الطريق لبناء السودان الجديد

الخرطوم: حسين سعد : Splmn.net

أطلعت علي مسودة الاتفاق الإطارى المسربة تحت عنوان (لايقاف الحرب وتحقيق السلام بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية شمال)لكن أكثر ما أستوقفني هو الباب الخاص بالهوية الوطنية حيث نصت تلك الوثيقة المسربة للاعلام: يجب ان لا تبني الهوية الوطنية للدولة علي ثقافات عرقية او اثنية او دينية او لغوية او جهوية ويجب ان تعكس تلك الهوية التنوع الثقافي في البلاد ويجب ان تكون مصدر للوحدة الوطنية وان تكون شاملة ومعبرة عن الجميع لتعزيز الحس والانتماء والانتساب الي كيان واحد وشدد الاتفاق الاطاري علي ضرورة ان تقوم الهوية السودانية علي حقائق التنوع التاريخي والمعاصر للدولة السودانية في السودان الجديد القائم علي أسس الحرية والعدالة والمساواة ،علي ان يكون التنوع مصدرا للإثراء الثقافي والاجتماعي ورابطا يؤسس للوحدة الطوعية والتعايش السلمي،وفي محور التعليم تمت المطالبة بتغيير المنهج وإعادة صياغة اهدافه وتصميمه بطريقة تعكس التنوع التاريخي والمعاصر ووضع منهج دراسي للتربية الوطنية واعادة كتابة التاريخ.

إحترام التنوع والتعدد

وفي تقديري اري ان الحل الأمثل لتأسيس دولة المواطنة،التي تحترم التنوع والتعدد بدون هذا الطريق لن يكون صائبا،وان هذه الدولة سوف تنهار حال إصطدامها باول عقبة ،لذلك يجب دعم هذا المقترح لترسيخ مفهوم المواطنة من خلال وضع أساس متين لهذه الدولة، تكون حجر الزاوية لمفهوم المواطنة، تحميها حينما تتعرض لأي هزة أو صدمة، وهذا يفرض علينا تأسيس تربوي وثقافي، يحمي دولة المواطنة، التي ينبغي ألا تؤسس على حقوق الأكثرية على حساب الأقلية ،وهذا يتطلب الايمان القاطع بان كل السودانيين مواطنون متساوون بدون تمييز بغض النظر عن دينهم أو عرقهم او ثقافتهم ،وان يتكاتف الجميع لتحقيق الأهداف الإنسانية في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، فالنظام المتسلط الذي حكمنا (30)عاما غرس ثقافة خاطئة جعلت بعضنا يعتقد أنه أفضل من الآخر، دينيًا أو عرقيًا ،فالمطلوب هو الانتماء الي السودان بعيدا عن القبلية او العنصرية وهنا لاننسي مقولة البطل علي عبد اللطيف عندما سأله القاضي في محاكمته الشهيرة عن أي قبيلة ينتمي فقال انا سوداني،فاليوم ما احوجنا الي ذلك لجهة بناء دولة المواطنة وهذا يتطلب بأن نجعل من الانسانية مذهب والسودان وطن ،وتحقيق المساواة للجميع كمبدأ، وجعل العطاء في سودان المستقبل على أساس الكفاءة، لا الولاء الحزبي أو الطائفي أو العرقي،مع توظيف الاعلام وقيام حملات اعلامية موسعة في كافة وسائل الاعلام، لتأسيس ثقافة التسامح والتعايش ،والحوار وعدم تجاوزها نحو الاحتراب.

بلاد مناهرة:

فبلادنا اليوم منهارة ،وعلى وشك التمزق، وهي تئن تحت وطأة الاوضاع الاقتصادية فضلا عن المصادمات القبلية الطاحنة في كل الاتجاهات،وغالبية المواطنين ما بين نازح او لاجئي،أو مهاجر هذا هو الحال بعد ثلاثة عقود من حكم متسلط مستبد فاسد ،ويعالج إعلان المبادي الموقع بين البرهان والحلو يعالج أزمة بلادنا التاريخية ويعالج ايضا مخاوف وهواجس الاخرين بشأن حقوقهم ومستقبلهم ،وهذا من شأنه غرس بذور من الثقة بين السودانيين ينقلهم إلى مرحلة العمل المشترك والتفكير بالمستقبل لماذا لا نستغل هذا الاستحقاق/ الفرصة الوحيدة لصالح البلاد التي تسببت فيها سياسات النظام البائد الخاطئة،والفاشلة إلى تفكيك وتهديد وحدة وأمن وسلامة السودان والتفريط في السيادة الوطنية، ورهن إرادة الوطن للخارج وتهديد الأمن والسلام الإقليمي وقد نتج ذلك : خطاب دينى متعالى وعنصري يرفض ويزدري واقع التنوع والتعدد فى السودان.

القانون الاعلي:

وفي الصفحة التاسعة من الاتفاق الاطاري وتحت عنوان (القانون الاعلي) نادي الاتفاق بان تكون المبادي فوق الدستورية هي القانون الاعلي في البلاد وشدد علي ضرورة يجب ان تكون هذه المبادي فوق الدستورية هادية لصناع الدستور وتتكون هذه المبادي من العلمانية-الديمقراطية التعددية-اللامركزية-الاعتراف بالتنوع –التاكيد علي احترام المواثيق والعهود الدولية والاقليمية –احترام حقوق الانسان والحريات الاساسية –حظر الانقلابات العسكرية والديكتاتورية –الحق في المقاومة الشعبية وممارسة تقرير المصير في حالة خرق القانون الاعلي –الكفاة المهنية للقوات المسلحة والقوات النظامية الاخري واخيرا يكون هناك دستور دائم للسودان يتوافق مع المبادي فوق الدستورية وتتوافق معه جميع القوانيين ،المبادي فوق الدستورية تخلق مناخ من الثقة بين السودانيين يؤهلهم للتعاون والعمل المشترك والتطلع نحو المستقبل وضمان الحقوق والحريات ووضع أسس النظام السياسي وشكل الدولة القادمة فضلا عن إن عملية صنع الدستور مخاض طويل وصعب، خاصة في المراحل الإنتقالية التي تلي فترات الحروب والنزاعات، وهو خاضع للتسويات والمساومات والتوافقات بين أطراف وجماعات تقوم بينها حواجز من الريبة وعدم الثقة تدفعها للتمسك بمصالحها، والتعامل مع الآخرين كأعداء متربصين.

نزاعات دامية:

عاني السودان من الصراعات الأكثر عنفا، والأزمات المتكررة التى فجرت نزاعات دامية،وتمثل الحالة السودانية أحد أبرز أنواع الصراع الديني الإسلامي–المسيحي، الذي انتهى بانفصال واستقلال دولة جنوب السودان فى يوليو عام 2011م فالسودان نموذج متعدد قبليا، ودينيا، وثقافيا، وبالرغم من ذلك الثراء الثقافى فى السودان، فإنه أفضى إلى كثير من المشاكل والخلل فى بنية المجتمع والدولة معا، والسبب يعود لفشل الدولة السودانية منذ الاستقلال حتى الآن فى إدارة التنوع، وعقب انقلاب الجبهة الاسلامية علي النظام الديمقراطي بمسمياتها المختلفة استغلت الدين وزجت به في عمليات الحشد والتعبئة للوصول للسلطة، من أجل حمايتهم حتى لا يطالهم القانون،وهذا يجعل الدين حجر الزاوية فى الصراع،وفي كتابه أزمة الاسلام السياسي وضرورة بناء الدولة العلمانية يقول الاستاذ عادل شالوكا :برز الصراع السِّياسي بإسم الدِّين في السُّودان عندما بدأ الإعداد لوضع دستور دائم للبلاد، إذ ظهرت الدَّعوة للدستور الإسلامي والجمهورية الرئاسية، وهما يُشكِّلان وجهين للدَّولة الدِّينية المُتسلِّطة، وكانت الدَّعوة للدستور الإسلامي قد إنهزمت في عام (1957)، فجاءت مُسودَّة الدَّستور التي وُضِعت في ذلك العام علمانية التوجُّه إن جاز التعبير، ولكن إنقلاب عبود في 17 نوفمبر، عطَّل المعنَي فيها – وهذِه مسألة يجب الوقوف عندها كثيراً لأن الإنقلاب نفسه كان عِبارة عن تسليم السُلطة للجيش من قِبَل عبد الله خليل وبإيعاز من الأحزاب السياسية التقليدية والكيانات الإسلاموعروبية لتنفيذ أجندتهم، ولذلك رأينا كيف دافع “الترابي” فيما بعد عن مُدبِّري الإنقلاب ووقف ضد مُحاكمتهم، الأمر الذي إنتقده “نُقد” بشدة في السجالات التي دارت بين الرجلين في الجمعية التأسيسية (نوفمبر 1965) عندما تآمرت هذه القوَى لحل الحزب الشيوعي وطرد نوابِه من البرلمان وبالتالي القضاء على التَّيار العلماني في السودان بعد تزايُد نفوذ الحزب، فالإنقلاب المزعوم هو مُجرد توزيع للأدوار بين “مؤسَّسة الجلابة”، إذ يلجأون للعسكر كل ما فشل المدنيين في تحقيق أجندتهم، ولذلك شهِدنا كيف سعَى الجنرال إبراهيم عبود وشرَع في سياسات الأسلمة والتَّعريب في السُّودان بعد وصوله للسُلطة مُستخدِماً القوة و القبضة العسكرية و التسلُّط، وأقصى درجات الديكتاتورية.
قضايا مابعد الاستقلال:
يقول التقرير السياسي المجاز من المؤتمر السادس للحزب الشيوعي ان السودان يعيش منذ الاستقلال أزمة عامة في كافة أوجه الحياة، انعكست في عدم الاستقرار السياسي،وتواتر وتوسع الحروب الأهلية والانقلابات العسكرية، وعدم مشاركة كل أهل السودان في حكم البلاد وتعثر التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وازدياد الفوارق بين مستوى تطور الأقاليم السودانية وتوزيع الخدمات الاقتصادية والاجتماعية بين تلك الأقاليم ،وأوضح إن جوهر الأزمة العامة في السودان هو عدم التصدي لحل قضايا ما بعد الاستقلال، والتي اصطلحنا على تسميتها بقضايا الثورة الوطنية الديمقراطية، وفشل الحكومات المتعاقبة، لطبيعتها الطبقية وعدم تمثيلها الفعلي للطبيعة التعددية لشعوب السودان ولاقاليمه المختلفة المتفاوتة في النمو والتطور،والمختلفة في التكوين العرقي والثقافي، في التصدي لقضايا الثورة الديمقراطية في السودان. وقد أدى كل ذلك إلى:
(1)فشل حل مسألة الدولة الديمقراطية التي تراعي التعدد وتفاوت التطور وحل مسألة القوميات والمناطق الأقل نموا حلا ديمقراطيا عادلا ، مما أدى لعدم الاستقرار السياسي وعدم استدامة الديمقراطية وتعدد الانقلابات العسكرية وفتح الطريق أمام الديكتاتوريات المدنية والعسكرية وآخرها ديكتاتورية يونيو 1989.
(2)فشل انجاز التنمية المتوازنة التي تبني اقتصادا صناعيا زراعيا حديثا متوازنا اقليميا وقطاعيا ، يلبى الاحتياجات الضرورية والمتنامية للشعب السوداني.
(3) تدهور البنية التحتية من سكك حديدية ومواصلات وتدهور خدمات التعليم والصحة العلاجية والوقائية،
(4)تزايد الهجرة خاصة هجرة الكفاءات من المهنيين وأساتذة الجامعات والعمال المهرة،وفشل السياسة التعليمية والثقافية في بلد تتعدد فيه الثقافات والأعراق ومستويات التطور الاقتصادي
(5)الفشل في حل مسألة الهوية السودانية التي تحل بالاعتراف بالتعددية الثقافية والعرقية والتفاوت في مستوى التطور الاقتصادي وبناء الدولة الديمقراطية المدنية المعبرة عن التعدد و سياسات التنمية التي تهدف الى التطور المتوازن ،والترابط الاقتصادي الاقليمي والقطاعي ،وعدالة توزيع الخدمات الاقتصادية والاجتماعية…الخ
(6)زيادة الشعور بالغبن والاضطهاد من قبل مكونات الشعب السوداني ونشوء الحركات الاقليمية والقبلية في 1958 وعودتها بشكل أكثر اتساعا بعد ثورة اكتوبر، وتطورها لحركات مسلحة وطرح أجندة جديدة في الصراع مثل مسألة الهوية وحق تقرير المصير والقسمة العادلة للسلطة والثروة بين أقاليم السودان.
(7)عدم اقامة علاقات اقليمية ودولية متوازنة تهدف لخدمة مصالح تطور الدولة الوطنية الديمقراطية السودانية. وقد أدى ذلك لعزلة دولية للسودان وتدخل دول الجوار ومراكز النفوذ الامبريالي في شؤونه الداخلية.
ختاما:
التاسيس لبناء سودان المستقبل، الدولة التي تحترم حقوق الإنسان وتجعلها فوق أي اعتبار، يتطلب ارادة سياسية وتحمل المسوؤلية وابتداع حلول استراتيجية، تحقق السلام الشامل ،وتعزيز التنوع الذي يجد اهتمامًا متزايدًا في الوقت الحاضر، نتيجة المطالبات المتزايدة بالمساواة والتسامح وتقبل الآخر، والاستفادة من التنوع وتوظيفه بشكل إيجابي ليتحول من سبب للصراع إلى محرك للإبداع،وتعظيم أبعاده الغنية والاحتفاء بها، وأبلغ مثال لفشلنا في احترام اتنوع وتعزيزه هو قضية جنوب السودان ، ففي الستينات كانت تكلفة وقف الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب في ظل سودان موحد هي أن يكون السودان دولة علمانية فيدرالية ديمقراطية، فشل السودانيين في تحقيق هذا الهدف (في الوقت المناسب) ادى الى تحويل هذا الهدف (وحدة الشمال والجنوب) الى هدف مستحيل عام 2011م، وحتى لا يمضي الجنوب الجديد في طريق الجنوب القديم، يجب ان يبدأ العمل بجدية في بلورة مشروع وطني قادر على إنهاء الحرب الأهلية من خلال تحقيق المصالحة التاريخية، والتحول الديمقراطي، وإعادة هيكلة الدولة السودانية بصورة منصفة لكل مكونات الشعب السوداني، ومن ثم تجميع الطاقات المهدرة حاليا في الحروب المتطاولة والمتفاقمة وتوجيهها للعمل في تغيير واقع التخلف الذي يطوق البلاد وهو مشروع بدايته الصحيحة هي بناء سودان جديد.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.