العنف المادي والرمزي كأحد أليات عسكرة المجتمعات

حذيفة محمدحماد شنكران.

 

 

القارئ العزيز لعلك تجد الحقائق المخفية تجاه هذا المصطلح وأثره في تمدد سياسة عسكرة المجتمعات التي تحدثنا عنه في مقال سابق في جانب معين وهو علاقة العرق أو القرابة ولكن اليوم نتحدث عن العنف الرمزي والمادي وطريقة إستخدامه وﻣﻦ ﺍﻟﻤﻌﻠﻮﻡ ﺃﻥ ﺍﻟﻌﻨﻒ ﻧﻮﻋﺎﻥ هي:-

1/العنف الجسدي العضوي وهو العنف المباشر والذي يتم بشكل مكشوف وبطريقة واضحة وقد ارتبط العنف في العصر الحديث بشكلين بارزين هما الحرب والعدوانية، فالفعل من حيث هو فعل مدمر، يتم توجيهه ضد الآخر قصد إخضاعه.
عرف التاريخ البشري أشكالاه عديدة من العنف تتراوح بين المجاعة والإعدام، ومن السمات المميزة للقرن 20، أن شهد الحرب العالمية الأولى والثانية. وانتهت الثانية بالكارثة النووية (هيروشيما)، والعديد من الإبادات الجماعية وأشكال من العنصرية والاضطهاد، ومن الحروب الاستعمارية وحروب المقاومة والتحرير، والأنظمة العسكرية، ومعسكرات الاعتقال والإجرام.

ساهم التقدم التكنولوجي المعاصر في تطوير وسائل التسلح والتخريب والقتل والإبادة الجماعية حيث ساهمت التكنولوجيا المعاصرة في انتشار العنف واستعمال الوسائل الأكثر فتكا.

توجد علاقة بين العنف كممارسة واقعية وانتشاره الإعلامي، إذ لم يعد العنف منفصلا عن وسائل الإعلام التي تنشره وتستعمله كما تشاء أو تصمت عنه، وهكذا فالإرهاب العالمي والتعذيب والإعدامات وأشكال التخريب يستخدمها الإعلام بشكل منظم، مقنن ودقيق، من حيث أن العنف أصبح قابلا للحساب والتحكم، ووسيلة لتحقيق المردودية وفرض السيطرة والقمع والتهديد به.
الإنسان كائن عنيف وعدواني بطبعه، على اعتبار أنه يتوفر على أهواء وغرائز فطرية تحتم عليه القيام بسلوكات ذات نزعة تدميرية قصد إشباع تلك الغرائز، ورغم أن الإنسان عقل فإنه لا يقوى على كبح جماع تلك النزعة التدميرية، الأمر الذي يستوجب استخدام كل الوسائل للتخفيف أو الحد من خطورة التهديد الذي يتوعد المجتمع والحضارة الإنسانية.

2/ العنف الرﻣﺰﻱالمهذب وهو الذي ﻳﻜﻮﻥ ﺑﻮﺍﺳﻄﺔ ﺍﻟﻠﻐﺔ، ﻭﺍﻟﻬﻴﻤﻨﺔ، ﻭﺍﻹﻳﺪﻳﻮﻟﻮﺟﻴﺎﺕ ﺍﻟﺴﺎﺋﺪﺓ، ﻭﺍﻷﻓﻜﺎﺭ ﺍﻟﻤﺘﺪﺍﻭﻟﺔ . ﻭﻳﻜﻮﻥ ﺃﻳﻀﺎ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ مجموعة من الأليات ﻟﺬﺍ، ﻳﻌﺮﻓﻪ ﺑﻴﻴﺮ ﺑﻮﺭﺩﻳﻮ ﺑﻘﻮﻟﻪ “: ﺍﻟﻌﻨﻒ ﺍﻟﺮﻣﺰﻱ ﻫﻮ ﻋﺒﺎﺭﺓ ﻋﻦ ﻋﻨﻒ ﻟﻄﻴﻒ ﻭﻋﺬﺏ، ﻭﻏﻴﺮ ﻣﺤﺴﻮﺱ، ﻭﻫﻮ ﻏﻴﺮ ﻣﺮﺋﻲ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻀﺤﺎﻳﺎﻩ ﺃﻧﻔﺴﻬﻢ، ﻭﻫﻮ ﻋﻨﻒ ﻳﻤﺎﺭﺱ ﻋﺒﺮ ﺍﻟﻄﺮﺍﺋﻖ ﻭﺍﻟﻮﺳﺎﺋﻞ ﺍﻟﺮﻣﺰﻳﺔ ﺍﻟﺨﺎﻟﺼﺔ . ﺃﻱ : ﻋﺒﺮ ﺍﻟﺘﻮﺍﺻﻞ، ﻭﺗﻠﻘﻴﻦ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ، ﻭﻋﻠﻰ ﻭﺟﻪ ﺍﻟﺨﺼﻮﺹ ﻋﺒﺮ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺍﻟﺘﻌﺮﻑ ﻭﺍﻻﻋﺘﺮﺍﻑ، ﺃﻭ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺤﺪﻭﺩ ﺍﻟﻘﺼﻮﻯ ﻟﻠﻤﺸﺎﻋﺮ ﻭﺍﻟﺤﻤﻴﻤﻴﺎﺕ، وغيرها من وسائل ﻭﻋﻠﻴﻪ، ﻳﺮﺗﺒﻂ ﺍﻟﻌﻨﻒ ﺍﻟﺮﻣﺰﻱ ﺑﺎﻟﺴﻠﻄﺔ ﻭﺍﻟﻬﻴﻤﻨﺔ ﻭﺍﻟﺤﻘﻞ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻌﻲ . ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻥ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺗﻤﺎﺭﺱ، ﻋﺒﺮ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺆﺳﺴﺎﺕ ﺍﻟﺮﺳﻤﻴﺔ ﻭﺍﻟﺸﺮﻋﻴﺔ ‏( ﺍﻹﻋﻼﻡ، ﻭﺍﻟﺪﻳﻦ، ﻭﺍﻟﺘﺮﺑﻴﺔ، ﻭﺍﻟﻔﻦ، ﻭﺍﻟﺼﺤﺎﻓﺔ … ‏) ، ﻋﻨﻔﺎ ﺭﻣﺰﻳﺎ ﺿﺪ ﺍﻷﻓﺮﺍﺩ ﻭﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺎﺕ . ﻭﻳﻌﻨﻲ ﻫﺬﺍ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﺤﺎﻛﻢ ﻭﺍﻟﻤﺴﻴﻄﺮ ﻳﻤﺎﺭﺱ ﻋﻨﻔﺎ ﺭﻣﺰﻳﺎ ‏ violence symbolique ‏ﺿﺪ ﺍﻷﻓﺮﺍﺩ . ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﻨﻒ ﺃﻛﺜﺮ ﺧﻄﻮﺭﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻨﻒ ﺍﻟﻤﺎﺩﻱ ﺍﻟﺠﺴﺪﻱ . ﻭﻓﻲ ﻫﺬﺍ، ﻳﻘﻮﻝ ﺑﻴﻴﺮ ﺑﻮﺭﺩﻳﻮ “: ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﺤﻘﻖ ﺍﻟﻌﻨﻒ ﺍﻟﺮﻣﺰﻱ ﻧﺘﺎﺋﺞ ﺃﺣﺴﻦ ﻗﻴﺎﺳﺎ ﺇﻟﻰ ﻣﺎ ﻳﺤﻘﻘﻪ ﺍﻟﻌﻨﻒ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ .

والعنف ﺍﻟﺮﻣﺰﻱ ﻫﻮ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺸﻜﻞ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻨﻒ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻤﺎﺭﺱ ﻋﻠﻰ ﻓﺎﻋﻞ ﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻣﺎ ﺑﻤﻮﺍﻓﻘﺘﻪ ﻭﺗﻮﺍﻃﺌﻪ . ﻭﻟﻬﺬﻩ ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﻧﺘﺎﺋﺞ ﻛﺒﻴﺮﺓ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﻘﺎﺵ ﺍﻟﻔﻜﺮﻱ ﺍﻟﺪﺍﺋﺮ ﺣﻮﻝ ﻣﺎ ﺇﺫﺍ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﺴﻠﻄﺔ ﺗﻨﺒﺜﻖ ﻣﻦ ﺗﺤﺖ، ﻭﺣﻮﻝ ﻣﺎ ﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺸﺨﺺ ﺍﻟﺨﺎﺿﻊ ﻟﻠﺴﻴﻄﺮﺓ ﻳﺮﻏﺐ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻮﺿﻌﻴﺔ ﺍﻟﻤﻔﺮﻭﺿﺔ ﻋﻠﻴﻪ . ﻭﺑﺼﻴﻐﺔ ﺃﺧﺮﻯ، ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻔﺎﻋﻠﻴﻦ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﻴﻦ ﻳﻌﺮﻓﻮﻥ ﺍﻹﻛﺮﺍﻫﺎﺕ ﺍﻟﻤﺴﻠﻄﺔ ﻋﻠﻴﻬﻢ، ﻭﻫﻢ ﺣﺘﻰ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺎﻻﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻜﻮﻧﻮﻥ ﻓﻴﻬﺎ ﺧﺎﺿﻌﻴﻦ ﻟﺤﺘﻤﻴﺎﺕ ﻳﺴﺎﻫﻤﻮﻥ ﻓﻲ ﺇﻧﺘﺎﺝ ﺍﻟﻤﻔﻌﻮﻝ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻤﺎﺭﺱ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻧﻮﻋﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﺤﺪﻳﺪ ﻭﺍﻹﻛﺮﺍﻩ . ﻭﻟﻌﻞ ﻣﻔﻌﻮﻝ ﺍﻟﻬﻴﻤﻨﺔ ﺇﻧﻤﺎ ﻳﻨﺒﺜﻖ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺘﻔﺎﻋﻼﺕ ﻭﺍﻟﺘﻮﺍﺯﻧﺎﺕ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻤﺤﺪﺩﺍﺕ ﺍﻟﺤﺘﻤﻴﺔ ﻭﻛﻴﻔﻴﺎﺕ ﺇﺩﺭﺍﻛﻬﺎ .

ﻭﻳﻼﺣﻆ ﺃﻥ ﺍﻟﻌﻨﻒ ﺍﻟﺮﻣﺰﻱ ﺃﻛﺜﺮ ﺧﻄﻮﺭﺓ ﻣﻦ ﺑﺎﻗﻲ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﺍﻟﻌﻨﻒ ﺍﻟﻤﺎﺩﻱ ﻭﺍﻟﺴﻠﻄﻮﻱ؛ ﻷﻧﻪ ﻋﻨﻒ ﻋﺎﺩ ﻭﺑﺴﻴﻂ ﻭﻻﺷﻌﻮﺭﻱ، ﻭﻻ ﻳﻌﺘﺮﻑ ﺑﻪ – ﻣﺠﺘﻤﻌﻴﺎ – ﻋﻠﻰ ﺃﻧﻪ ﻋﻨﻒ، ﺑﻞ ﺗﻌﻮﺩ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﻨﺎﺱ، ﻭﻗﺒﻠﻮﺍ ﺑﻪ ﻣﺎ ﺩﺍﻣﻮﺍ ﺧﺎﺿﻌﻴﻦ ﻟﻤﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﺘﻤﻴﺎﺕ ﻭﺍﻟﺠﺒﺮﻳﺎﺕ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻌﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﺤﻜﻢ ﻓﻴﻬﻢ، ﻭﻳﻌﻤﻠﻮﻥ ﻋﻠﻰ ﺗﻜﺮﻳﺴﻬﺎ ﻓﻲ ﻭﺍﻗﻊ ﺣﻴﺎﺗﻬﻢ . ﻭﻣﻦ ﺛﻢ، ﻻﻧﺮﻯ ﻟﺪﻯ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺃﻱ ﺭﻓﺾ ﺃﻭ ﻣﻘﺎﻭﻣﺔ ﻟﻬﺬﺍ ﺍﻟﻌﻨﻒ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻱ ﻭﺍﻟﺮﻣﺰﻱ، ﺑﻞ ﻳﻌﺘﺒﺮﻭﻧﻪ ﻓﻌﻼ ﻋﺎﺩﻳﺎ، ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﺧﻄﻮﺭﺗﻪ ﻭﺁﺛﺎﺭﻩ ﺍﻟﺨﻄﻴﺮﺓ ﻧﻔﺴﻴﺎ ﻭﻣﺠﺘﻤﻌﻴﺎ ﻭﺛﻘﺎﻓﻴﺎ ﻭﺳﻴﺎﺳﻴﺎ ﻭﺍﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺎ .

ﻓﻘﺪ ﺭﻛﺰ ﺑﻴﻴﺮ ﺑﻮﺭﺩﻳﻮ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﻠﻔﺰﻳﻮﻥ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎﺭﻩ ﺃﺩﺍﺓ ﺇﻋﻼﻣﻴﺔ ﺧﻄﻴﺮﺓ ﺗﻤﺎﺭﺱ ﺍﻟﻌﻨﻒ ﺿﺪ ﺍﻟﻤﻮﺍﻃﻨﻴﻦ، ﺇﺫ ﺗﻘﺪﻡ ﻟﻬﻢ ﻣﺎ ﺗﺸﺘﻬﻴﻪ ﺍﻟﺴﻠﻄﺔ ﺍﻟﻤﻬﻴﻤﻨﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺴﺘﻐﻞ ﻭﺳﺎﺋﻞ ﺍﻹﻋﻼﻡ ﻟﺘﺤﻘﻴﻖ ﻣﺼﺎﻟﺤﻬﺎ ﻭﺃﻫﺪﺍﻓﻬﺎ ﻭﺃﺭﺑﺎﺣﻬﺎ . ﻭﻣﻦ ﺛﻢ، ﻳﺘﻼﻋﺐ ﺍﻟﺘﻠﻔﺰﻳﻮﻥ ﺑﻌﻘﻮﻝ ﺍﻟﻨﺎﺱ، ﻭﻳﻨﺸﺮ .
ﺍﻟﻮﺳﺎﺋﻞ ﺍﻟﺨﻄﻴﺮﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺸﺎﺭﻙ ﺍﻟﻔﺌﺎﺕ ﺍﻟﺤﺎﻛﻤﺔ ﻓﻲ ﻣﻤﺎﺭﺳﺔ ﺍﻟﻌﻨﻒ ﺍﻟﺮﻣﺰﻱ ﺿﺪ ﺍﻵﺧﺮﻳﻦ .
ﻭﻓﻲ ﺍﻷﺧﻴﺮ، ﻳﻨﺘﺞ ﺍﻟﻌﻨﻒ ﺍﻟﺮﻣﺰﻱ ﻋﻦ ﺍﺧﺘﻼﻑ ﺃﻧﻤﺎﻁ ﺍﻟﺮﺃﺳﻤﺎﻝ ﻟﺪﻯ ﺍﻟﻔﺎﻋﻠﻴﻦ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻌﻴﻴﻦ ﺑﺎﺧﺘﻼﻑ ﻣﻮﺍﻗﻌﻬﻢ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ، وقدظهر ذلك جليا في الدولة السودانية عبر ممارستها لسياسة عسكرة المجتمعات والتي لازالت مستمرة وبسرعة البرق وذلك بإستغلال الظروف الداخلية والخارجية من قبل النخب الحاكمة في السودان ومجموعة العملاء المزدوجين الذين يستهدفون الشعوب ويقهرونها بجميع أدوات القهر الفتاكة.

فقد تم إحتكار جميع هذين النوعين من العنف في سبيل عسكرة الشعوب السودانية وإستخدمت فيها العديد من الوسائل وخاصة الإعلامية وغيرها التي سنفصل فيها فيما بعد.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.