السودان بين صراع القوى ونهضة الشعب: تحديات الوعي وبناء السودان الجديد

قراءات حول الراهن السياسي في السودان 

 

في خضم الأحداث السياسية المتسارعة التي يمر بها السودان، تتجلى صورة معقدة لمستقبل البلاد، تتشابك فيها المصالح وتتضارب القوى، مما يجعل الشعب السوداني يقف على مفترق طرق حرج بين ما يمكن تحقيقه وبين ما يُفرض عليه من واقع مأساوي. فما يحدث اليوم من صراعٍ بين الجيش السوداني وميليشيات الدعم السريع لم يعد مجرد معركة عسكرية؛ بل أصبح صراعًا على هوية السودان ومستقبله، وعلى قدرة الشعب السوداني على استعادة زمام الأمور وبناء دولة عادلة ومستقرة.

**حقيقة الصراع وتزييف الوعي العام**

منذ اندلاع الأزمة الحالية، يظهر جليًا أن الشعب السوداني ليس فقط ضحية للصراع المسلح، بل أيضًا لعملية تزييف ممنهجة للوعي العام. حيث تتخذ الأطراف المتنازعة من أدوات الإعلام والتعبئة الشعبية وسيلة لتوجيه الرأي العام وفقًا لأجنداتها، مما يعمق من حالة الارتباك ويصعّب على الشعب الوصول إلى الحقائق الأساسية. هذا التزييف لا يقتصر على الجوانب السياسية فقط، بل يمتد إلى الخطاب الديني والثقافي، حيث تُستغل هذه الخطابات في تضليل الجماهير وتغذية الانقسامات بدلًا من تعزيز التلاحم الوطني.

**ما هي الدور المؤسساتي للجيش وميليشيات الدعم السريع؟ جـــــــ………..

لعل أحد أبرز العوامل التي تؤجج هذا الصراع هي التركيبة المعقدة للمؤسسات الوطنية، وعلى رأسها الجيش وميليشيات الدعم السريع. فالجيش، الذي يُفترض أن يكون مؤسسة وطنية جامعة وحامية للسيادة، تحول في أحيان كثيرة إلى طرفٍ في النزاع السياسي. من جهة أخرى، تأسست ميليشيات الدعم السريع كقوة عسكرية موازية للجيش، لكنها سرعان ما طورت مصالحها الخاصة وأصبحت تتصرف ككيان مستقل ذي سلطة ونفوذ، مما أضاف طبقة جديدة من التحديات التي تعيق تحقيق الاستقرار في السودان.

وهذه الشكلية الثنائية المؤسسية، بدلاً من أن تكون قوة داعمة للوحدة الوطنية، أصبحت تمثل تهديدًا فعليًا لسيادة البلاد. فبدلاً من أن تُوجه قوى الدولة نحو حماية الوطن وخدمة الشعب، باتت تستنزف طاقاتها في صراعٍ داخلي يهدم أركان الدولة ويضعف تماسكها. ومن هنا، تبرز الحاجة إلى إعادة صياغة دور المؤسسات العسكرية بحيث تكون فعلاً خادمة للوطن والمواطن، لا مجرد أدوات في يد الأطراف المتصارعة.

**الوعي الشعبي: مفتاح النهضة السودانية**

وسط هذا الواقع الصعب، تزداد الحاجة إلى بناء وعي شعبي شامل حول القضايا الأساسية التي تواجه البلاد، بعيدًا عن الضغوط الخارجية والمصالح الخاصة التي تفرضها القيادات المتناحرة. فالوعي، هو الذي يمكّن الشعب من التمييز بين ما هو حق وما هو زيف، ويعزز قدرته على اتخاذ مواقف واعية ومستقلة.

لا يمكن للسودان أن ينهض إلا إذا امتلك شعبه وعيًا كافيًا يفتح له الأبواب نحو المستقبل. إن وعي الشعب السوداني بحقوقه وقدرته على التغيير هما الأساس الذي سيجعل من السودان دولة مستقلة وحرة، قادرة على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية على حد سواء. وبهذا، يصبح الشعب هو صاحب القرار في تقرير مصيره وبناء وطنه، وليس مجرد تابع للقرارات التي تُصنع خلف الكواليس.

**التحديات الثقافية والدينية في السودان**

من الملاحظ أن الأزمة في السودان ليست مجرد صراع سياسي؛ بل هي أزمة هوية وثقافة وقيم. الخطاب الديني والثقافي، والذي يُفترض أن يكون وسيلة لتوجيه الناس نحو الوحدة والتكاتف، تم تزييفه واستخدامه في بعض الأحيان لزرع الفتن وبث الكراهية. حيث يتم استغلال الرموز الدينية في الترويج لأجندات سياسية تهدف إلى الهيمنة والسيطرة، مما يعمق من فجوة الانقسام بين فئات الشعب المختلفة.

إن بناء السودان الجديد يتطلب معالجة جذرية لهذه التحديات، وإعادة صياغة الخطاب الثقافي والديني بحيث يصبح وسيلة لتوحيد السودانيين وتعزيز قيم العدالة والمساواة. فالسودان بثقافاته المتنوعة وإرثه التاريخي الغني لديه القدرة على تجاوز هذا التحدي، لكن ذلك يستلزم قيادة واعية ونخبة ملتزمة بإعلاء المصلحة الوطنية فوق أي اعتبارات أخرى.

**الطريق نحو السودان الجديد**

السودان الجديد الذي يحلم به الشعب السوداني ليس مجرد شعار سياسي، بل هو رؤية واضحة تستند إلى بناء مؤسسات حقيقية، ترتكز على مبادئ الديمقراطية والشفافية وسيادة القانون. السودان الجديد هو دولة المواطنة والعدالة، دولة تُعلي من قيمة الإنسان السوداني وتجعل له مكانة مساوية لباقي البشر في الأرض.

هذا السودان المنشود لن يتحقق بمجرد تغيير القيادات أو إنهاء الصراعات العسكرية، بل يتطلب نهضة شاملة تقوم على أسس معرفية وأخلاقية. يجب على الشعب السوداني أن يكون صاحب الوعي والمسؤولية، وأن يدرك أن تحرير السودان يبدأ بتحرير العقول من التبعية والانقياد الأعمى، وبالتحرر من الأوهام التي زُرعت في الأذهان لعقود.

#خاتمة: لا خيار إلا السودان الجديد

في نهاية المطاف، لا خيار أمام السودان إلا التحول نحو سودان جديد، يبتعد عن الصراعات والانقسامات ويضع مصلحة الشعب فوق كل اعتبار. هذا التحول يتطلب عملًا جماعيًا ورؤية وطنية واضحة، تقوم على تحقيق مصالح السودان العليا بعيدًا عن المصالح الانفرادية للنخب والجماعات على أساس ثقافي والديني وغيرها.

اذا لا شك أن الشعب السوداني قادرٌ على إحداث هذا التغيير، بشرط أن يمتلك الوعي والإرادة اللازمين للنهوض بوطنه. السودان الجديد هو حلمٌ قابل للتحقيق إذا ما توحدت وتأسست الكتلة التاريخية وازدهرت الإرادة الشعبية.

 

أبوبكر متيرة ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الثلاثاء /١٢/نوفمبر/٢٠٢٤

West Africa

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.