السودان تاريخ نخب وأزمة حكومات (1-2).
✍🏿 : باب الله كجور
التاريخ يكتب كل يوم صفحة ويضع لبنة، والمؤرخ الحصيف الفطن هو من يحرص على عدم تجريد التاريخ من عناصر دراسة المستقبل ويمهد الطريق عبر مايكتب لمن يأتى بعده ويلتقط القفاز، أو يتولى زمام المبادرة لينعش ذاكرة وطنية خاليه من الشوائب تجنب أبناء الوطن الواحد الوقوع في أزمة التعاطى السلبى مع الأزمات والأحداث، والتعامل مع الآخر بنفس قصير، أو بدون تنشيط للذاكرة أو تجديد للوعى.
فالنخب السودانيه فشلت فى مرحلة مخاض ميلاد الدولة الحديثة، وفى مهام البناء الوطنى للتحول إلى طبقة وسطى متجردة من قيود الإنتماءات الضيقة، ومتحررة من الولاء الجهوى بشكل سافر، ولم تلعب النخب الدور المنوط بها لإزالة الغبن التاريخى عند الأغلبية التى خلق بها الظلم وطالها الإقصاء والتهميش، ولكنها إنزلقت إلى مستنقع الفشل وآثرت المحافظة على شعرة معاوية التى كانت ولاتزال تربط السلطة بمصالح النخب وإمتيازاتها. هذه النخب فى وجهة نظرى لا تعدو كونها جماعة نفعية ( براغماتيه) نشأت ونمت فى كنف السلطة وطورت قدراتها لتفرض نفسها كأمر واقع عبر الحقب التاريخية التى مرت بها البلاد ومن ثم تولت مهمة حشد الأبواق والغوغائيين ليكونوا حاشية وسندا للحكام لدعم هيمنتهم وإستمرارهم لأطول فترة ممكنة فى كراسى السلطة، وساهموا فى صناعة الواجهات التى نشرت ثقافه الإقصاء ووظفت الأجهزة والمؤسسات الحكومية فى فرض الآيديولوجيا الإسلاموعروبية وتسويقها عبر مناهج التربية والتعليم ووسائل الإعلام والفن الموجه لتشكيل الوجدان الوطنى بتصورات خاطئة.
وأضحى التباين سمة بارزه وعلامة فارقة أفضت إلى جعل السودان بلدا بلاهوية وطنية جامعة تعكس حقائق التنوع التاريخى والتنوع المعاصر، كما جعلت البلاد بدون عقد إجتماعى أو دستور دائم، ولذلك فشلت هذه النخب فى أن تتحرك قيد أنملة وظلت متمترسة لم تبدل مواقفها خلال أكثر من نصف قرن من الزمان (٦٦ سنة من عمر ما يسمى بالإستقلال) وفشلت أن تقوم بدورها الطبيعى والطليعى فى ترسيخ وتمتين العلاقات بين المكونات الإجتماعية بشكل تنتفى فيه النزاعات والصراعات بكل أشكالها البغيضة وتختفى فيه التصنيفات السالبة بكافة مستوياتها، بل كرست كل جهدها فى إعادة إنتاج الآخر الثقافى وصهره أو تذويبه فى حقل ثقافة الشمال والوسط النيلى (نظرية بؤتقة الإنصهار) فإزدادت الشقة.
تعددت أوجه فشل النخب فى مهام البناء الوطنى، وفى إدارة مفاصل الدولة وتسيير دولاب العمل فى الخدمة المدنية وسائر مؤسسات الدولة وشابت أداؤها المحسوبية والفساد المالى والإدارى وغياب دور وواجب الدولة فى تقديم أبسط الخدمات الأساسية فى التعليم، الصحة والأمن بالصورة المطلوبة وهذا من أبرز سمات فشل الدولة.
فشل حكامنا ونخبنا فى الوصول إلى تسويات مرضية مع قوى الكفاح المسلح على قاعدة الحل الجذرى للمشكلة السودانية وتخقيق سلام عادل شامل ومستدام ينهى الحرب فى السودان. وعلى العكس تجد الكثير من النخب قد ساندت ودعمت الإنقلابات العسكرية، وشجعت الحكومات على تبنى الحلول الأمنية والأجندة الحربية وتكريس الآيديولوجيا الإسلاموعروبية.
وحتى تكتمل الصورة بأبعادها ومن جميع زواياها حول تاريخ النخب السودانية وإدمان الفشل، فقط علينا إمعان النظر وقراءة سير الأحزاب السياسية السودانيه دون إستثناء ( تقليدية كانت أم حديثة) بمختلف مرجعياتها وخلفياتها الفكرية بتانى نجد أنها كانت وما زالت تشكل الحاضنة السياسية لذات النخب الفاشلة، فلماذا الإصرار على تدوير النفايات؟!
نواصل