
العدالة والمحاسبة التاريخية (6 – 10)
✍🏿 متوكل عثمان سلامات
20/10/2020
أوضحنا في المقال السابق مفهوم العدالة الإنتقالية وإعادة كتابة التاريخ، والعدالة الإنتقالية في مخيلة القوى الدينية وقوى السودان القديم، سنواصل في هذا المقال توضيح هذه العلاقة وأثرها في تحقيق العدالة والمحاسبة التاريخية من خلال تناولنا للعدالة الإنتقالية وحقوق الإنسان، والعدالة الإنتقالية وإشكال النوع الإجتماعي، وأهداف العدالة والمحاسبة التاريخية.
العدالة الإنتقالية وحقوق الإنسان:
حقوق الإنسان هو مجموعة من القيم والمبادئ المشمولة في المواثيق الدولية والتي لايمكن للناس أن يتمتعوا بحياتهم بدونها، وتتمثل في المكتسبات التي إقتضتها طبيعة آدمية الإنسان المادية الجسدية والروحية والعقلية، ويعرف توماس جيفرسون ميثاق الحقوق بأنه (تلك الحقوق التى يتمتع بها الشعب فى مواجهة أي حكومة في العالم، وهي حقوق لا يجوز لحكومة عادلة أن ترفضها). وبالتمعن في مفهومي العدالة الإنتقالية وحقوق الإنسان، نجد هناك ثلاث خصائص تميز مفهوم العدالة الإنتقالية عن مفهوم حقوق الإنسان وإستقلاله بذاته على النحو التالي:
1- التركيز على الشمولية في التعامل مع إرث الإنتهاكات، فأهداف وأدوات العدالة الإنتقالية تتجاوز المحاسبة المعروفة على إنتهاكات حقوق الإنسان من خلال المحاكمات.
2- الأولوية التي يحظى بها التوازن والإدماج، فالعدالة الإنتقالية لا تسعى ولا تركز على المحافظة على السلام على حساب حق الضحايا في العدالة، بل تركز عوضاَ عن ذلك على إرساء توازن بين الأهداف على إختلافها.
3- التركيز على منهج يرتكز على الضحايا للتعامل مع ماضي عنيف سواء من حيث مساره أو نتائجه.
العدالة الإنتقالية وإشكال النوع الإجتماعي:
ظلت المرأة السودانية تعاني لعهود طويلة من الإنتهاكات الإنسانية المتمثلة في القمع والإضطهاد والتهميش والتمييز وعدم المساواة فى توزيع الفرص وغيرها من مظاهر التهميش الذى يرتكز على أساس النوع نتيجة للتركيبات والتعقيدات الثقافية التقليدية السائد في معظم المجتمعات السودانية والدولة معاً، كالسيطرة الذكورية على النظام الإجتماعي والثقافي والسياسي، والنظام الأبوي وغيره، وتم إستخدام الفروقات بينها والرجل لتبرير الأدوار المختلفة لكل منهما من حيث الأدوار الأولية والثانوية التي تدعيها تشكلها بعض الثقافات التي لا تحترم المرأة وتتبناها الدولة، وهي في الواقع إختراعات إجتماعية تاريخية وليست طبيعية، كما يعتقد الكثير من الناس.
ولكونها إمرأة مارست الدولة ضدها كل أشكال التمييز في مجالات كثيرة أهمها فرص التعليم، العمل، السفر، أو تقلُّد المناصب العامة، وعمقت الدولة هذا التمييز ليأخذ طابعاً هيكلياً عبر القوانين التي تشرعها لتكريس ذلك التمييز بينها والرجل ولتُمعن في إزلالها وتحط من كرامتها، فبالرغم من التعديلات التي أجريت على بعض القوانين إلا أنه ليس هناك ما يضمن عدم عودة الوضع إلى ما قبل الثورة في ظل تلكؤ الحكومة الإنتقالية ورفضها للعلمانية وترددها في فصل الدين عن الدولة وضمانات تحقيقه رغم إتفاق أديس الذي وقعه رئيس الوزراء الدكتور/ عبدالله حمدوك ورئيس الحركة الشعبية والقائد العام للجيش الشعبي لتحرير السودان – شمال القائد/ عبدالعزيز آدم الحلو، والذي يعتبر المخرج الوحيد من الأزمة والمدخل الصحيح لعلاجها.
وبما أن معظم الإنتهاكات الإنسانية التي تمت على مستوى العالم كانت تستهدف الرجال، إلا أن الدولة السودانية مارست بجانب ذلك إنتهاكات إنسانية فظيعة ضد النساء، ونتيجة للعنصرية التي تمارسها الدولة والقائمة على تقسيم السودانيين إلى سادة وعبيد، فإن درجة إنتهاك حق المرأة يختلف من إمرأة إلى أخرى حسب جهة هذه المرأة أو عرقها أو دينها أو لونها أو ما تعتقده من أفكار، فتعرضن للقتل بواسطة الهجوم الأرضي والقصف الجوي والمدفعي وتم إغتصابهن والتهديد بالقتل، وتعرضن للإعتقال التعسفي والتعذيب والإختفاء القسري، وإجهاض وإهانة وتحرش. ويشكل أغلبهن ضحايا غير مباشرين لكونهن أمهات أو زوجات أو أخوات أو بنات أو قريبات لرجال تم إعتقالهم أو أختفوا قسرياً، أو لرجال أبادتهم الدولة أو زجت بهم في حروب داخلية عبثية بإسم الدين والعروبة أو خارجية بإسم العروبة، في تمظهر جديد لتجارة الرقيق.
(فليس هناك عائق ضخم يحول دون تقدم المرأة السودانية ونيلها لحقوقها غير المرأة السودانية نفسها)
أهداف العدالة والمحاسبة التاريخية:
نظرياَ وعملياً تهدف العدالة والمحاسبة التاريخية إلى التعامل مع إرث الإنتهاكات بطريقة واسعة وشاملة تتضمن العدالة الجنائية وعدالة جبر الضرر والعدالة الإجتماعية والإقتصادية والثقافية، هذا إجمالاَ، أما تفصيلاَ فتتمثل أهداف العدالة والمحاسبة التاريخية في الآتي:
1- تسليم مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة الجماعية للمحكمة الجنائية الدولية لإفساح المجال لإكمال تحقيق العدالة والمحاسبة التاريخية.
2- وضع حد لجرائم حقوق الإنسان التي مازالت ترتكب،
3- التحقيق في هذه الجرائم وتحديد المسؤلين ومعاقبتهم،
4- منح تعويضات منصفة للضحايا،
5- منع إرتكاب هذه الجرائم والإنتهاكات مستقبلاً، من خلال تعزيز طبيعة الدولة التي تفصل بين الدين والدولة كمبدأ فوق دستوري ودستوري.
6- إعادة كتابة التاريخ.
7- إعادة بناء العلاقة بين الدولة والمواطن،
8- تعزيز السلام العادل والشامل والديمقراطية،
9- تشجيع المصالحة الفردية والجماعية التي لا تقود إلى الإفلات من العقاب.
10- إعادة هيكلة المؤسسات التي ساهمت وشاركت في إرتكاب الإنتهاكات الإنسانية.