائدا لسرية فى مجموعة مرمور بقيادة رياك مشار فى العام 1985 والتى كانت تضم كتيبة نجيل المتجهة إلى بحر الغزال، ثم ضابطا فى كتيبة Wolf بقيادة رياك مشار أيضا. كما عملت قائدا لمنطقتى أللير وأدوك البحر بأعالى النيل فى العامين 1986و 1987. وفى مارس 1987 تم تكليفى بمهام الإستكشاف والترتيب لدخول كتيبة البركان بقيادة القائد يوسف كوة مكى إلى جبال النوبة. عملت فى الجبهة الثانية (أشوا – رجاف – لتاكا – مقوى – مريدى – يامبيو – طمبرا). كما عملت فى قيادة الفرقة الثالثة ببحر الغزال. وفى جبال النوبة عملت فى مناطق ريفى دلامى، أم دورين والجبال الغربية.

🔴 من الواضح أن إنضمامكم وإنخراطكم المبكر في الكفاح المسلح مؤشر لوعيكم السياسي، هل لك أن تحدثنا متى تفتحت عيون وذهن القائد يوسف كرة على السياسية؟

إنفتاحى على النشاط السياسى إرتبط بوجود داخل تنظيم الشباب عندما كنت فى كادقلى والذى إلتحقت به منذ العام 1982 إلى 1984 لقد أسهم تنظيم الشباب فى تشكيل الوعى السياسى لدى الشباب بحجم الظلم والتهميش وأهمية وحدة أبناء جبال النوبة من أجل إنتزاع حقوقهم السياسية.

🔴 متى وكيف نظمتم أنفسكم كشباب فى تنظيم كومولو؟

عندما كنت موظفا بمؤسسة البريد تعرفت بمجموعة من الشباب المنتمين لتنظيم الشباب في كادقلى منذ العام 1978 أذكر منهم سعيد كومى وبنجامين بريمة اللذان ساعدانى فى الإنضمام إلى تنظيم الشباب – عبر خلية كليمو. وإكتشفتُ لاحقا أن هنالك خلايا فى حجر المك، قعر حجر، تافيرى وعرفتُ أيضا أن للتنظيم خلايا في الدلنج والخرطوم. كما علمت أن تنظيم الشباب كان قد وضع لبناته كوكبة من طلاب مدرسة تلو الثانوية منذ العام 1972 وأن الأستاذ يوسف كوة مكى قد لعب دورا كبيرا فى توسيع الفكرة وإعادة تنظيم الشباب عندما إلتقى بمجموعة تلو فى جامعة الخرطوم وكان من بينهم عبدالعزيز آدم الحلو والأستاذ كوكو محمد جقدول وكان ذلك فى منتصف السبعينيات. بعد تخرج يوسف كوة من كلية الإقتصاد بجامعة الخرطوم كانت لديه فرصة للعمل فى أرقى وأكبر المؤسسات الإقتصادية وقتها، ولكنه قرر العودة إلى كادقلى والعمل مدرسا بهدف مواصلة مهمته ورسالته المتمثلة فى توعية الشباب والمثقفين والموظفين وتنظيمهم. شخصيا إلتقيت بالأستاذ يوسف كوة وتعرفت به لأول مرة فى كادقلى بعد إنضمامى لتنظيم الشباب فى العام 1978. وفى العام 1983 قام تنظيم الشباب بتنظيم رحلة إلى مرتا وكنتُ وقتها عضوا في اللجنة التنفيذية لتنظيم الشباب بكادقلى حيث عقدنا إجتماعا فى 25 مارس 1983 خلص إلى تسمية تنظيم الشباب بــ “كومولو”، وأتذكر أنّه شارك فى ذلك الإجتماع بالإضافة إلى شخصى كل من عوض الكريم كوكو، الأستاذ سايمون كالو كومى، صالح إلياس، محمد الأول، إبراهيم بلندية، محمد أبوعنجة أبوراس، أزرق زكريا، هارون إدريس، عثمان عبد الله، وجميعهم كانوا من خلايا كادقلى. أما خلايا الدلنج فكنت أعرف منهم الأستاذ كوكو محمد جقدول وعبد المنعم. ومن الشباب المعروفين بالنسبة لى فى خلايا الخرطوم عبد العزيز آدم الحلو وموسى عبد الباقى والأستاذ ديفيد كوكو وآخرون. توسع تنظيم كومولو لينفتح بعد ذلك ناحية الدلنج، كادقلى، هيبان وأم دورين. طريقة عمل ونشاط هذه الخلايا كانت سرية للغاية حيث أن الأعضاء في خلية معينة لا يعرفون أعضاء الخلايا الأخرى وهكذا، إلا أن أعضاء اللجنة التنفيذية للتنظيم هم الذين كانوا يعرفون أعضاء الخلايا، فالأنشطة والإجتماعات كانت فى منتهى السرية وكنا نوفى بالقسم المغلظ بيننا كأعضاء فى التنظيم السرى.

🔴 ما هى رؤية وأهداف تنظيم كومولو وقتها؟

رؤية تنظيم كومولو كانت تتمثل فى حلم الشباب بجبال نوبة موحدة تتمتع بكامل حريتها وحقوقها السياسية والتنموية والإجتماعية، ولذلك كان من أولويات برنامجنا العمل على توعية الشباب وتوحيدهم وتنظيمهم وتهيأتهم لنضال طويل الأمد من أجل إنتزاع الكرامة والحقوق السياسية لشعب جبال النوبة. قمنا بتنظيم حملات توعية سرية وسط الشباب، وكنا نشرح لهم حجم الظلم والتهميش الواقع على شعب جبال النوبة والشعوب المهمشة الأخرى مثل الفونج ودارفور. وكانت الدعوة إلى وحدة أبناء النوبة والمهمشين.

🔴 فى تقديرك، ما هى أبرز المكاسب السياسية التى حققها تنظيم كومولو؟

بالطبع هنالك مكاسب وأهداف كثيرة تمكن تنظيم كومولو من تحقيقها، فقد نجح التنظيم فى لعب دور فاعل فى رفع مستوى الوعى السياسى لدى الشباب. كما نجحنا فى توحيد الشباب وتذويب الفوارق الدينية والتباينات القبلية. والأهم هو أننا نجحنا فى إيقاف ظاهرة إستيراد المرشحين من الخرطوم والأبيض للترشح فى دوائر جبال النوبة. فقد درجت الأحزاب التقليدية والطائفية مثل حزب الأمة والحزب الإتحادى الديمقراطى على إستيراد المرشحين وجلبهم من الخرطوم والأبيض للترشح فى دوائر جبال النوبة مستغلين الناخبين مقابل أشياء بسيطة وتافهة فى سبيل الحصول على أصواتهم، ثم يختفون بعد إعلان فوزهم، ولا يظهرون مجددا إلا فى الإنتخابات القادمة. حققنا فوز يوسف كوة الكاسح بمقعد فى مجلس الشعب الإقليمي، وكذلك فزنا لأول مرة بما لايقل عن “18” مقعدا فى مجلس الشعب الإقليمى فى العام 1984، بالإضافة إلى فوز دانيال كودى أنجلو بمقعد مجلس الشعب القومى فى فى نفس العام. هذه المكاسب والإنجازات فشل فى تحقيقها الآباء والرعيل الأول من المناضلين فى إتحاد عام جبال النوبة والحزب القومى السودانى، مع أننا نقدر ونحفظ لهم نضالاتهم ودورهم الطليعى فى توعية شعبنا والشعوب المهمشة الأخرى.

🔴 متى، ولماذا قررتم كشباب خوض الكفاح المسلح؟

 إخترنا طريق الكفاح المسلح فى أكتوبر 1984 عندما إنسدت كل الطرق السلمية أمام حقنا المشروع فى التعبير والمطالبة بحقوق شعبنا، وبعد الإطلاع على منفستو الحركة الشعبية والذى تحصلنا عليه من القائد إدوار لينو آنذاك، قررنا فى إجتماع اللجنة التنفيذية للتنظيم والذى إنعقد سرا فى منزل يوسف كوة بكادقلى فى أكتوبر 1984 إرسال يوسف كوة مكى شخصيا عبر خلية الخرطوم للقاء رئيس الحركة الشعبية والقائد العام للجيش الشعبى لتحرير السودان الدكتور جون قرنق ديمابيور فى نوفمبر 1984 للإستماع له والتأكد من أهداف الحركة الشعبية ورؤية السودان الجديد عن قرب، وإيصال رغبتنا الصادقة فى الإنضمام إلى الحركة الشعبية والنضال مع إخوتنا ورفاقنا الجنوبيين من أجل السودان الجديد بعد الإطمئنان على أهداف الحركة الشعبية ورؤيتها وبرنامجها، وهذا ما حدث بالضبط.

🔴 لكن للأسف حدث الإنفصال الذى هزم مشروع السودان الجديد عندما صوت الجنوبيون بأغلبية ساحقة لصالح إستقلال جنوب السودان؟

لم ينهزم مشروع السودان الجديد، فمشروع السودان الجديد ما يزال، وسيظل المشروع الوطنى الوحيد الذى يمكن يعالج جذور المشكلة السودانية ويؤسس لدولة قابلة للحياة، ولكن لم يكن أمام الجنوبيين أى خيار غير التصويت لصالح الإستقلال فى سبيل الحفاظ على هويتهم ووجودهم بعد أن قدموا أكثر من إثنين مليون شهيد وملايين اللاجئين من أجل السودان الجديد، خاصة وأن عقلية الشنقيطى فى الشمال ما زالت تتحكم فى الأمور وتتمسك بقوانين الشريعة الإسلامية وتصر على فرض الهوية العربية والإسلامية وإقصاء الآخر الثقافى والعرقى والدينى وإخضاعه وإذلاله، وتصر على إستمرار هيمنتها والحفاظ على إمتيازاتها.

🔴 هل كان تلفون كوكو ضمن أعضاء اللجنة التنفيذية لتنظيم الشباب والذى تمت تسميته لاحقا بكومولو؟

أبدا، تلفون لم يكن عضوا فى اللجنة التنفيذية لكومولو. لأول مرة سمعت عن تلفون كوكو من يوسف كوة شخصيا وعلمت منه أنه قام بتكليف الرفاق عوض الكريم كوكو وشقيقه عزالدين كوكو، بالإضافة إلى كامل كوة مكى بمهمة إستقطاب وتجنيد تلفون كوكو فى تنظيم كومولو فى أكتوبر 1984، ولم أكن أعرف تلفون ولم ألتقيه حتى ذلك الوقت. فأول مرة ألتقى فيه تلفون شخصيا كان فى الإرسالية التابعة للكنيسة الأسقفية بأمدرمان حيث كنا نختبئ هناك فى أيامنا الأخيرة توطئة للخروج سرا واللحاق بيوسف كوة فى إثيوبيا. فقد أخبرنى عوض الكريم كوكو وقتها بأن تلفون كوكو من ضمن العشرة الذين طلب منهم يوسف كوة أن يلحقوا به فى إثيوبيا، وأخبرنى عوض الكريم أنه قد أرسل إلى تلفون كوكو للإنضمام إلينا فى الخرطوم حيث كنا نختبئ للسفر معا. كانت تلك هى المرة الأولى التى ألتقى وأتعرف فيها على تلفون كوكو، وبالفعل سافرنا معا فى ديسمبر 1984. يبدو أن يوسف كوة كان حريصا على ظهور ولو واحد من كوادر كومولو من ريفى البرام.

🔴 هل كان جميع العشرة الذين طلب منهم يوسف كوة اللحاق به فى إثيوبيا أعضاء فى اللجنة التنفيذية لكومولو، وهل سافروا جميعا؟

كلا، لم يكن جميعهم أعضاء فى اللجنة التنفيذية لكومولو وحتى شخص مثل تلفون كوكو كان حديث الإنضمام لتنظيم كومولو، ومن سافروا وإلتحقوا بيوسف كوة عمليا فى إثيوبيا كان ثلاثتنا فقط (عوض الكريم كوكو تية – يوسف كرة هارون- وتلفون كوكو أبو جلحة).

🔴 من الذى كان يرتب عملية خروجكم؟

ترتيب إختباءنا وتنسيق خروجنا كان مسئولية د. لام أكول أجاوين وعبدالعزيز آدم الحلو بإعتبارهما المكلفين من قيادة الحركة الشعبية بالمسئولية عن العمل السرى وتفويج المنضمين إلى الحركة من الداخل للإنخراط فى الكفاح المسلح. أتذكر أن عبدالعزيز أخذنا لمقابلة الدكتور لام أكول قبل السفر فى مكتبه بجامعة الخرطوم، ومن هناك ذهب معنا وإجتمعنا فى حديقة وزارة الخارجية، لكن عبدالعزيز الحلو هو من كان يشرف شخصيا على إجراءات وتفاصيل ترتيبات خروجنا من الخرطوم، وهو من أحضر لنا التذاكر والفيزا والمصاريف، كما أنه كان آخر من ودعنا مع د. لام أكول فى مطار الخرطوم بعد أن دلنا على الشخص الذى سيستقبلنا فى نيروبى وإسم الفندق الذى ستتم إستضافتنا فيه لثلاثة أيام قبل المغادرة إلى أديس أبابا.

🔴 هل تمانع من ذكر أسماء العشرة الذين طلبهم يوسف كوة؟

قائمة العشرة الذين طلبهم يوسف كوة فى أديس شمل كلا من: (عوض الكريم كوكو تية – دانيال كودى أنجلو – يوسف كرة هارون – محمد أبوعنجة أبوراس – تلفون كوكو أبوجلحة – صالح إلياس دلدوم – أزرق زكريا – عزالدين كوكو – هرون إدريس – حامد). لكن عمليا سافرنا أنا وعوض الكريم وتلفون كوكو فقط، ثم إلتحق بنا دانيال كودى أنجلو فيما بعد عبر مصر. أما حامد والذى نسيت إسمه الكامل، فقد وصل إلى إثيوبيا بعد فترة لكنه فوجئنا أنه إختار الإنضمام إلى قوات المقدم يعقوب إسماعيل.

🔴 متى دخلتم إلى جبال النوبة لأول مرة كطلائع للجيش الشعبى، وما هى مهمتكم وقتها؟

طلائع الجيش الشعبى التى دخلت اول مرة إلى جبال النوبة كانت تقتصر مهمتها على التعبئة والإستقطاب والتجنيد ولم تكن لديها أية مهام قتالية. كنا خمسة ضباط من أبناء النوبة (الملازم أول عوض الكريم كوكو تية – الملازم أول يوسف كرة هارون- الملازم أول تلفون كوكو أبوجلحة – الملازم يوسف كندة – والملازم رفعت رحمة الله)، كنا تابعين لكتيبة Wolf بقيادة رياك مشار والتى كان من المفترض أن تتحرك فى مهمة رسمية إلى جبال النوبة بغرض التعبئة والإستقطاب والتجنيد وليس القتال، ولكننا وقعنا فى كمين بين القردود وطابولى ذلك الكمين أفشل المهمة. وفى العامين 86 – 1987 تم تكليفى بمهام الإستكشاف والترتيب لدخول كتيبة البركان بقيادة يوسف كوة مكى إلى جبال النوبة. تمكنت من دخول منطقة أشرون بمجموعة صغيرة من طلائع الجيش الشعبى وهناك وجدت كلا من عوض الكريم كوكو وتلفون كوكو أبو جلحة واللذان تسللا ودخلا إلى جبال النوبة بدون قوات، حيث أنهما قد طلبا إذنا بالذهاب إلى جبال النوبة للقيام بالتعبئة والإستقطاب والتجنيد من دون تكليف رسمى من قيادة الحركة الشعبية والجيش الشعبى لتحرير السودان. عدت مرة أخرى إلى منطقة بانتيو بعد إنجاز المهمة الأولى وبرفقتى قوة من المستجدين. فى أبريل من العام 1987 تحركت إلى فاريانق لإستقبال سرية من كتيبة سوباط كانت قادمة من أعالى النيل تحت مسمى Jebal Task Force بقيادة الملازم آدم كوكو وبرفقته كل من الملازم عزت كوكو أنجلو، الملازم إبراهيم الملفا مرة والملازم سايمون كالو كومى وكانت مهمتهم الإستقطاب والتجنيد. وعندما وصلت تلك القوة منطقة أشرون قمت بنشر جزء منها فى ريفى البرام (بقيادة تلفون كوكو)، ريفى أم دورين (بقيادة إبراهيم الملفا مرة)، وريفى هيبان (بقيادة سايمون كالو)، فيما كلفت آدم كوكو بمهمة الإستقطاب والتجنيد فى مناطق الليرا وكواليب، وبقى معى الملازم عزت كوكو أنجلو فى رئاستى بأشرون، أما عوض الكريم فقد ذهب إلى غرب كادقلى. عادت طلائع سوباط إلى مقر رئاستى بأشرون بأعداد مقدرة من المستجدين فى 25 مايو 1987. وفى 26 يونيو 1987 دخل القائد يوسف كوة مكى إلى منطقة الرملة بكتيبة البركان مع عبدالعزيز آدم الحلو الذى كان أركان حربه وقتها وقمت بإستقبالهم فى سرف الجاموس. بالفعل نجحنا فى إستقطاب وتجنيد أعداد كبيرة من أبناء النوبة هذه المرة. بعد تجميع المستجدين تحركت فى 30 يونيو فى مهمة إلى إثيوبيا لإيصال 2000 مستجد، ووصلنا إلى بلدة إيتانق بعد رحلة على الأرجل، رحلة طويلة وشاقة من جبال النوبة إلى مركز التدريب فى بلفام بإثيوبيا مرورا بعدة مناطق فى جنوب السودان. عبرنا صحراء تشنجلنق الواقعة بين بور وبيبور حيث تسبب الجوع والعطش فى إستشهاد عدد من الرفاق أثناء السير – وكذلك إصابة تلفون كوكو إثر إطلاقه الرصاص الحى على رجله، مما إضطر الرفاق على حمله، الأمر الذى فاقم من المعاناة وزاد عبئ السير حتى أوصلناه إلى بيبور ثم واصلنا السير إلى بلفام فى إثيوبيا.

🔴 هل لك أن تذكر أسماء القوات والكتائب التى تدربت ثم عادت إلى جبال النوبة فى الثمانينيات والسبعينيات؟

عقب تخرّج الدفعة الأولى من المستجدين فى مركز التدريب العسكري بإثيوبيا فى العام 1988 تم تقسيم القوات إلى خمس كتائب وعادت تلك القوات إلى جبال النوبة فى مهام قتالية تحت مسمى New Cush Division بقيادة عبد العزيز آدم الحلو، فيما تبقت الكتيبة السادسة والتى دخل بها يوسف كوة لاحقا إلى جبال النوبة، وكان قد تمت تسمية تلك الكتائب الخمس بأسماء أبطال ورموز جبال النوبة، وهى: (الإحيمر – ميراوى – عجبنا – شامبى – وتقلى). وصلت قوات كوش إلى بحيرة الأبيض/جاو فى 30 يونيو 1989 فى طريقها إلى كرنقو عبدالله وتعرضت لكمين كبير من قوات البركان التابعة للعدو فى جبل فاما مما إضطرها للإشتباك معها قبل الوصول إلى وجهتها الأخيرة فتمكنت من تدمير قوات العدو وتشتيتها، ثم واصلت التقدم وتمكنت من كسر الكمين الثانى الذى نصبته قوات العدو فى منطقة الإحيمر وتوغلت حتى منطقة كرنقو الواقعة جنوب غرب مدينة كادقلى. فيما بعد تمت إعادة نشر قوات كوش حيث تموضعت كتيبة الإحيمر فى ريفى هيبان بقيادة يونس أبو صدر، أما كتيبتى ميراوي وعجبنا فقد تموضعتا فى ريفى أم دورين والبرام (الرئاسة فى كرجى)، بينما تم نشر كتيبة شامبى فى ريفى دلامي، أما كتيبة تقلى بقيادة إسماعيل خميس جلاب فقد تم نشرها فى المنطقة الغربية، لاحقا وأخذ عبدالعزيز الحلو كتيبة على ما أذكر وعاد بها إلى كرنقو فتمركز هناك.
وأخيرا دخلت قوات لواء إنتصار إلى جبال النوبة فى العام 1991 بقيادة القائد المناوب دوت دامكواج. ضمت قوات لواء إنتصار أربع كتائب هى: (البركان (2) – نشاب (1) – نشاب (2) – قديل). قاد محمد جمعة نايل كتيبة نشاب (2) إلى المنطقة الغربية، أما الكتائب الثلاث فقد تم تسليمها للقائد عبدالعزيز الحلو وتحرك بها إلى جبل تومى/جبال تقلى بالمنطقة الشرقية. لاحقا صار هناك مركز لتدريب المستجدين والقوات فى جبال النوبة وأصبح يخرج الكتائب والدفعات.

🔴 ما هي أهم التحديات التي واجهتكم، وكيف تعاملتم معها؟

بالفعل لقد واجهنا تحديات كثيرة منها تواجد العدو وعلمه بقدومنا، فضلا عن الدعاية المستمرة التي يقوم بها ضد الحركة الشعبية من بث الشائعات وتضليل الرأى العام وزرع الخوف والفزع فى نفوس المواطنين بأن الحركة الشعبية هي حركة نهب وسلب لكن تمكنت قيادة الحركة الشعبية بخبرتها وحنكتها من الصمود وإزالة المخاوف وتجاوز التحديات بتنظيم وتوعية وتعريف المواطنين برؤية السودان الجديد وأهداف الحركة الشعبية.

3 تعليقات
  1. عثمان+بريمة يقول

    لك التحيه القائد يوسف كرة وانت تحكي لنا هذا التسلسل التاريخي الرائع

  2. Kallou Gindeel يقول

    يا سلام. هذا هو التاريخ الذي نبحث عنه،

  3. Fawn Haenke يقول

    كورسات و دورات في كل المجالات في مكان واحد لتحقق دخلاً شهرياً ممتازاً و بمتابعة حصرية

    http://mmomaster.site/

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.