السودان زيف العروبة وضرورة العودة للذات.

نضال الطيب حامد.

طالعنا منذ يومين، بيان مشترك بين الحركة الشعبية لتحرير السودان، بوفد بقيادة القائد عبدالعزيز آدم الحلو، وبين حزب الأمة القومي بقيادة الصديق الصادق المهدي، يعبر عن حوار هادي وشفاف أدى إلى تفاهمات سياسية، أفصح عن الإتفاق على سبعة بنود أعتقد إنها ضافية في محاولة حل الأزمة السودانية.

ولكن ما لفت انتباهي، هو البند الثالث : الذي يحتوي على نص مهم جداً، وهو التنوع التاريخي والتنوع المعاصر وتعزيزه، وأن جميع الأعراق والديانات والثقافات جزء لا يتجزأ من الهوية السودانية للدولة. وتعمل على بناء هوية وطنية بعيداً عن الإقصاء والتهميش.

هذا البند أكد لنا أن الحركة الشعبية، بقيادة الحلو، تنطلق من أرضية صلبة، ورؤية منهجية وعلمية عميقة، لم تفكر الحركة في أي نصوص سياسية، تضمن لها الحصول على، كيكة من السلطة بدعم حلفائها، وإنما تهتم بحل جزور الأزمة السودانية، بمخاطبة القضايا الرئيسة في الأزمة الوطنية، و أرادت أن تنتزع الإعتراف بالهوية من نجل المهدي، كما فعل د. جون قرن بخطابه الموجه إلى الإمام الصادق المهدي سابقاً، فما أشبه الليل بالبارحة.

تحدثنا كثيراً عن السودان الذي قبل أن يكون في مؤخرة العرب، بدلاً من أن يكون في صدارة القارة الأفريقية، رأح في تيه الهوية، بسبب أولئك الذين يدعون الإنتماء إلى الهوية العربية في بلد أسود إسمه السودان، (أي بلاد السود) ، نقول لؤلئك المستعربين إنتهى زمن دفن الرؤوس في الرمال، و المسكوت عنه لابد للحديث عنه، وأتى زمن مواجهة الحقائق.. أما كل أولئك الذين يعبرون عن حالة الإستلاب الثقافي والإحساس بالدونية تجاه العنصر العربي، لن يكون من المقبول منهم أن يفرضوا علينا ثقافاتهم فرضاً، ليتم جبرنا على العروبة، فهذا لن يقبل في السودان مرةً أخرى وخصوصاً بعد ثورة الوعي هذه التي عمت البلاد .

دعونا نكون صادقين ومتصالحين مع أنفسنا، العرب في الأساس لا ينظرون إلينا نحن السودانيين بالوجدان العربي الحقيقي، بل نظرتهم لإخوانهم العرب في بقية بلدان الخليج العربي، أو دول الجامعة العربية تختلف من نظرتهم لنا نحن السودانيين، بسبب عدم الإحساس بالانتماء لهم، إذاً فلماذا كل هذا الإستمراء والهرولة خلفهم، ولماذا علينا أن نلبس جلد ليس بجلدنا وثقافة ليست ثقافتنا؟ فالعروبة السودانية كل المقصود منها التسويق السياسي لدعم القضية الفلسطينية.

الحضارة السودانية متقدمة بمراحل كثيرة على الحضارة العربية، ونحن السودانيين لانريد أن نرى هذه الحقيقة، ولكن لم نجد في تاريخ الجزيرة العربية سوي ثقافة الحرب والغزو والسلب والنهب ودفن البنات خوفاً من جلب العار لهم، وكتابة الشعر وهجاء الإنسان الأسود مثل قولهم ( لا تشتري العبد إلا والعصي معه إن العبيد لمكانيد انجاس) والعنصرية وتجارة الرق هذه هي الثقافة العربية القديمة. وعندما يتم التفاخر بالحضارة والثقافة العربية، حينما يقول قائلهم ( ونشرب إن وردنا الماء صفواً ويشرب غيرنا كدراً وطينا!! .

ومن الملاحظ أن الغالبية من مستعربي السودان، يميل لونهم إلى السواد، ونجد أن المكونات القبلية التي تدعى الإنتساب للعروبة تعاني من محنه مزدوجة أو مركبة، ومع ذلك تمارس الإستعلاء الأجوف على بقية القبائل الأفريقية الأخرى من دارفور وجنوب كردفان جبال النوبة، والنيل الأزرق، حتى أصبحت للتندر والنكات لدي فرق الكوميديا، التي ينتمي افرداها إلى تلك القبائل.
بيد أنه يمارس عليهم نفس الإستعلاء العنصري حينما يذهب الواحد منهم إلى دول الخليج العربي ( كمغترب) فلا يستطيع السوداني أن يدعي العروبة أو الإنتماء إلى بيت العباس عم النبي ، وهو في السعودية أو غيرها من الدول العربية.

وهذا يوضح لنا بجلأ أزمة الهوية الوطنية بالنسبة للدولة السودانية .. السودان كان عبارة عن دويلات ومماليك محور تماسكها العاطفي والذاتي هو هذه الدويلات في بنية الوعي العشائري أو القبلي، وأن معظم الممالك القديمة في السودان كانت وثنية أو مسيحية، و المكون العرقي لها أفريقي خالص منذ لدن مروى وسوبا وما كورية وعلوة وغيرها . إذاً عروبة السودان ماهي إلا محض أوهام في عقلية المستعربين، وإدعاء العروبة وتزييف الهوية، هو أساس كل المأسى والحروب في بلادنا، لأنها تمثل نكران للذات ورفض الآخر المختلف واقصائه، والعلاج الوحيد هو استئصال وهم العروبة عن عقولنا والاعتراف بالهوية الأفريقية الحقيقية .. مثل ماتم خلال تلك التفاهمات السياسية بين الحركة الشعبية وحزب الامة القومي.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.