الفن والثورة
عبدالله سليمان ودباشا
17يناير 2022م
إن دور الفن في الحراك الثوري له أهمية كبيرة خصوصاً في لحظات المد الثوري التي يحتاج فيها الثوار للدعم المعنوى و الثبات على الأفكار والمواقف، وأهمية دور الفن في لعب هذا الدور تأتي من قدرة الفن على ترجمة التعقيدات الموجودة في الصراع بين معسكر الثورة ومعسكر السلطة الإستبدادية القمعية ببساطة تجعلنا نفهم القضية برمتها عن طريق بيت من الشعر أو لوحة تشكيلية او رقصة معبرة أو أحد الرسومات الكاريكاتورية، والتي تحارب في الأيام الأخيرة بشدة (وهو ما يجعلنا نؤكد خطورة الفن على النظم الاستبدادية الرجعية).
ولعلنا ندرك أن الفن هو العامل الأهم والمقياس الأدق في قياس تقدم الشعوب وقدرتها على الإرتقاء والتقدم، ومن دروس التاريخ والواقع نتعلم أن الفن كان ولا زال المحرك الأساسى لمواجهة النظم الإستبدادية،
فتلك النظم لا تمتلك سلاح الإبداع الذي دائما ما يمتلكه المعسكر الثوري والذي عبره يستطيع إسقاط مهما يكون قوة النظم الإستبدادية، فالإبداع الثورى يفوق مخططات وإستعدادات الحكومات الدكتاتورية في قمع الثورة فتكون المواجهة الحتمية النهائية بين الثورة والسلطة، إذا حللناها وترجمناها كمشهد فني بصري
مثلا:
القوات القمعية الأمنية التى تحمل سلاحها لسحق وقمع الثوار من ناحية، ومن الناحية أخرى هؤلاء الثوار الذين يحملون حناجرهم وأصواتهم مرددة أغاني ثورية وطنية او اغاني حماسية بصدور عارية كسلاح وحيد لهم نجد هذا السلاح يستطيع صاحبه أن ينتصر إنتصارا ساحقا إذا إستطاع إستخدامه بطريقة جيداً.
في عهد نظام الإسلاميين كان الفن خادماً لنظام المؤتمر الوطني آنذاك بمعنى أن النظام آنذاك إستخدم نجوم الفن أصحاب الملايين الذين إهتموا بجمع الأموال وتهميش دور الفن في رفع الوعي وقدموا أعمالا بلا مضمون وهو ماكان يريده النظام آنذاك وهو تهميش دور الفن وتجفيف مضمونه لجعله مجرد (رقصة وأغنية مشهد عاري ومشهد أكشن……الخ). هؤلاء النجوم الذين يمتلكون شهرة واسعة عند الجمهور المتلقي للفن إستخدمهم النظام كأداة لتمجيد نظام المخلوع ومدحه وأيضاً إستطاع هذا النظام أن يغيب من لهم رسالة فنية وإيمان بدور الفن كمحرض ومحرك إجتماعي وعلى سبيل المثال؛ تهميش كثير من فناني جيل الثورة ومضايقتهم وإبعادهم من المشهد الفنى مما إضطر هؤلاء الشباب أن يخلقوا مساحتهم الخاصة (المنتديات) دون اللجوء للبيروقراطية وآليات الدولة التي كانت تفرض على الفنان ماذا يقدم ومتى وأين وكيف، ولكن لا زال لم يختلف المشهد كثيراً.
ولعلنا الآن وفي هذه اللحظة بالأخص لابد وأن نستحضر بعض المقاطع من بيان (نحو فن ثورى حر – لـ ليون تروتسكى) ونُشر هذا البيان في خريف 1938 بمجلة “بارتيزان ريفيو” بإمضاء الرسام المكسيكي دبيجو ريفيلرا والشاعر الفرنسي السريالي أندريه بريتون. وعلى الرغم من أن تروتسكي لم يوقع البيان، إلا أنه لعب في الواقع الدور الرئيسي في كتابته. في هذا البيان يظهر بوضوح تصور تروتسكي للعلاقة الوثيقة بين ثورية الفن وحريته. ولعل المقاطع التالية توضح لنا أهمية دور الفن في اللحظة الآنيه والآليات التي يجب أن يستخدمها الفنانون لمواجهة الهجمة الشرسة التي يواجهها الفن ودور الفن في دعم الثورة وأن الفن والثورة ثنائية لا تنفصل ابدا.
1-” معارضة الكتاب والفنانين هي إحدى القوى التي يمكن أن تسهم في تعرية وإسقاط الأنظمة التي لا تدمر فقط حق البروليتاريا في الطموح في عالم أفضل، وإنما تدمر معه كل شعور بالسمو بل وبالكرامة الإنسانية”.
2-“إننا نعي تمامًا أن الآلاف المؤلفة من المفكرين والفنانين المنعزلين هم اليوم مشتتون في مختلف أنحاء العالم، حيث تغرق أصواتهم وسط الضجيج العالي للكذابين المنظمين جيدًا. وتسعى المئات من المجلات المحلية الصغيرة لأن تجمع حولها قوى شابة، في محاولة لإيجاد طرق جديدة. إن الفاشية تدمر كل نزعة تقدمية في الفن بإعتبارها “منحطة”، كما يطلق الستاليون وصف “الفاشية” على كل إبداع حر. وعلى الفن الثوري المستقل أن يوحد قواه الآن من أجل المعركة ضد الإضطهاد الرجعي. عليه أن يعلن بصوت عال حقه في الوجود. توحيد القوى هذا هو هدف “الإتحاد الدولي للفن الثوري المستقل” الذي نؤمن بضرورة تشكيله الآن”.
3-“إن هذا النداء يهدف لإيجاد أساس مشترك يتحد على أساسه جميع الكتاب والفنانين الثوريين، لكي يخدموا الثورة بأفضل شكل ممكن بفنهم ولكي يدافعوا عن حرية هذا الفن نفسه ضد مغتصبي الثورة. أننا نؤمن أن النزعات الجمالية والفلسفية والسياسية الأشد تنوعًا تستطيع أن تجد هنا أساسًا مشتركًا……..الخ.
أعتقد أن الفقرات الأربع السابقة كفيلة أن تلخص لنا ما هو مطلوب من الفن في اللحظة الآنية من عمر الثورة في بلادنا بالضرورة نجعل من الفن محرض ومحرك لآليات الثورة الثقافية القادمة لا محالة.
ودباشا
١٧يناير ٢٠٢٢