العلمانية ضرورة ملحة لإنقاذ الوطن من قبضة القوى الظلامية وللحفاظ على وحدة السودان ( 1_3 )
✍️ سنغو كجوكين
(1)
*المقدمة
لعل من بواعث الأساسية التي تدعو للكتابة والنقاش الجاد حول العلمانية لضرورة إزالة و فك الإلتباس المفاهيمي والإصطلاحي الذي سببتها جماعات الإسلام السياسي في السودان والدول العربية وعلى رغم من إنكشاف وإفتضاح زيف القوى الظلامية وجماعات الإسلام السياسي وشريعتهم المدغمسة كما سماها عراب الفكر الإسلامي د/ حسن الترابي إلا أن هنالك ثمة من يتمسكون بضرورة تطبيق الدولة الدينية في السودان – في وقت لا يمكن أن يتصور أن تبني الدولة تأسيسا على أيدلوجيات دينية مهما كانت توجهاتها ومنطلقاتها سواء كانت إسلامية التوجه أو مسيحية أو غيرها من المعتقدات، ولعل الدولة كيان بشري وليست من قبيل الأشياء المنزلة من قوة ما ورائية وفكرة الدولة الدينية نفسها يتعارض تعارضا لا جدال حولها مع مفهوم الدولة فالدولة هي كيان ثقافي ذات السيادة على رقعة جغرافية متعارف عليها بموجب ذلك لا يمكن لأي قوة خارج حدود هذه السيادة التدخل حسب (موسوعة استانفورد للفلسفة)
وما دعانا للكتابة هو بروز ظاهرة دغدغة المشاعر البسطاء من السودانيين ولعل شريحة كبيرة منهم يعاني من أزمة الوعي والجهل المصطنع التي سيطرت بصورة كبيرة على مؤسسات الدولة السودانية خصوصاً بعد صعود نظام الجبهة الإسلامية على كرسي السلطة في البلاد وأدت إلى إفشاء ظاهرة الجهل لأغراض السيطرة على شعب السودان وصرف السودانيين عن الأسئلة الجوهرية المتعلقة ببنية الدولة السودانية ولقفل الباب أمام التغيير المنشود واليوم برز خطاب العاطفوي بصورة أكثر من سابقتها حيث يتبنى جنرالات الجيش وكتائب البراء الجهادية ومليشيات الأصولية العرقية لتأجيل سؤال مناقشة ومعالجة الجذور التاريخية لمشكلة السودان والإصلاح البينوي.
والعلمانية أحد أهم شروط بناء الدولة الحديثة لا يمكن الاغفال أو التجاهل ،العلمانية والديمقراطية إذا أردنا بناء دولة حديثة يتوافق مع معايير التعدد الثقافي واللغوي و تنوع أشكال الحياة الدينية والثقافية والإجتماعية لدي السودانيين وبما يتماشى ما جاء في ماجنا كارتا التي تم سنها في عام 1215 و الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر بتاريخ 10 ديسمبر من العام 1948 ومؤتمر وستفاليا 1948 التي أنهت حرب الثلاثين عاماً بما يعرف بالمناطق المنخفضة (هولندا حالياً) _ لأسباب أعلاه وجدنا هنالك ثمة ضرورة ملحة لفتح النقاشات والحوارات بين دعاة التيار العلماني وبين القوى الظلامية ليجعل من أمر تمليك الشعب السوداني الحقائق الدامغة حول علمانية الدولة وفضح دعاة التيار الاسلاموعروبي maertsniaM وبناء دولة وطنية يضع حداً لشبح الحروب الدائمة وإحلال سلام شامل ومستدام
سوف نتناول في هذا المقال مفهوم العلمانية وأهم تعريفات حول المصطلح وجذورها التاريخية بشئ من الإختصار والتبسيط
(2)
*خلفية المصطلح
إن مفهوم العلمانية مفهوماً واسعا وأخذ حيزا كبير من حيث التنظير من قبل المفكرين والمثقفين والفلاسفة والعلماء في كل العصور والحقب التاريخية المختلفة وهي مفهوم يعني بتحليل النظام التي تحترم حرية الضمير وللحفاظ على حقوق الإنسان ونظام الحكم التي يفترض أن يقف الدولة على مسافة واحدة من الأديان ويجعل الدولة ملكاً للجميع دونما إستثناء فئة معينة من السكان إنما لجميع أفراد المجتمع.
٠بروز المصطلح كأول ظهور وفق الكثير من المؤرخين تعود إلى مؤتمر ويستفاليا سنة 1648 بوصفها بداية لولادة مصطلح العلمانية بمعنى أن مصطلحات سكولار séculaire (العلماني) وسكولاريزم secularism (العلمانية) استخدمت لأول مرة في هذه المعاهدة والتي أنهت ما يعرف بحرب الثلاثين عاماً في أوروبا و إيزانا بميلاد مفهوم الدولة الوطنية (الدولة العلمانية)
_ والبعض الأخر يرى ميكافيلي (1465_ 1527) هو أول من نادى بالمفهوم المعاصر لفصل الدين عن الدولة فيما سماها بالمبادئ الأخلاقية التقليدية عن السياسة و التحرير الدولة من سيطرة النزعة الدينية
_ وعلمانية وفق الممارسة السياسية ظهرت في أواسط القرن التاسع عشر عندما دعا جورج هوليوك في عام 1851م ثم جاء فيما يعرف بنظرية العقد الإجتماعي لجان جاك روسو و يقوم نظريته وفق فرضية الإرادة العامة général well عكس الإرادة الخاصة اي الفردية للشعب معين وكل فرد أن يتنازل جزءًا من إرادته الخاصة و يضعها رهن الإرادة العامة وهذا الطرح يتوافق بصورة كبيرة مع طرح مونتيسكو وفق مفهوم الأسباب الأخلاقية وروح القانون.
ثم جاء عصر التنوير وشهدت النقاشات الجادة حول العلمانية مثل جوك لوك وكوبرنيكس 1543 في كتابه معنون ب(دورات الافلاك السماوية) وحركة الكواكب _ وجاليليو صاحب التلسكوب وكتابه رسول من النجوم ومن ثم تأييده لنظرية كوبرنيكس وكتابه الثاني الرسائل من كلف الشمس كل ذلك شجع محاكم التفتيش لإجراء محاكمات للمفكرين ولعل سقراط كان أول ضحايا وشهداء حرية الرأي والتفكير
– و نيوتن .
– إستخدام الأصوليين مصطلح العلمانية الإنسانية في قرن العشرين ، ثم الإصلاح اللوثري لمارتن لوثر كينغ والمفكرين المعاصرين العرب مثل محمد أركون ، و جابري ، و احمد عصيد ومن التجارب المعاصرة للدول العلمانية من بينها تجارب الدول التي تشكل غالبية سكانها المسلمين مثل تركيا و تونس….الخ كل ذلك يؤكد بأن معركة النسبية وعقلنة الدولة صراع قديم قدم الحضارات البشرية الغابرة في العصور القديمة.. كل هذا فتح المجال أمام التنوير و تأسيس الدويلات الحديثة في العالم المعاصر
(3)
تعريفات
تعددت التعريفات حول مصطلح العلمانية وأن كلمة العلمانية سكولاريزم secularism مشتق من كلمة secular اللاتينية و تعني العصر ، الجيل ، القرن وأيضاً تعني في اللاتينية العصور الوسطى العالم أو دنيا مقابل الكنيسة ومصطلح آخر يشير إلى العالم مندوس mundus ولفظ سيكولوم مرادفة لكلمة اليونانية ايون aeon التي تعني العصر أما مندوس يرادف في اليونانية القديمة كوموس comos والتي تعنى الكون
مما يجدر الإشارة إلى أن كلمة سيكولوم تأكيد للبعد الزماني أما مندوس فتؤكد الأبعاد المكانية
ويقول المفكر مراد وهبة
إن مندوس يشير إلى تغيير حادث في العالم و ليست حدثا في العالم .
وانتشرت العلمانية بالمفهوم المعاصر في انجلترا في أواسط القرن التاسع عشر على أيدي من عرفوا في ذلك الوقت بالمفكرين الأحرار .
وجاء تعريف العلمانية وفق التعريفات التالية :
_ العلمانية هي التفكير في النسبي بما هو نسبي ليست بما هو مطلق.
_ العلمانية معنية بدور الإنسان في العالم ، وبتأكيد إستقلالية العقل الإنساني في صيرورة توظيف الإنسان للعقل في أي من المجالات التي يوظف فيه، والأهم من كل هذا أنها معنية بجعل دور الإنسان في العالم مشتملا على إكتشافه باستقلال عن الدين ، والغايات التي يجدر به تحقيقه أو الوسائل الكفيلة بتحقيقها ، العلمانية بهذا المعنى هي مفهوم ابستمولوجي للحد يجعل الإنسان يدرك من خلال المعرفة العلمية الأشياء والوسائل.
_ العلمانية وسيلة لتنظيم شؤون المجتمع دنيويا وفق ما يعرف بمبدأ حياد الدولة حيال المعتقدات والأديان بحيث أن الدولة لا تنحاز لدين معين ولا تتبنى دين معين كدين رسمي للدولة بمعنى أنها تقف على مسافة واحدة من الأديان.
_ العلمانية تعني مبدأ فصل ما بين المجتمع المدني والمجتمع الديني ولا تتدخل في شؤون الأديان من خلال وقوفها موقف الحياد التام.
_ وعرفها البعض على أن العلمانية تعني الفصل ما بين الفضاء العام والفضاء الخاص اي بين الفضاء العمومي و الخصوصي باعتبار العام يشمل الجميع دون استثناء والخاص يختص بأفراد
ووفق ما جاء في تعريف دكتور جون حسب الخطابات التاريخية للزعيم الراحل دكتور جون قرنق ديمبيور (ليس للدولة دين، لأننا لم نرى دولة ذات يوم قد ذهبت للجامع أو كنيسة لأن الأفراد هم من يذهبون للجامع أو كنيسة) لإثبات مادية الدولة ككيان مادي من اختراع البشر وفق الظروف التاريخية لنشوء مفهوم الدول و التطور التاريخي لها
وفق التعريف أعلاه يتضح لنا بأن العلمانية شرط من شروط الدولة الحديثة التي يوفر الحرية والعيش المشترك ويجعل المواطنين متساويين في الدولة وفق حقوق المواطنة المتساوية باعتبارهم مواطنين في دولة و يتطلب توفير شرطي العدالة والمساواة أمام القانون و أمام كل المؤسسات القومية للدولة السودانية بما يتوافق بصورة جلية مع معايير التنوع الثقافي والديني وكذلك لتحقيق شرط المساواة الثقافي لعدم تبني الدولة للفضاء الخصوصي وللفصل التام ما بين الفضاء العام و الخاص.
للحديث بقية وسنواصل.
المراجع والمصادر :
_ طارق زيادة ، العلمانية، بيت المواطن للنشر والتوزيع سوريا
_ محمد جلال هاشم ، مشروع الدولة الوطنية
_ غي هارشير ، العلمانية _ الترجمة رشا الصباغ مؤسسة العربية للتحديث الفكري
_عادل الضاهر ، أسس الفلسفة العلمانية.
_تايلور ، ماكلور _ العلمانية و حرية الضمير
منفسيتو الحركة الشعبية لتحرير السودان/ شمال
_منفستو ، الحركة الشعبية لتحرير السودان/ شمال أكتوبر 2017
_الهوامل و الشوامل ، محمد أركون
_المسيري ، العلمانية الجزئية و العلمانية الشاملة
_مقالات في ميديا والصحف الإلكترونية
19 يوليو 2024
تونس العاصمة
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.