السودان.. الحرب والاعياد
✍️ حسين سعد
دخلت حرب ١٥ أبريل بين الجيش والدعم السريع عيدها الرابع ومع بزوغ فجر كل عيد من هذه الأعياد الأربعة حكاية لفصولها وتداعيات لهذه الحرب العبثية على الناس كل الناس في العيد الأول للحرب حضرته بالخرطوم برفقة اسرتي كاملة اما العيد الثاني فقد حضرته بنصف اسرتي في الجزيرة مع امي وشقيقتي وأبنائها اما العيد الثالث فقد امضيته في الجزيرة أيضا لكن بمنطقة اخري حيث اضطرتني ظروف الحرب لاستبدال مهنتي بدلا عن مهنة الصحافة والبحث عن المتاعب الي مزارع وكما قال
الشاعر محمد طه القدال
بقول غنوات .. بقول غنوات
فى البلد البسير جنياتها لقدام ..
وفى الولد البسل ضرعاتو فى العرضة ويطير فى الدارة صقرية ..ولو السمحة تلت إيد و مدت جيد تقوم شايلاه هاشمية
يشيل شبال ختة ريد .. وفرحة عيد .. و غيمة روح .. وحمرة عين و ايدية
وفى الولد البشيل مدقاقو قولة خير على القمرة
يقابل الجاية متحزم ويقابل الجاية متلزم سلام فاسك على أرضك يبقى عديلة يا بيضاء
ويبقى زفاف غنت ليه قمرية
يا قمحاتنا هو لبلب
يا تمراتنا هو لبلب
و يا اللوز الفتق فى الوادى هو لبلب ويا سمحاتنا يا قمحاتنا هو لبلب ..شليل فوق التقانت قام خضار و بلاد
شليل مشوار.. شليل مسدار
شليلنا أرضنا يا جنيات
شليل ما راح .. شليل ما فات
مزارع بات على عشقين تراب بلدو وسماح فوق بت مزارعية.
اما العيد الاخير فقد حضرته خارج السودان.
حكاية تلك الاعياد..
في العيد الأول كانت أصوات الرصاص والدانات ليلا ونهارا والطائرات تلقى بحممها على الأبرياء والقناصة باسلحتهم في البنايات العالية والشوارع تضج بالارتكازات ونقاط التفتيش والمعارك العنيفة تدور بهدف الاستيلاء على منطقة عسكرية او سكنية اما أفراد طرفا الحرب
كل في منطقة سيطرته فقد انخرطوا في قتل عشوائي للمدنيين واعتقالات طالت أبرياء ونهب للمنازل والممتلكات هذه الوضعية فرضت فوضى وحالات نهب واسعة للمصانع والأسواق والمحلات التجارية فارضة لغة السلاح ولغة الغاب محل القانون. وسادت لغة القوة والعنف والترهيب، والتهجير القسري، لسكان الخرطوم أفراد وجماعات هاربين من لعلعلة الرصاص ودوي المدافع وبراميل الطائرات التي حصدت ارواح عزيزة. وبعد اقل من شهر لبداية الحرب تفرقت الاسر و تُمزقت العلاقات الاجتماعية، وتُقطعت أوصال العاصمة وتوطن الموت والرعب في احيائها ، في ظل انقطاع للكهرباء والماء و الخدمات العامة والمرافق والمؤسسات، والمستشفيات ومع انهيار البنى التحتية وخراب المباني وتحطيم الجسور والكباري ، وتفحم السيارات والمجنزرات العسكرية بالطرقات وألسنت الدخان وزخات الرصاص تركت آثارها في البنايات الخرصانية العالية هذه الصور تعكس حجم الدمار بالعاصمة ويلخص الشاعر
امرؤ القيس حال بيوت العاصمة بقوله..
يا دار جئتك والأحباب قد رحلوا
فلا جليس و لا صوت و لا مقل
أمشي وأسأل والجدران تسمعني
وهل يجيب إذا ناديته الطلل
يا راحلين وفي عيني منزلهم
لا لن تغيبوا إلى أن يحضر الأجل
مواسم السعد جفت بعد غيبتهم
فهل تعيش قلوب هدها الوجل
يا من رحلتم ولم ترحل مودتكم
ما زال يسكن في أعماقنا الأمل
العيد في الجزيرة..
وبعد شهرين من الحرب وتحديدا في يونيو ٢٠٢٣م غادرت برفقة اسرتي الخرطوم الي ولاية الجزيرة التي استقبلتنا كما استقبلت غيرنا من الفارين من جحيم الحرب متقاسمين مع أهلنا الطعام والشراب والعلاج وفي الطريق إلى الجزيرة كانت ارتكازات الدعم السريع تتفرس وجوه الناس ومطالبتهم بإبراز هويتهم ذات الحال عندما تصل ارتكازات الجيش هناك التفتيش الدقيق للحقائب والممتلكات التي تصادر بعضها بحجة عدم وجود فاتورة شراء. لكن في ديسمبر الماضي عقب دخول قوات الدعم السريع الي ولايه الجزيرة عاد كابوس الحرب و الموت مرة أخرى لكنه كان جماعيا في كل من التكينة والولي والحوش والشيخ تاي الله ود النورة والمعيلق وقرية ٢٣ بدر والحرقة و الحصاحيصا وسرحان ومدني جاءت قوات الدعم السريع حامله رصاص الموت انقضوا علي القري الامنه كوحوش ضاربة يمزقون الصمت بأصوات الرصاص وصراخ الضحايا لا يفرق رصاصهم بين صغير أو كبير رجل أو امرأة طفل كان ام عجوز حينها سألت دماء الأبرياء علي ارض المحنة كانهار من الحزن تروي عطش الجزيرة من دموع المظلومين حتى تحولت طرقات قرى ومدن شيخ المشاريع الزراعية الي مسرح للدماء والموت و قبور جماعيه
فحتى حواشاتهم فقد نهبت محاصيلهم وكذلك ممتلكات سنين الغربة
مجالس تلك القري تتحدث يوميا عن مهاجمة قرية ما ومطالبة أهلها بسداد مبالغ مالية خرافية.
تسببت هذه الوضعية القاسية في حالات نزوح جماعية وفردية من قري ومدن الجزيرة والعكس هذه الوضعية نردد كما قال الشاعر محمد الحسن سالم حميد..
ست الدار بت أحمد كيفك
جاني جوابك مفتوح شارع
جاني جوابك وأنا بتذكر في ناس راشد والتومات
في الشتلات والحالة عموم
ناس حلتنا التحت .. الفوق
الليهم الله وعيشة السوق
عموما ان بلادنا مثخنة بجراح الحروب اللعينة لسنوات طويلة، ولم (تأخذ) بلادنا نفسا عميقا لكي تستريح من تلك الفظائع والمرارات الناجمة من اهوال حروبها الدامية في جنوب السودان قبل انفصاله حتي تندلع حرباً اخري في دارفور ومن ثم جنوب كردفان والنيل الازرق والشرق هذه الحروب لاتكاد تنتهي حتي تنفجر مرة اخري مثل حرب ١٥ أبريل العبثية
هذه الحروب دفعت شاعر الشعب محجوب شريف قبل رحيله الفاجع للقول (ميري ذكيرينا عشة ذكرينا كل سونكي يبقي مسطرينة) هذا ما مقاله المحجوب الشريف في فظائع حرب الجنوب داعيا للتخلي عن الحرب والعودة إلى المحبة والسلام.
حكاية العيد الرابع..
اليوم اطل علينا عيد الأضحى المبارك الذي يعتبر العيد الرابع على هذه الحرب اللعينة فقد حضرته وانا خارج السودان فقد جاء العيد كبقية الايام حاملا معه غصة اللجوء والتشرد عن الديار والمنازل، وتهديدات الحرب ولعلعة رصاصها اما الحال في مدن بلدان اللجوء والتشرد تكاد لا تلامس اي
مظاهر للعيد، فلا تغيير طارئا يشير إلى قدومه ولا دخان للشيه او رائحة الشيه والمرارة والشربوت .وفي معايدتي مع اهلي وأصدقائ قال لي بعضهم
إن العيد لا طعم له ولن يحل عليهم إلا بالعودة إلى منازلهم وقراهم، ونهاية رحلة النزوح والألم المستمرة منذ أكثر من عام وبالرغم من محاولتهم التحامل على آلامهم لإدخال قليل من البهجة على الأطفال، فإنهم لم يقدروا على تقديم ملابس جديدة أو ألعاب لهم، جراء فقر الحال وضيق ذات اليد وغلاء المعيشة ومضى بعضهم للقول ان العيد صار عبء كثير عليهم في ظل هذه الظروف التي فرضت عليهم بسبب الحرب وانهم لايستطيعوا سداد المصاريف المعيشية
الجدير بالذكر أن غالبية سكان ولايتي الجزيرة والخرطوم من العمال والموظفين وأصحاب المهن الهامشية
في الختام نردد مع الشاعر
محمد الحسن سالم حميد
أدعياءُ الحرب كالحرب تماما
أولياءُ السلم لا خوفٌ
عليهم لا حزَنْ
وإذا مرّوا بهم
قالوا سلاما
وإذا غُمَّ بهم
نادوا وطنْ.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.