السُلْطَةُ المَرْكَزِيَّةُ وَالظُلْمُ الهَيْكَلِيُّ: تَخْرِيجُ أَبْناءِ مَأْمُونٍ حَمِيدَةٍ نَمُوذَجاً”.
بِقَلَمِ /عَمّارِ نَجْمِ الدِينِ.
فِي زَوايا دارْفُورَ، حَيْثُ تَتَشابَكُ مَشاعِرُ الاِنْتِماءِ وَالغُرْبَةِ وَالظُلْمِ التارِيخِيِّ، تَقِفُ القِياداتُ العُلْيا لِلحَرَكاتِ المُدافِعَةِ عَن حُقُوقِ الإِنْسانِ مَوْقِفَ المُتَفَرِّجِ، مُتَباعِدَةً عَنْ تِلْكَ الأَرْضِ بِآلافِ الكِيلُومِتراتِ. هٰؤُلاءِ الَّذِينَ يُفْتَرَضُ بِهِم حَمْلُ لِواءِ الدِفاعِ عَنْ دارْفُور وَإِنْسانُها الَّذِينَ تَتَناوَشُها بُنْدُقِيَّةُ الطَرَفَيْنِ المُتَحارِبَيْنِ، يَتَمَرْكَزُونَ أَيْ الحَرَكاتِ فِي أُمِّ دِرْمانَ، تِلْكَ الحاضِنَةُ الثَقافِيَّةُ المُتَحَدِّثَةُ بِلِسانِ المَرْكَزِيَّةِ وَالمُهَيْمِنِ وَالمُمَثِّلِ لِهُوِيَّتِها وَ أيدلوجِيَّتِها هُوِيَّتُها وَثَرائُها الأَدَبِيُّ وَالشِعْرِيُّ، وَالَّتِي كانَتْ أُمَّ دِرْمانٍ مُحَرَّمَةٍ عَلَى الأَقَلِّيّاتِ؛ بِسَبَبِ لُغَتِهِمْ وَعِرْقِهِمْ وَثَقافَتِهِمْ، مِمَّنْ كانُوا يَنْظُرُونَ إِلَيْهِمْ مِنْ المَرْكَزِ السِياسِيِّ وَالثَقافِيِّ وَالعِرْقِيِّ بِأُمِّ دِرْمانَ عَلَى أَنَّهُمْ أَقَلُّ قِيمَةً إِنْسانِيَّةٍ وَثَقافِيَّةٍ.
تِلْكَ القِياداتُ نَفْسُها تُحاصِرُ مِصْفاةَ الجِيلِي، الَّتِي تَسْتَنْزِفُ النِفْطَ مِن باطِنِ أَرْضِ غَرْبِ السُودانِ وَوِزارَةِ المالِيَّةِ الَّتِي تَنْهَشُ فِي مَوارِدِهِم الاِقْتِصادِيَّةِ، تارِكَةً أَهْلَهُ غَرْباً يُواجِهُونَ شَبَحَ الفَقْرِ، بَيْنَما يُنادُونَ بِالدِفاعِ عَن قَضِيَّتِهِمْ مِن مُعَسْكَراتِ اللُجُوءِ فِي تْشادٍ، حَيْثُ تُكابِدَ الجُمُوعُ مَرارَةَ الجُوعِ وَالحِرْمانِ فِي أَقالِيمِ دارْفُورَ المُتَناثِرَةِ. وَفِي ظِلِّ النِزاعِ، يُبادُ أَبْناءُ الإِقْلِيمِ مِنْ كِلا الجانِبَيْنِ، وَهُنا فِي أُمِّ دُرْمانَ وَالجَزِيرَةِ وَالقَضارِفِ وَالخُرْطُومِ، وَيُساقُونَ إِلَى حُرُوبٍ لا ناقَةَ لَهُمْ فِيها وَلا جَمَلَ، مِثْلَ حَرْبِ البُرْهانِ وَحَمِيدَتِي الَّتِي خُلِقَتْ لِتَعْزِيزِ سُلْطَةِ الحُكْمِ.
فِي الأَثْناءِ، يَتَلَذَّذُ أَبْناءُ الكِيزانِ بِنَعِيمِ الدِينِ وَالدُنْيا فِي تَنْزانْيا، وَيَتَخَرَّجُونَ مِنْ الجامِعاتِ، مُتَشَدِّقِينَ غِناءً وَشَعْراً بِاِنْتِصاراتِ كَتائِبَ بَرُؤُوهُمْ، وَخُرُوجِهُم وَهُم فِي اِنْتِظارِ الاِنْتِصارِ فِي المَعْرَكَةِ الَّتِي يَخُوضُها الآخَرُونَ بِدِماءِ أَبْناءِ دارْفُور وَجِبالِ النَوبَةِ، الآنَ اليَتامَى وَأَبْناءُ الثُكالَى وَالمُغْتَصَباتِ وَالمُهَجَّرِينَ مِن أَراضِيهِم بواسطة طَرَفَيْ الحَرْبِ الاِثْنَيْنِ تارِيخِيّاً مِن أَبْناءِ دارْفُور فَلا يَلْمَحُونَ إِلّا فِي مَعارِكِ الخُرْطُومِ وَالجَزِيرَةِ، بَعِيدَيْنِ عَن مَعارِكِ الجُنَيْنَةِ أَوْ زالَنْجِي أَوْ كَتْمِ أَوْ نِيالاً، بَيْنَما أُمَّهاتُهُمْ مُعَسْكَراتُ اللُجُوءِ حَيْثُ يَبْحَثُونَ عَنْ الإِغاثَةِ وَكَسْرَةِ خُبْزٍ وَقَلِيلٍ مِنْ الزَيْتِ وَبَعْضِ أَدْوِيَةِ المَلارْيا.
إِنَّ ما تَقُومُ بِهِ هٰذِهِ الحَرَكاتُ يُرَسِّخُ الذُلَّ وَالمَهانَةَ، وَيُظْهِرُ تَماهِيهِمْ مَعَ القُوَى المُسَيْطِرَةِ، وَسَعْيُهُمْ وَراءَ سَرابِ الأَمَلِ وَاِنْتِظارٍ إِنَّما ما تَفْعَلُهُ الحَرَكاتُ هُوَ الذَلَّةُ وَالمَهانَةُ وَالتَماهِي فِي المُتَسَلِّطِ وَالبَحْثِ عَنْ السَرابِ وَاِنْتِظارِ عَطِيَّةِ المُزَيَّنِ بَعْدَ الحَرْبِ. وَمِنْ المُرَجَّحِ أَنْ تَعُودَ هٰذِهِ الحَرَكاتُ، لِيُسَمِّيَها المَرْكَزُ مُجَدَّداً عَبْرَ أَبْواقِهِمْ (الغَرْبُ أَفْرِيقْيا، الَّتِي تَجُوبُ الحُدُودَ بَحْثاً عَنْ المالِ وَالآرِ تَزِقُّ وَالعَمالَةُ)، مِنْ جَرَبِ المُجَرَّبِ حاقَتْ بِهِ النَدامَةُ.
إِنَّ البُنْدُقِيَّةَ الَّتِي لا تَسْتَنِدُ إِلَى مَنْهَجٍ يَقْرَأُ التارِيخُ، وَيُحَلِّلُ بِهِ الواقِعُ السِياسِيُّ لا تَعْدُو كَوْنُها أَداةً فِي خِدْمَةِ مَصالِحِ السادَةِ القاهِرِينَ، مُقابِلَ بِضْعَةِ دَراهِمَ زائِلَةٍ لِقِيادَةِ الحَرَكاتِ. وَلٰكِنَّ ثَمَنَ هٰذِهِ المُعامَلاتِ البَخْسَةِ يُدْفَعُ بِدِماءِ الأَبْرِياءِ، وَسَيَقِفُ التارِيخُ شاهِداً عَلَى هٰذِهِ الأَفْعالِ.
إِنَّ أُفُولَ القِيَمِ وَتَغْيِيبَ الأَخْلاقِيّاتِ فِي مَيْدانِ الصِراعِ السِياسِيِّ وَالاِجْتِماعِيِّ يُشَكِّلُ مَأْساةً حَقِيقِيَّةً. يَتَجَلَّى ذٰلِكَ فِي تَرْكِ الجَماهِيرِ الَّتِي تُعانِي الوَيْلاتِ فِي مَهَبِّ النِسْيانِ، بَيْنَما يَتَمَتَّعُ النُخَبُ بِثِمارِ السُلْطَةِ وَالنُفُوذِ. الجَماهِيرُ الَّتِي تَعِيشُ يَوْمِيّاتِ النِضالِ الحَقِيقِيِّ، تَجِدُ نَفْسَها مُسْتَباحَةً أَمامَ جَبَرُوتِ الحُرُوبِ وَالصِراعاتِ السِياسِيَّةِ الَّتِي لا تُبْقِي وَلا تَذُرُّ.
يَتَعَيَّنُ عَلَى الحَرَكاتِ السِياسِيَّةِ أَنْ تَتَجَذَّرَ فِي التارِيخِ، وَأَنْ تَسْتَمِدَّ مَشْرُوعِيَّتَها مِنْ واقِعِ الشُعُوبِ وَمُعاناتِها، وَأَنْ تَكُونَ مَعْبَراً صادِقاً لِآمالِهِم وَتَطَلُّعاتِهِمْ. يَجِبُ أَلّا تَتَحَوَّلَ هٰذِهِ الحَرَكاتُ إِلَى أَدَواتٍ لِلتَلاعُبِ السِياسِيِّ أَوْ مُجَرَّدِ واجِهاتٍ لِلعَمالَةِ لِلمَرْكَزِ العُنْصُرِيِّ، وَالَّذِي يُمَثِّلُ دَوْلَةَ الأَبارْتايْد، بَلْ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ ذاتَ رُؤْيَةٍ واضِحَةٍ وَمُسْتَقِلَّةٍ وَمَنْهَجٍ يَحْتَرِمُ الكَرامَةَ الإِنْسانِيَّةَ، وَيَسْعَى لِتَحْقِيقِ العَدالَةِ الاِجْتِماعِيَّةِ.
لِكُلِّ هٰؤُلاءِ الَّذِينَ يُعانُونَ فِي صَمْتٍ، مِنْ أَبْناءِ دارْفُورَ الَّذِينَ تُراقُ دِماؤُهُمْ فِي نِزاعاتٍ لا يَمْلِكُونَ فِيها لا القَرارَ وَلا حَقَّ الاِخْتِيارِ، يَجِبُ أَنْ تَسْمَعَ أَصْواتَهُمْ. يَجِبُ أَنْ يَكْتَبَ التارِيخُ بِأَقْلامِهِمْ، وَأَنْ تَرْوِيَ قِصَصَهُمْ بِأَلْسِنَتِهِمْ، وَأَنْ يَعْتَرِفَ بِمُعاناتِهِمْ كَجُزْءٍ لا يَتَجَزَّأُ مِنْ النَسِيجِ الإِنْسانِيِّ. فَالعَدالَةُ الَّتِي لا تَشْمَلُ الجَمِيعَ هِيَ عَدالَةٌ ناقِصَةٌ، وَالسَلامُ الَّذِي لا يُبْنَى عَلَى أُسُسِ العَدْلِ وَالإِنْصافِ هُوَ سَلامٌ مُزَيَّفٌ وَغَيْرُ مُسْتَدامٍ.
التارِيخُ لا يَرْحَمُ، وَالأَجْيالُ القادِمَةُ سَتَحْكُمُ عَلَى أَفْعالِنا اليَوْمَ. لِذا، يَجِبُ أَنْ تَتَحَلَّى الحَرَكاتُ بِالشَجاعَةِ لِلنَظَرِ فِي المِرْآةِ وَتَساؤُلِ أَنْفُسِها: هَلْ أَنا أَداةٌ لِلتَغْيِيرِ الإِيجابِيِّ، أَمْ مُجَرَّدُ بَيْدَقٍ فِي لُعْبَةِ قُوَى المَرْكَزِ