السودان وإنعدام الإحساس الجمعي العميق

محمد تندي أوباما

 

مر السودان بشكله  الحالي بعدة ممالك وسلطنات ومشيخات ودمنقاويات معظمها أثنية في شكلية الحكم والإدارة ولكنها مرتبطة مع بعضها البعض عبر مواثيق وعهود عبر الزمان وعلاقات وطيدة ومحترمة، وهذا ما يعرف بالتنوع التاريخي في منهج السودان الجديد . إلا أن بعد الغزو التركي المصري تغيرت الأحوال لأن المستعمر التركي همه الأساسي هو جمع المال والرجال من السودان لذلك فرض نفسه كحاكم لكل البقعة الجغرافية الحالية التي تسمي بالسودان وعمل علي ضم كل الممالك والمشيخات تحت إمرته، ولم يستطيع أن يسيطر علي المنطقة كليآ. نسبة لوعورة بعض المناطق ومقاومة أهلها.

 بعد قيام الثورة المهدية وطرد الأتراك والمصريين من السودان عمل المهدي علي تشكيل حكومة أسماها وطنية من أتباعه وحيرانه ونصب نفسه حاكمآ للبلاد، إلا أن الموت غيب آماله مبكرآ، وتولي الحكم بعده الخليفة عبدالله التعايشي، رغم أنه لم يكن مرغوبآ من آل بيت المهدي لأنه من غرب السودان وأسود اللون ولأنه لاينتمني للأشراف (أي من سلالة الرسول). وحدثت عدة خلافات بينه و بين آل بيت المهدي منذ توليه الخلافة، إلا أنه أدرك ذلك مبكرآ وعمل علي تمكين آل بيته من أبناء غرب السودان علي وجه الخصوص من آل بيته التعايشة. لم يفلح الخليفة عبدالله التعايشي في حسن إدارة التنوع في البلاد حتي أحجم البلاد إلي مربع القبلية وعدم قبول الآخر المختلف بعد أن حس المكونات الموجودة على الشريط النيلي بخطورة حكم الخليفة نسبة لخلافه بينه وبين آل المهدي الذين يعتبرون الغالبية سعوا إلي وجود مخرج من حكم الخليفة عبدالله التعايشي بأي طريقة ممكنة ودليل علي ذلك تهريب سلاطين باشا النمساوي لدولة مصر. نسبة للمآسي التي تلقاها سكان الشريط النيلي من حكم الخليفة عبدالله التعايشي طالبو من حكومة مصر المستعمرة بغزو السودان، وسهلو لهم في ذلك ليغزو السودان، ولم يجد المستعمر أدني درجة من المقاومة من سكان الشريط النيلي، منذ ذالك الوقت تأثر الإحساس الجمعي لدي السودانيين.

بعد خروج المستعمر الخارجي  ودخول المستعمر الداخلي التي تدعي أنها حكومات وطنية إلا أنها حكومات نخب وأصحاب إمتيازات تاريخية تركها لهم المستعمر كرأس مال نظير الخدمة التي قدموها لهم أثناء الغزو الإنجليزي ضد الشعب السوداني، ففي هذه الحكومات غاب الإحساس الجمعي تمامآ، فقط أصبح السودانين يتعاطفون مع القضايا التي تحدث في المركز (حدود الخرطوم). بل وتبدل حكومات النخب إحساس الإنتماء القومي الجمعي بالمركزية الإسلاموعروبية، وفرضو ذلك عبر المناهج ومؤسسات الدولة، عن طريق العربنة والاسلمة للمناهج والمؤسسات، فلذلك من الطبيعي جدآ أن نجد إهتمام كبير من النخب لقضية فلسطين وتونس والمغرب وغيره من الدول العربية في الوقت الذي يعاني معظم أبناء الشعب السوداني من ويلات الظلم والحرب والتشريد والتنكيل.

فمن الطبيعي أن تظهر قضية فلسطين من أولويات القضايا السودانية وتغيب قضايا الشهداء الذين مهرو الوطن بدمهم الغالي ومازالو يمهرون. فمن الطبيعي أن يحس معظم الشعب السوداني بقضية فلسطين، لا لأنها قضية دينية بل كقضية مركزية عربية وهي المركزية التي تهرول له حكومات السودان منذ خروج المستعمر، فعندما نسمع بوزارة الخارجية تغرد بإسم فلسطين  ومعسكرات اللآجئين تكتظ بالسودانين ويموت مئات السودانيين غرقآ في البحر الأبيض المتوسط فهذا أمر عجاب.

ففي كثير من المحافل نسمع بهتافات برآقة من النخب تستعطف وجدان الشعوب السودانية المهمشة منها (يا العنصري المغرور كل البلد دارفور) وغيرها من الشعارات، إلا أن هذه الشعارات سرعان ما تنتهي بإنتهاء صلاحية المحفل.

أخيرآ، الشعوب السودانية تحتاج إلي مراجعة الوجدان الجمعي بعيدآ من الإحساس التعاطفي الكاذب التي وبعيدآ من المركزية الإسلاموعروبية، لأن هذا الإحساس الكاذب تكون غالبآ ضحيتها جزء كبير من أبناء الشعب السوداني وتتأثر بوحدة الشعوب السودانية مثلمآ حدثت في إنفصال جنوب السودان، ولربما يحدث في أجزاء أخرى من الوطن الحبيب إذا لم تكن هنالك إرادة حقيقة للإحساس الجمعي العميق.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.