«العلمانية» في السودان.. هل يحرس العسكر «المشروع الإخواني»؟
وضع الفشل في تبني توصيات ورشة علاقة الدين والدولة التي عقدت في جوبا «أكتوبر- نوفمبر 2020م»، عضو مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول ركن شمس الدين كباشي، والشق العسكري بالحكومة الذي رفض المخرجات، في مواجهة اتهام صريح بحراسة «المشروع الحضاري الإخواني» الذي كان يتبناه النظام البائد
التغيير: أمل محمد الحسن – علاء الدين موسى
نتيجة تمسكه بموقفه الرافض لفصل الدين عن الدولة، حمّلت الحركة الشعبية- شمال بقيادة عبد العزيز الحلو، رئيس الوفد الحكومي السوداني، الفريق أول ركن شمس الدين كباشي، مسؤولية عدم تبني حكومة السودان توصيات الورشة الخاصة بعلاقة الدين والدولة التي عقدت في جوبا أوخر العام 2020.
وتداركاً لهذا الموقف أصدر جمعة كندة مستشار رئيس الوزراء للسلام، بياناً وضح فيه نقاط الاتفاق والاختلاف بين الطرفين.
وأكد تحقيق الورشة لغالبية أهدافها الرامية للتوصل إلى اتفاق حول تنظيم العلاقة بين الدين والدولة في السياق السوداني استناداً إلى تجارب الدول ذات الغالبية المسلمة المطبقة للنظام العلماني.
لكن الأسئلة حول هذا الملف وحقيقة ما جرى لا تزال مطروحة دون إجابة واضحة، حول مسؤولية إفشال التوافق حول التوصيات، ولمصلحة من، وماهية التحفظات ومنطلقاتها، سيما وأن معظم الآراء توافقت حول التوصيات محل الجدل.
تراجع كباشي
عُقدت في جوبا، عاصمة دولة جنوب السودان خلال 24 أكتوبر إلى 1 نوفمبر الماضيين، ورشة عن علاقة الدولة بالدين بغرض تقريب وجهات النظر بين الحكومة والحركة الشعبية- شمال بقيادة الحلو، إنفاذا لاتفاق تم بين الحلو ورئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك في 3 سبتمبر بالعصمة الاثيوبية أديس أبابا.
وأوضح المتحدث باسم الوفد التفاوضي للحركة كوكو محمد جقدول في بيان، أن الجلسة توصلت إلى توافقات لكن كباشي تراجع عنها.
وقال إن الحركة وافقت على تقرير المسهلين والخبراء بصيغته التي طرحت بفصل الدين عن الدولة، حرصاً منها على الحل السلمي.
وأضاف: «لكن في الجلسة الختامية التي حضرها كباشي، رفض مُخرجات الورشة بعد أن قبل بها وهنأ المُسهِّلين خارج القاعة».
وأشار إلى أن كباشي والمتحدث باسم الوفد محمد حسن التعايشي، تغيبا عن معظم جلسات الورشة، والرجلان عضوان في مجلس السيادة.
موافقة مبدئية
وكان حمدوك، أعلن في 3 سبتمبر الماضي، موافقته مبدئياً على فصل الدين عن الدولة، على أن يُترك القرار النهائي للمؤسسات، وذلك بعد عقده سلسلة اجتماعات مع عبد العزيز الحلو، الذي اتفق معه على عقد ورش غير رسمية للوصول إلى تفاهم مشترك قبل استئناف المحادثات الرسمية.
وتتمسك الحركة الشعبية بإدراج علاقة الدولة بالدين في مفاوضات السلام وتجعل منها مطلبها الرئيسي.
وشارك في الورشة ممثلون عن الحكومة السودانية والحركة الشعبية- شمال، ومساعدوهم من الخبراء، إضافة لمجموعة السياسات والقوانين الدولية العامة والمركز الأفريقي للحلول البنَّاءَة للنزاعات، واستشاريو شركاء التنمية، وفريق الوساطة الجنوب سوداني.
أسباب الفشل
ويعود السبب الرئيس في وصف «الشعبية» للورشة بالفاشلة إلى موقف رئيس الوفد الحكومي المتضارب، والذي بحسب الحضور هنأ المشاركين خارج القاعة بنجاح الورشة.
وطالب كباشي في اجتماع مع الوفد الحكومي الذي قبل تلاوة البيان الختامي، بإجراء تعديلات تتضمن تغيير عبارة فصل الدين عن الدولة بعبارة «علاقة الدين بالدولة»، مع التأكيد على عدم الإشارة إلى اتفاق 3 سبتمبر بين حمدوك والحلو في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا.
ووصف مدير مركز الخاتم عدلان للإستنارة، وأحد الخبراء المشاركين في الورشة، د. الباقر العفيف، سلوك كباشي بـ«المستهتر» والمستخف بعقول المتعلمين والمثقفين الذين جلسوا طوال «5» أيام متواصلة ليصيغوا بياناً ختامياً، ثم يأتي ليرفض البيان والمخرجات دون أن يكون جزءاً من النقاش العلمي الذي استعرض تجارب دول عديدة ذات أغلبية مسلمة ومعتمدة للنظام العلماني في دساتيرها.
وكشف العفيف أن وزير العدل فشل في الإجابة على سؤال: ما الفرق بين عبارتي فصل الدين عن الدولة وعلاقة الدين بالدولة حتى تتم المطالبة بتغييرها- وهو ما يؤكد بحسب العفيف- عدم اقتناع بقية الوفد الحكومي بموقف كباشي.
موقف كباشي
«التغيير» سعت لمعرفة رأي رئيس الوفد، شمس الدين كباشي حول ورشة جوبا، وفي سبيل ذلك بعثت خطاباً «عاجل» إلى مكتبه للرد على بعض استفسارات الصحيفة بشأن هذه القضية، إلا أنه لم يجب على تلك التساؤلات، ولم يرد على الخطاب حتى لحظة نشر هذا التقرير، ليظل السؤال قائماً لمصلحة من أُفشلت ورشة جوبا، وذلك بعد اتهام الحركة الشعبية- شمال، لرئيس الوفد الفريق أول كباشي، بتعمد افشالها، ولم يدفع الكباشي التهمة عن نفسه.
من جانبه، رأى جمعة كندة مستشار رئيس الوزراء للسلام، أن موقف كباشي متسق مع المجلس الأعلى للسلام الذي أصدر بيانا عقب لقاء حمدوك/ الحلو تحفظ فيه على الاتفاق من جهة، وأشاد بالاختراق الذي أحدثه رئيس الوزراء مع الحلو من جهة أخرى.
من صاحب القرار؟
وأثار موقف كباشي تساؤلات حول من يملك اتخاذ قرار قبول أو رفض مخرجات الورشة العلمية التي حضرها خبراء من داخل وخارج السودان، تم فيها استعراض تجارب «3» دول مطبقة للنظام العلماني بصورة كاملة أو جزئية، وهي «تركيا، مصر ونيجيريا»، بالإضافة لتجارب «12» دولة ذات غالبية مسلمة تفوق الـ«90%» وتضمن العلمانية في دساتيرها.
وكان التساؤل وجيهاً لجهة موافقة كل أعضاء الوفد الحكومي- الذي ضم عضو المجلس السيادي محمد حسن التعايشي، ووزيري العدل والحكم الاتحادي، إلى جانب رئيس مجمع الفقه الإسلامي- على ما جاء في البيان الختامي.
وأكد المشاركون، كتابة رئيس مجمع الفقه الإسلامي د. عبد الرحيم آدم ورقة بخط يده تشير إلى موافقته على «فصل الدين عن الدولة».
ومضى أبعد من ذلك بموافقته على تضمين عبارة «دولة علمانية» في الدستور السوداني، حيث كتب: «السودان دولة علمانية، وتحمي حرية الضمير، وكل واحد يمتلك الحق في أن يمارس أو لا يمارس أي دين، وأن الفرض الإجباري للدين غير مسموح به، ولا يوجد دين رسمي للدولة وأن الدولة محايدة في مسائل الإيمان والضمير وتتضمن حرية التعبير عنها في الحياة العمومية».
حراس «المشروع الحضاري»
سؤال من أفشل الورشة، ظل يبحث عن إجابة في أضابير كل الجهات ذات الصلة، وعليه وجهت «التغيير» التساؤل إلى عضو وفد التفاوض محمد حسن التعايشي راجية أن يجيب على الاستفسارات المتكررة، حتى نشر هذا التقرير، لكنه أيضاً لم يجب على السؤال، رغم إرسال الصحيفة خطاباً معنوناً إلى مدير مكتبه لأكثر من خمسة عشر يوماً، وذلك بالرغم من موقفه الواضح حول القضية والمستند إلى إتفاقية جوبا للسلام في السودان، فقد ردّد التعايشي في أكثر من تصريح أن وثيقة جوبا توصلت إلى اتفاق حول طبيعة الدولة السودانية بأن تكون فدرالية، كما حدّدت علاقة الدين والدولة بفصل مؤسسات الدين عن مؤسسسات الدولة، بحيث تكون الدولة على مسافة واحدة بين جميع الأديان، وأن تكون الحقوق بين المواطنين على أساس المواطنة، وأن يُضمن كل ذلك في دستور السودان.
ويبدو أن التعايشي فضل عدم الرد، واختار الصمت على الحديث، ليفتح الباب لمزيدٍ من الأحاديث التي يرددها البعض بشأن سيطرة العسكر على المجلس السيادي الانتقالي، باعتبارهم الحارس الحقيقي لـ«المشروع الحضاري الإخواني» الذي كان يتبناه النظام البائد، بعد ذهاب حكم الإنقاذ.
الدولة العميقة
واعتبر السكرتير العام للحركة الشعبية عمار آمون دلدوم، أن الفريق كباشي لم يحترم حتى أعضاء وفده.
وقال إن وفد الحكومة شارك في كل تفاصيل مخرجات الورشة غير الرسمية بفعالية، والمبرر الذي صاغه الكباشي هو «أنا ما عندي مشكلة مع ناس الحركة أنا مشكلتي مع ناسي لأن مكتب رئيس الوزراء لم يخطرني».
وأضاف آمون بأن بيان مستشار رئيس الوزراء موفق لكنه جاء متأخراً، وتابع: «رأينا منذ البداية حرص الحكومة التنفيذية على تحقيق السلام عكس المكون العسكري في وفد التفاوض دائماً يعطون الإحساس بأن الدولة العميقة لا تزال تسيطر على زمام الأمور في البلاد».
خياران فقط
وأوضح آمون أنه لإكمال ما تبقى من إعلان المبادئ، على وفد الحكومة أن يختار إما اتفاق «3 سبتمبر» أو مخرجات الورشة غير الرسمية لا غير.
وأكد أن السلام هو مطلب جماهيري وليس هديةً خاصة من المكون العسكري في مجلس السيادة يعطيها أو يمسكها بمزاجه وقتما يشاء.
وشدد آمون على تمسك الحركة الشعبية بالمبادىء التي طرحتها في وثيقة إعلان المبادئ المعروضة في طاولة التفاوض بما فيها المطالبة بحق تقرير المصير لكل الأقاليم والشعوب السودانية في حال رفض الحكومة لمبدأ علمانية الدولة السودانية أو فصل الدين عن الدولة.
ولفت إلى أن الحركة لا تتحدث عن الانفصال الآن، فالحركة الشعبية قومية وحدوية وستُناضل من أجل سودان ديمقراطي علماني يقوم على الوحدة الطوعية الحرة لإرادة الشعب السوداني، وأن حق تقرير المصير ليس مبدأ كما كان في عهد الإنقلابيين بل موقف تفاوضي يمثل شرطاً لتحقيق دولة ديمقراطية علمانية في السودان.
وقال: «رغبتنا أن يعطى مجلس الوزراء كامل السيادة على السلطة التنفيذية بما فيها العمل على تحقيق السلام وتوفير الخدمات الأساسية للمواطنين وذلك بإيلاء ولاية كل المال العام لوزارة المالية وأن يكف المكون العسكري في مجلس السيادة عن العبث بإنجازات الثورة».
وأضاف: «أما ما أتوقعه أن يحدث حسب قراءاتي لمجريات الأحداث هو استمرار المكون العسكري في الاستحواذ على السلطة بكل الوسائل بما فيها الانقلاب العسكري والتخلص من مجلس الوزراء وذلك بالتعاون مع رموز الدولة العميقة والموالين لهم من الأحزاب».
ونفت الحركة وجود اتصالات من الحكومة لمعاودة التفاوض، وقالت: «كل اتصالاتنا تتم عبر الوساطة، ولم تردنا أي اتصال حتى الآن من الوساطة حول استئناف المفاوضات».
أجندة العسكر
ويذهب الكاتب الصحفي والمحلل السياسي محمد المكي أحمد، إلى الرأي القائل بأن العساكر لديهم سطوة على القرار السوداني، واتهمهم بانتهاك الوثيقة الدستورية في لقاء عنتيبي وفي قضية السلام الذي يقع ضمن مسؤولية الحكومة التنفيذية.
واتهم المكي، شمس الدين كباشي بأنه يتحدث معبراً عن «أجندة»، وأكد عدم تفويضهم من الشعب لاتخاذ القرار.
واعتبر المكي أن ما حدث «هرجلة سياسية»، سببها ضعف الحكومة وانقسامات الحرية والتغيير، بجانب غياب المجلس التشريعي.
وأفاد أن كباشي وآخرين معه في الجانب العسكري يعتبرون أنفسهم أوصياء على الدين، وحذّر من المزايدة باسمه.
وأشار إلى أهمية إبعاد المؤسسة الدينية المتطرفة من حياة السودانيين والاحتكام لدولة المؤسسات.
وقال المكي إن النقاشات التي تتم في هذه الورش يجب ألّا تظل حبيسة الغرف المغلقة وتُنقل عبر شاشات القنوات التلفزيونية لتثقيف الشعب السوداني ورفع مستوى وعيه بهذه القضايا وحتى لا يكون مغيباً.
عبارة مفخخة
وجاء رفض الحركة الشعبية، لمقترح كباشي بتحويل نص «فصل الدين عن الدولة» إلى «علاقة الدين بالدولة» بسبب مخاوف من تفريغ المفهوم من محتواه.
وبحسب جمعة كندة، سبق هذا الطلب تنصل من كلمة «العلمانية» التي يرى الجانب الحكومي أنها كلمة «مفخخة» حمّلها النظام السابق مفاهيم ارتبطت لدى عامة الشعب السوداني بالكفر ومحاربة الدين الإسلامي.
رأي رئيس مجمع الفقه
ورفض رئيس مجمع الفقه الإسلامي د. عبد الرحيم آدم في اتصال هاتفي مع «التغيير»، الحديث عن ورشة جوبا، وقال إنه ينتظر قرار الحكومة لتوضيح موقفها للرأي العام ومن ثم الإدلاء برأيه.
وأوضح أن الحكومة ستعمل على مناقشة الموضوع في المرحلة المقبلة.
وفي السياق، قال د. الباقر العفيف: «العلمانية ليست عبارة بذيئة، وهي مضمنة في دساتير دول عديدة».
وأورد العفيف في ورقة قدمها خلال الورشة اقتباسات من دساتير «16» دولة.
وأضاف: «على الرغم من ذلك وافقت الشعبية على إلغائها واستبدالها بفصل الدين عن الدولة».
واتفق كندة، مع العفيف، حول أن العبارة لا تحمل أية دلالات سالبة، وقال: «إذا حضر الكباشي الورش كان سيغير رأيه، جميعنا غيرتنا هذه النقاشات الفكرية العميقة، كانت تعليمية بامتياز».
مستقبل الحوار
ويشير مراقبون إلى أن الخلاف الذي اعترى مسار التفاوض هو اختلاف الطرفين على نص «فصل الدين عن الدولة»، لكن هذا لن يكون نهاية المطاف لمشكلة لها أكثر من «60» عاماً، وأكدوا استمرار النقاش لتذليل كافة النقاط العالقة التي أوقفت مسار التفاوض.
قلق كندة
وأكد كندة مواصلتهم للعمل بعد العودة إلى الخرطوم، وكشف عن مرافقة أحد المسهلين- لم يسمه- وقال إنه أجرى اجتماعات مع رئيسي مجلسي السيادة والوزراء، بجانب عقد اجتماع مع نائب رئيس المجلس السيادي وأعضاء المجلس الأعلى للسلام.
وقال كندة: «الكرة في ملعب الحكومة الآن»، وأضاف بأنها ستناقش البيان الختامي، وفي حال لم تجر عليه تعديلات سيعود الوفد فوراً لطاولة المفاوضات، وفي حال إجراء تعديلات سيحتاج الأمر لإعادة النقاش مع الحركة للتوصل إلى صيغة تفاهم.
وأعرب كندة عن قلقه لإنشغال الحكومة بترتيبات مجلس شركاء الحكم وتنفيذ اتفاق سلام جوبا الذي تم توقيعه بالفعل مع الجبهة الثورية.
وأشار إلى عدم ارتياح وفد الحركة الشعبية لهذا التأخير، باعتبار أن بقاءهم في جوبا قد طال دون أن يحدِّد وفد الحكومة موعد العودة للمفاوضات.
وإلى حين انتهاء النقاش حول البيان الختامي وبلورة رؤية حكومية واضحة تدفع بمسار التفاوض مع الحركة الشعبية- قيادة الحلو، تظل هذه الاستفهامات والاتهامات مشرعة تجاه من أفشل الورشة غير الرسمية، في انتظار رد شافٍ من الجهات المعنية يزيل اللبس ويحدّد المسؤوليات.
نقلاً عن صحيفة التغيير الإلكترونية
فصل دين عن دول هو خيار وحيد لحل مشاكل السودان إما حق تقرير مصير لان السودان متداد عراق واالاديان والجغرافيات
#اما قصة كباشي من ومعو في مجلس السيادة ينظرو في تغيرات بعد الثورة اذا تم سلام لم نلقهو اي نصيب واسرة ضحايا لا تسمع لهم في سلطة