العلمانية… السياق التاريخي وهزيمة رجال الدين !!
✍️ رانيا بابكر ونزا
(1)
العلمانية من اكثر المصطلحات السياسية شيوعا فى الوقت الحالى اذ يتم الحوار حولها بحدة الامر الذي جعلها تتصدر أهتمام الباحثين والساسة ، فى هذا المقال نحاول أستعراض بعض التعريفات والخلفية التاريخية والاشكاليات التى تتعلق بالتعريف مع التركيز على اسباب رفض ومحاربة العلمانية من قبل رجال الدين ، وهذا مانراه ضرورى لكل شخص مهتم بمسألة العلمانية واهميتها كمرتكز اساسي فى الدولة الحديثة ، والعلمانية أتت ضمن حزمة من التحولات فى الدولة الحديثة وشرط من شروط توطين الديمقراطية.
(2)
أصل مصطلح العلمانية مشتق من الكلمة اللاتينية سييكولاريزم وتعني العصر اوالجيل او القرن اما في لاتينية العصور الوسطى فانها تعنى العالم او الدنيا، ظهرت العلمانية فى عصر التنوير فقد عملت ظروف التعددية الدينية والتفكك الاجتماعي في المجتمع الحديث لظهور العلمانية نتيجة لصعود العلم (انشاء الاكاديميات – الطب -الزراعة-الادارة) وتسهيل تبادل المعلومات التقنية ونشرها ساهم ايضا في ظهورها.
(3)
يرجع بعض الباحثين ظهور العلمانية الي الظروف التاريخية للصراع الدينى والطائفي والمذهبي وظهور حركة الاصلاح الديني لتطهير المسيحية من الممارسات والمعتقدات الشعبية (في العصور الوسطي كان الناس يؤمنون بقوة العفاريت وبقدرت المزارات المقدسة علي الشفاء وحماية القديسين الذين ماتوا والتهديدات التي تمثل الارواح الشريرة للامن والسلامة وكانوا رجال الدين يعتقدون ان الكوارث من تلك الارواح الشريرة، وفي البداية كانت الفكرة مشروع إصلاح داخل الكنيسة لإنتاج دين اكثر نقاءاً في السعى الى حل مشكلات المسيحية القائمة من منظور علمانى داخل الدين ،وان احتمال بلوغ مجتمع علماني بالكامل نتيجة لم تكن متوقعة بالنسبة لجهود الاصلاحين للسيطرة على الروحانى فقد فعلوا ذلك بهدف تنظيف المعتقدات والممارسات الموروثة عن الدين ( المسيحية التقليدية) كما سماها جون بوسى لقد هدفت جهود الاصلاحين الى تحويل الناس الى مسيحين حقيقين .
(4)
أستخدم مصطلح العلمانية أول مرة في العام 1648م مع نهاية حرب الثلاثين وكان فى بداية مصطلح مجرد دلالة ولا يتسم باي نوع من الشمول ، الي أن جا (جون هوليوك) وهو اول من صاغ المصطلح وحوله الى اهم المصطلحات فى الخطاب السياسى والاجتماعى والفلسفي ،وعرف العلمانية بانها ( امكانية اصلاح حال الانسان من خلال الطرق المادية دون التصدى لقضية الايمان سواء بالقبول او الرفض)، ومن ثم تم تقليص مصطلح هوليوك فاصبح (فصل العقائد الدينية عن رقعة الحياة ) ، ثم أنتقل الي (فصل الدين عن الدولة) .
الي أن قاموس إكسفورد عرف العلمانية علي أنها (ينتمى للحياة الدنيا وامورها وتعنى غير دينى وغير مقدس وغير معنى بخدمة الدين) .
(5)
تعريف العلمانية باعتبارها فصل الدين عن الدولة ( تعريف جزئي) مرتبط بالمراحل الاولى للعلمانية ولكن بمرور الزمن تصاعدت معدلات العلمنة حيث تجاوزت مجالات الاقتصاد والسياسة واصبحت ظاهرة اجتماعية كاسحة وتحولاً دينوياً عميقاً يتجاوز عملية فصل الدين عن الدولة ويتجاوز اى تعريفات معجمية وتصورات عسكرية قاهرة ومحددة، وظهرت بعض الدراسات الحديثة التي تناولت مسألة العلمانية من منظور جديد ذات المصطلح ابهاماً.
(6)
أعتبر بعض الناس بان العلمانية ظاهرة غربية ومنشأة أروبية باعتبار أن العقيدة المسيحية انفصالية (أَعْطُوا مَا لِقَيْصَرَ لِقَيْصَرَ وَمَا لِلّهِ لِلّه) ولا علاقة لها بالمسلمين ، ويرى البعض بانها مؤامرة عالمية تستهدف بلاد الاسلام، والبعض فسر المصلح بمعني ملحد ، الا أن بيتر قاي (مؤرخ حركة الاستنارة ) سمها (الوثنية الحديثة )، ولكن العلمانية وهي ثمرة عمليات تاريخية متداخلة بعضها واضح والاخر بنيوى وكامن .
(7)
أن عملية العلمنة تتم من خلال مؤسسات الدولة والمنتجات الحضارية توضح سلوك من يتبناها وتوجهه توجهاً علمانية فنجد مجتمع يتبنى ايدولجية دينية ولكنه علمانى ولا يشعر اعضاء المجتمع بذلك ( انماط الحياة فى المدينة وتفكك الاسرة وخلق روابط اجتماعية جديدة روابط العمل الدراسة الجيران فى الحى ….الخ وهيمنة اخلاقيات السوق والبيع).
ونظراً لان البعض لايدرك اشكال العلمنة البنوية الكامنة ويصنف بلد باعتباره اسلامياً لان دستوره هو اسلامي ومعدل العلمنة فيه اكثر من بلدان دستورها علمانى ، ولقيت العلمانية اعتراف وقبول في الغرب لان الديانة المسيحية مرنة ومتطورة المسيحية الان ليس كما فى القرون الوسطي حيث مارست البيئات الثقافية والاجتماعية تاثير فى معتقدات هذه الديانة وطقوسها، والمسيحية كلما دخلت سياق ثقافي جديد تتكيف مع التحولات .
(8)
يعتقد البعض ان تراجعاً للدين بسبب العلم بل اذدياد المعرفة والنضج باعتبار ان الدين ( في القرون الوسطى )كان الفكرة المعقولة الوحيدة ووسيلة تفسير لكل احداث العالم وموضوع الاهتمام الرئيسى او الوحيد ( الدين – الهرطقة ) نتيجة لتقدم في الفكر البشري وتطوير الذهنية العلمية ، حدث تراجع في الذهاب الى الكنيسة والذهاب الي طقوس ( التعميد – دفن الموتى – الزواج ) لقد حلت المستشفيات والاطباء محل المزارات ولم يعتمد الناس الى التوسل و فقد زعماء الدين التأثير الاجتماعى وسلطة الدولة وانحصرت إستشارتهم فقط حول قضايا ( الاجهاض والطلاق العلاقات الجنسية المثلية) ولا أحد يستشيرهم في الحرب ومحاربة الفقر والفيضانات والكوارث الطبعية كما كان في السابق.
ولقد أدى العلم والعقل الى إبعاد الدين عن المجال العام وتغير الذهنية وكان العلم قادراً على تهميش الدين فى تفسيره لاحداث العالم ، لذلك تمت هزيمة رجال الدين وفقدوا وظائفهم ، والحملة المسعورة ضد العلمانية مصدرها رجال الدين الذين يسعون للحفاظ علي أمتيازاتهم التاريخية وهذا لايمكن فى الدولة الحديثة القائمة علي أساس العلم والمعرفة.
العلمانية… السياق التاريخي وهزيمة رجال الدين !!
• رانيا بابكر ونزا
(1)
العلمانية من اكثر المصطلحات السياسية شيوعا فى الوقت الحالى اذ يتم الحوار حولها بحدة الامر الذي جعلها تتصدر أهتمام الباحثين والساسة ، فى هذا المقال نحاول أستعراض بعض التعريفات والخلفية التاريخية والاشكاليات التى تتعلق بالتعريف مع التركيز على اسباب رفض ومحاربة العلمانية من قبل رجال الدين ، وهذا مانراه ضرورى لكل شخص مهتم بمسألة العلمانية واهميتها كمرتكز اساسي فى الدولة الحديثة ، والعلمانية أتت ضمن حزمة من التحولات فى الدولة الحديثة وشرط من شروط توطين الديمقراطية.
(2)
أصل مصطلح العلمانية مشتق من الكلمة اللاتينية سييكولاريزم وتعني العصر اوالجيل او القرن اما في لاتينية العصور الوسطى فانها تعنى العالم او الدنيا، ظهرت العلمانية فى عصر التنوير فقد عملت ظروف التعددية الدينية والتفكك الاجتماعي في المجتمع الحديث لظهور العلمانية نتيجة لصعود العلم (انشاء الاكاديميات – الطب -الزراعة-الادارة) وتسهيل تبادل المعلومات التقنية ونشرها ساهم ايضا في ظهورها.
(3)
يرجع بعض الباحثين ظهور العلمانية الي الظروف التاريخية للصراع الدينى والطائفي والمذهبي وظهور حركة الاصلاح الديني لتطهير المسيحية من الممارسات والمعتقدات الشعبية (في العصور الوسطي كان الناس يؤمنون بقوة العفاريت وبقدرت المزارات المقدسة علي الشفاء وحماية القديسين الذين ماتوا والتهديدات التي تمثل الارواح الشريرة للامن والسلامة وكانوا رجال الدين يعتقدون ان الكوارث من تلك الارواح الشريرة، وفي البداية كانت الفكرة مشروع إصلاح داخل الكنيسة لإنتاج دين اكثر نقاءاً في السعى الى حل مشكلات المسيحية القائمة من منظور علمانى داخل الدين ،وان احتمال بلوغ مجتمع علماني بالكامل نتيجة لم تكن متوقعة بالنسبة لجهود الاصلاحين للسيطرة على الروحانى فقد فعلوا ذلك بهدف تنظيف المعتقدات والممارسات الموروثة عن الدين ( المسيحية التقليدية) كما سماها جون بوسى لقد هدفت جهود الاصلاحين الى تحويل الناس الى مسيحين حقيقين .
(4)
أستخدم مصطلح العلمانية أول مرة في العام 1648م مع نهاية حرب الثلاثين وكان فى بداية مصطلح مجرد دلالة ولا يتسم باي نوع من الشمول ، الي أن جا (جون هوليوك) وهو اول من صاغ المصطلح وحوله الى اهم المصطلحات فى الخطاب السياسى والاجتماعى والفلسفي ،وعرف العلمانية بانها ( امكانية اصلاح حال الانسان من خلال الطرق المادية دون التصدى لقضية الايمان سواء بالقبول او الرفض)، ومن ثم تم تقليص مصطلح هوليوك فاصبح (فصل العقائد الدينية عن رقعة الحياة ) ، ثم أنتقل الي (فصل الدين عن الدولة) .
الي أن قاموس إكسفورد عرف العلمانية علي أنها (ينتمى للحياة الدنيا وامورها وتعنى غير دينى وغير مقدس وغير معنى بخدمة الدين) .
(5)
تعريف العلمانية باعتبارها فصل الدين عن الدولة ( تعريف جزئي) مرتبط بالمراحل الاولى للعلمانية ولكن بمرور الزمن تصاعدت معدلات العلمنة حيث تجاوزت مجالات الاقتصاد والسياسة واصبحت ظاهرة اجتماعية كاسحة وتحولاً دينوياً عميقاً يتجاوز عملية فصل الدين عن الدولة ويتجاوز اى تعريفات معجمية وتصورات عسكرية قاهرة ومحددة، وظهرت بعض الدراسات الحديثة التي تناولت مسألة العلمانية من منظور جديد ذات المصطلح ابهاماً.
(6)
أعتبر بعض الناس بان العلمانية ظاهرة غربية ومنشأة أروبية باعتبار أن العقيدة المسيحية انفصالية (أَعْطُوا مَا لِقَيْصَرَ لِقَيْصَرَ وَمَا لِلّهِ لِلّه) ولا علاقة لها بالمسلمين ، ويرى البعض بانها مؤامرة عالمية تستهدف بلاد الاسلام، والبعض فسر المصلح بمعني ملحد ، الا أن بيتر قاي (مؤرخ حركة الاستنارة ) سمها (الوثنية الحديثة )، ولكن العلمانية وهي ثمرة عمليات تاريخية متداخلة بعضها واضح والاخر بنيوى وكامن .
(7)
أن عملية العلمنة تتم من خلال مؤسسات الدولة والمنتجات الحضارية توضح سلوك من يتبناها وتوجهه توجهاً علمانية فنجد مجتمع يتبنى ايدولجية دينية ولكنه علمانى ولا يشعر اعضاء المجتمع بذلك ( انماط الحياة فى المدينة وتفكك الاسرة وخلق روابط اجتماعية جديدة روابط العمل الدراسة الجيران فى الحى ….الخ وهيمنة اخلاقيات السوق والبيع).
ونظراً لان البعض لايدرك اشكال العلمنة البنوية الكامنة ويصنف بلد باعتباره اسلامياً لان دستوره هو اسلامي ومعدل العلمنة فيه اكثر من بلدان دستورها علمانى ، ولقيت العلمانية اعتراف وقبول في الغرب لان الديانة المسيحية مرنة ومتطورة المسيحية الان ليس كما فى القرون الوسطي حيث مارست البيئات الثقافية والاجتماعية تاثير فى معتقدات هذه الديانة وطقوسها، والمسيحية كلما دخلت سياق ثقافي جديد تتكيف مع التحولات .
(8)
يعتقد البعض ان تراجعاً للدين بسبب العلم بل اذدياد المعرفة والنضج باعتبار ان الدين ( في القرون الوسطى )كان الفكرة المعقولة الوحيدة ووسيلة تفسير لكل احداث العالم وموضوع الاهتمام الرئيسى او الوحيد ( الدين – الهرطقة ) نتيجة لتقدم في الفكر البشري وتطوير الذهنية العلمية ، حدث تراجع في الذهاب الى الكنيسة والذهاب الي طقوس ( التعميد – دفن الموتى – الزواج ) لقد حلت المستشفيات والاطباء محل المزارات ولم يعتمد الناس الى التوسل و فقد زعماء الدين التأثير الاجتماعى وسلطة الدولة وانحصرت إستشارتهم فقط حول قضايا ( الاجهاض والطلاق العلاقات الجنسية المثلية) ولا أحد يستشيرهم في الحرب ومحاربة الفقر والفيضانات والكوارث الطبعية كما كان في السابق.
ولقد أدى العلم والعقل الى إبعاد الدين عن المجال العام وتغير الذهنية وكان العلم قادراً على تهميش الدين فى تفسيره لاحداث العالم ، لذلك تمت هزيمة رجال الدين وفقدوا وظائفهم ، والحملة المسعورة ضد العلمانية مصدرها رجال الدين الذين يسعون للحفاظ علي أمتيازاتهم التاريخية وهذا لايمكن فى الدولة الحديثة القائمة علي أساس العلم والمعرفة.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.