السودان: استمرار الصراع – قراءة في السيناريوهات المحتملة

بقلم✍️🏽 / عمار نجم الدين

 

 

بعد مرور 18 شهراً من النزاع المسلح في السودان، يواجه المشهد السياسي والأمني مزيدًا من التعقيد، حيث تتداخل الحسابات العسكرية مع الانقسامات الداخلية، وسط إخفاق الجهود الدبلوماسية الدولية في تحقيق اختراق ملموس. عشية جلسة مجلس الأمن المرتقبة في 28 أكتوبر، تبرز تساؤلات عميقة حول مسارات الصراع وإمكانية التوصل إلى حلول مستدامة في ظل حرب استنزاف مدمرة.

 

التصعيد العسكري: إعادة توزيع مواقع أم طريق بلا أفق؟

 

من الواضح أن انحسار موسم الأمطار قد أتاح فرصة جديدة للأطراف المتحاربة لتكثيف عملياتها العسكرية. ففي دارفور و ايضا مناطق اخرى مرشحة للتصعيد ، صعّدت قوات الدعم السريع عملياتها في مدينة الفاشر، بينما ردت القوات المسلحة السودانية بتوسيع نطاق هجماتها الجوية على المناطق الخاضعة لسيطرة الدعم السريع في الخرطوم. هذا التصعيد لا يعكس فقط ديناميكيات عسكرية بحتة، بل يؤشر إلى فشل الوساطات السابقة وغياب أي التزام حقيقي بوقف إطلاق النار.

 

الهجمات الانتقامية، مثل العملية التي شهدتها شرق الجزيرة بعد انشقاق قائد من قوات الدعم السريع والتحاقه بالجيش، تظهر أيضًا عمق الانقسام الداخلي. هذا النوع من التحركات يعزز احتمال أن يتحول الصراع إلى مواجهات أكثر انقسامًا بين المكونات المتحاربة بمارفيها أطراف الجيش السوداني و المليشيات التابعة له ، مما يضع البلاد أمام حرب طويلة الأمد دون أفق سياسي واضح.

في خضم هذه الحرب، تتفاقم الأزمة الإنسانية بوتيرة مقلقة. الملايين من السودانيين يواجهون انعدام الأمن الغذائي في مناطق الحرب بين الطرفين و مناطق الحركة الشعبية لتحرير السودان / شمال في جبال النوبة و النيل الأزرق ، في حين أن العمليات الإنسانية تواجه عراقيل متعددة. وعلى الرغم من بعض التحركات الإيجابية، مثل فتح معبر “أدري” الحدودي بين السودان وتشاد، إلا أن العقبات الإدارية واللوجستية لا تزال تعرقل وصول الإغاثة إلى المناطق المنكوبة.

 

الأمم المتحدة تجد نفسها في مأزق معقد؛ فهي من جهة ملزمة بتقديم الدعم الإنساني، ومن جهة أخرى عاجزة عن فرض آلية فعالة لضمان وصول المساعدات بسبب القيود المفروضة على الأرض. هذه المعوقات تعكس هشاشة الوضع الأمني وغياب الثقة بين الأطراف المتحاربة، مما يزيد من احتمالية انهيار البنية الإنسانية بالكامل في حال استمر التصعيد العسكري.

 

الجهود الدبلوماسية: ضغوط دولية في بيئة متفجرة

 

في الجلسة المقبلة لمجلس الأمن، من المتوقع أن يضغط المجتمع الدولي من أجل وقف فوري للأعمال العدائية، لكن هذا المسار يبدو محفوفًا بالتحديات. الأمم المتحدة تسعى إلى تعزيز المساعي الدبلوماسية عبر رؤساء الدول والاتحاد الأفريقي، لكن غياب الثقة بين الأطراف السودانية يعقّد هذه الجهود.

 

كما أن الانقسام داخل مجلس الأمن نفسه يعكس صعوبة اتخاذ مواقف موحدة. الخلاف بين روسيا وفرنسا حول صياغة النصوص المتعلقة بإيصال المساعدات يكشف عن تباين في أولويات الدول الكبرى، مما يضعف تأثير الضغوط الدولية على الأطراف المتحاربة. وبدون توافق دولي قوي، قد يستمر الصراع لفترة أطول، مع ما يحمله ذلك من تداعيات على استقرار المنطقة بأسرها.

 

السيناريوهات المحتملة: ما الذي ينتظر السودان؟

 

بناءً على القراءة الحالية للمشهد، يمكن تصور عدة سيناريوهات لما قد يحدث في السودان خلال الأشهر المقبلة:

 

1. تصعيد مفتوح وحرب استنزاف طويلة: إذا استمر الجمود السياسي وفشلت الجهود الدبلوماسية، فإن الصراع سيتحول إلى حرب استنزاف طويلة تستنزف قدرات الأطراف المتحاربة. هذا السيناريو سيؤدي إلى مزيد من انهيار الدولة وتفكك المؤسسات، مما يهدد بتمدد الفوضى إلى دول الجوار.

2. توافق جزئي وهدنة مؤقتة: من الممكن أن تنجح الضغوط الدولية في فرض وقف إطلاق نار مؤقت، لكنه سيظل هشًا، حيث ستستمر المواجهات على الجبهات المختلفة بسبب غياب الثقة وافتقار أي طرف إلى تفوق حاسم. في هذا السيناريو، قد يتأجل الصراع دون حل جذري للأسباب العميقة التي تغذيه.

3. دخول أطراف إقليمية ودولية في الوساطة: قد يشهد المشهد السوداني انخراطًا أكبر من دول الجوار أو الاتحاد الأفريقي في جهود الوساطة. لكن نجاح هذه الجهود مرهون بقدرتها على إقناع الأطراف المتحاربة بآليات رقابة فعالة والتزام جاد بوقف إطلاق النار.

4. تصاعد الأوضاع الإنسانية إلى حد الكارثة: في حال استمرار العوائق أمام وصول المساعدات، فإن السودان قد يواجه كارثة إنسانية شاملة. هذا السيناريو قد يدفع المجتمع الدولي إلى تدخلات أكثر صرامة، مثل فرض عقوبات أو التفكير في إنشاء بعثات حماية إنسانية بقيادة أممية أو إقليمية.

 

الخاتمة: هل يفلت السودان من الفوضى؟

 

يبدو أن السودان يقف عند مفترق طرق مصيري، حيث تتشابك المصالح السياسية والعسكرية في صراع معقد يستنزف الجميع. الجلسة المقبلة لمجلس الأمن قد تفتح بابًا لإحياء المسار الدبلوماسي، لكنها أيضًا تحمل مخاطر تكريس الانقسام الدولي حول الأزمة.

 

في نهاية المطاف، إذا لم تتغير الحسابات الحالية للأطراف المتحاربة، وإذا لم يتحرك المجتمع الدولي بفعالية أكبر، فإن السودان قد يظل عالقًا في دائرة الفوضى لسنوات قادمة. والنتيجة الحتمية ستكون مزيدًا من المعاناة للمدنيين واستمرار نزيف الدولة السودانية، مع امتداد آثار الصراع إلى خارج حدودها، مما يهدد استقرار المنطقة بأكملها.

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.