العدالة الإنتقالية حلم قابل للتحقيق في السودان (1-2).
كمال ضيفان تامون
نجد أن طرح العدالة الإنتقالية هدفه معالجه أرث ثقيل من إنتهاكات حقوق الانسان لذلك من مصلحة كل الشعوب والأفراد التي ذاقت الإنتهاكات ولا سيما شعوب الهامش لأنها تمكنهم من الإستقرار وسلام الإجتماعي والإقتصادي والثقافي والسياسي.
وفي البدء لابد من تناول موضوع إنتشار الإرهاب والعنف السياسي وإنعدام الأمن عموما والعنف المؤسسي والعنف الثقافي والفكري والتعصب بأنواعه المختلفة والتفرقة الدينية والإجتماعية وكما نجد أن التعدد والتنوع الديني والثقافي والأيدولوجي والنوع الإجتماعي وعدم القدرة على إدارته واللا-مساواة وغياب العدالة والإذلال الإجتماعي والحرمان من الحقوق الأساسية والسياسية والمدنية وإنتشار خطاب الكراهية والذي هو ديدن الأنظمة والحكومات التي مرت على السودان.
وإذا كان السلام موجود في أحلامنا فالحرب والعنف موجودان في أعيننا وأذاننا بشكل دائم.
وكيف يمكن نسيان الماضي بكل مآسية؟ ولأن الأحساس بالإجحاف يمكن أن يشكل ارضية جيدة للعصيان حتي درجة العصيان الدموي!.
وإذا كانت السلطة طبيعتها تميل إلي الإستبداد، وتمارس الإستبعاد والظلم والتحايل والتلاعب والحجب وتمترس وراء الدساتير والقوانين القمعية واللا دستورية فما هو الحل؟ الإجابة التغيير الجذري.. وهو قادم، ولابد.
هذا المقال ليس مخصص لشرح مفهوم العدالة الإنتقالية لأن كثير من الخبراء والمختصين والنشطاء قد أعطوه مافيه كفاية، ولكن سوف نفرد مساحة لمعرفة عدم رغبه كثير من السودانيين من تطبيق العدالة الإنتقالية وخاصة الذين حكموا السودان منذ العام 1956 إلي يومنا هذا؟.
الإجابة بإختصار شديد: لأن كثير من أبناء وبنات الشمال والوسط النيلي وءبائهم وأجدادهم إرتكبوا كثير من المظالم السياسية والإقتصادية والثقافية والإجتماعية ضد شعوب الهامش بصورة فردية أو جماعية، والسؤال لماذا الإنتهاكات مركزة في جنوب السودان وجبال النوبة والفونج ودارفور وشرق السودان.
يرجع أسباب فشل أو عدم تطبيق العدالة الإنتقالية في السودان إلى الآتي:
1- الشعوب التي مورس ضدها الإنتهاكات غير واعية بحقوقها القانونية والعدلية لذا لابد من نشر ثقافة حقوق الإنسان للشعوب وتمليكهم المفاهيم والوثائق ذات العلاقة بهذه الحقوق.
2- عدم معرفة هذه الشعوب والأفراد بمفهوم العدالة الإنتقالية والعدالة الطبيعية وترك الأمر ولذا لابد من شرعنة العدالة الإنتقالية في الدستور وإصدار قانون لها وإنزال مفهومه الصحيح إلى الجماهير والقواعد وباللغات المتنوعة والقومية.
3- تغبيش الوعي والتضليل الذي يتم بواسطة بعض المثقفين لمفهوم العدالة الإنتقالية وهي تدابير قضائية وغير قضائية في مواجهة الإنتهاكات التي حصلت وتطبق في فترات الإنتقال مثال إنتقال من نزاع داخلي مسلح إلي حالة السلم والإستقرار أو إنتقال من حكم سياسي تسلطي إلي حكم ديمقراطي أو التحرير من الإحتلال أجنبي وتأسيس حكم محلي (الإجراءات الإصلاحية ضرورية).
(أ)- بالرغم من ان كثير من الباحثين يرجع أصل مفهوم ونشأة العدالة الإنتقالية إلي محاكم نورتنيبرغ (1945) حيث عمدت الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية إلى توسيع نطاق آليات القانون الجنائي في حينها لمحاكمه قيادات عسكرية وسياسية بعينها في النظام النازي والياباني مع التركيز علي الجرائم التي إرتكباها، إلا أن بعض المثقفين السودانيين وأصحاب الأجندة الخاصة يعتبرون ويربطون نشأة وفكرة العدالة الإنتقالية بC-I-A المخابرات الإمريكية وبأعتباره مشروع أمريكي والغاية منه هو حماية الجيش الأمريكي من إي عقاب وأيضا دولتها الثانية الصهيونية حتي تكون في مأمن وهذا توصيف وإختزال معيب..
(ب)- وللأسف صدر قانون لأول مرة في السودان للعدالة الإنتقالية بعد الثورة وهو معيب وأستخدم بشكل خاطئ ومتعمد حيث الدم سايل والقتل والنهب والإنتهاكات مستمرة والحديث جاري عن العدالة الإنتقالية وتضليل الناس بآليات وأجهزة (لجنة نبيل أديب ولجنة تفكيك النظام) وأبتزل إستخدام المصطلح وأصبح حديث عادي بين الناس وورش وسمنارات ولقاءات مع الضحايا وأسر الضحايا دون ظهور الجناة ولا أعتراف ولا أعتزار وأصلا الجناة هم الحكام وكانوا يمارسون التدليس وأخفاء آثار معالم الجريمة والمعلوم أن أركان أي جريمة تتكون من ثلاثة عناصر الجريمة المرتكبة والجاني الفاعل والمجني عليه.
4- عناصر العدالة الإنتقالية تتمثل في الحقيقة والمحاسبة والعفو والإصلاح المؤسسي والتعويض حيث تم التحايل على هذه العناصر بغرض الإفلات من العقاب وعدم الإعتراف بالإنتهاكات وعدم الإحترام والإعتراف بالضحايا.
5- عدم معالجة المشاكل والقضايا السودانية السياسية والإقتصادية والثقافية والإجتماعية من جزورها.
6- مجموعة معينة تعتبر نفسها إنها وجدت أو خلقت لكي تحكم وتسود وتتشبث بالسلطة وتتمترس وتحصن نفسها من المحاسبة ،والإفلات من العقاب أصبح ظاهرة معتادة في السودان تقتل، تنهب، تغتصب، تمارس كافة أشكال الإنتهاكات ويعتبروك بطل والحكامات والفنانين يغنوا ليك والإعلام والصحافة تمجدك والرجال باسم الدين يعظموك ويمدحوك والحكومة توشحك.
7- أما مسألة غياب الإرادة السياسية ولأنها مربط الفرس في التطبيق الصحيح للعدالة الإنتقالية، فنحن نقول توفر هذه الإرادة لا يمكن أن تكون إلا من خلال ثورة شعبية حقيقية محمية بالسلاح مما يعني إقحام وإشراك جماهير الهامش في المهام الثورية من التخطيط إلي التنفيذ أي مشاركة حقيقية في السلطة.
توفير وإيجاد المناخ السياسي العلماني الديمقراطي وسيادة القانون حيث تصبح فيه الدولة أكثر مسالمة وتبتعد عن الأعمال والأفعال الفظيعة والعنيفة والإبتعاد عن مفاهيم وأفكار مثل رد العدل أو الدفاع عن النفس أو الانتقام أو الفذعة أو النفير وكل ما يدعو للإقتتال أو التحريض أو الفتنة والبحث عن مسببات العنف والتغلب عليها بالطرائق والوسائل المختلفة وإرساء وتأصيل مبدأ المواطنة في نفوس وأفكار وتصرفات وسلوك السودانيين.
نواصل