السلام الذي نريد في القرن الإفريقي
بقلم / أبي احمد - رئيس وزراء إثيوبيا.
افضت عملية إنقاذ القانون التي قامت بها الحكومة الفيدرالية الإثيوبية إلى تحرير شعب تجراي من عقود من الحكم السيئ من قبل “جبهة تجراي”.. كما افضت إلى إشعال آمال جديدة و مخاوف، بشأن مستقبل إثيوبيا ودورها في القرن الأفريقي والمنطقة بأسرها
تنبع الآمال من التخلص – و إلى الأبد- من الفاسدين والديكتاتوريين من “جبهة تجراي”، و يمكن للأثيوبيين الآن تخيل مستقبل لا يقوم على الشوفينية العرقية ، بل على الوحدة والمساواة والحرية والديمقراطية ، كما تم الآن، التغلب على مصدر الانقسام العرقي الذي أدى إلى تسميم العلاقات بين الدول في جميع أنحاء القرن الأفريقي.
لكن لا يمكنني أن أنكر أن إزالة “جبهة تجراي” قد أجج عدم الارتياح لدى المجتمع الدولي، و زادت المخاوف بشأن الفرز العرقي في إقليم تجراي، والعقبات التي تعترض الإغاثة الإنسانية
حكومتي مصممة على معالجة وتبديد هذه المخاوف.. لذا ، واستعارة لمقولة توماس جيفرسون “الاحترام اللائق لآراء البشرية” يجبرني على توضيح سبب تصرف حكومتي لاستعادة السلام في تجراي ، وكيف نخفف المعاناة هناك ، ولماذا على المجتمع الدولي دعم جهودنا – كما آمل- لان ذلك سيعود بالفائدة على جميع أبناء بلدي ، بما في ذلك سكان تجراي وفي جميع أنحاء القرن العظيم.
لا يمكن لأي حكومة أن تتسامح مع تعرض جنودها والمدنيين الأبرياء لكمين وقتل العشرات ، كما حدث على يد “جبهة تجراي” نوفمبر الماضي.. إن واجبي الأساسي كرئيس للوزراء وقائد عام للقوات المسلحة الوطنية ، قبل كل شيء ، هو حماية إثيوبيا وشعبها من اعداء الداخل والخارج
هدفت عملياتنا في تجراي لاستعادة السلام والنظام بسرعة. و لقد نجحنا في ذلك ، لكن المعاناة والوفيات التي حدثت على الرغم من بذلنا قصارى جهدنا.. سببت الكثير من الضيق بالنسبة لي شخصيًا وكذلك لجميع محبي السلام.. هنا وفي الخارج.
إن إنهاء المعاناة في تجراي وفي جميع أنحاء البلاد هو الآن أولويتي القصوى، لهذا السبب أناشد الأمم المتحدة ووكالات الإغاثة الدولية للعمل مع حكومتي حتى نتمكن معًا ، من تقديم الإغاثة الفعالة لجميع الذين يحتاجون إليها في تجراي.
تزامنا مع ذلك، نعمل ليل نهار على إيصال الإمدادات اللازمة لمواطنينا في تجراي وللمحتاجين في الأقاليم المجاورة ، وكذلك لضمان احترام حقوق الإنسان واستعادة الحياة الطبيعية.
لتحقيق النجاح ، يجب التغلب على العديد من التحديات. على سبيل المثال ، فإن إعادة ربط خطوط الاتصال التي دمرتها “جبهة تجراي” عمدا، تختبر قدرتنا على توصيل المساعدات الإنسانية في عملية إعادة الإعمار و يمكن للمجتمع الدولي أن يقدم مساعدة كبيرة
حكومتي مستعدة أيضًا لمساعدة قادة المجتمع في تجراي الذين يكرسون جهودهم للسلام، و في الواقع ، نحن بالفعل نتواصل معهم
لقد فهم المجتمع الدولي حقيقة “جبهة تجراي” وقد أدان الكثيرون العنف العرقي.. لكن للأسف ، كان البعض على استعداد لغض الطرف عن التعذيب والاختفاء والقتل خارج نطاق القانون والتي مارسته “جبهة تجراي”.. بحجة انه و بدونها ستواجه إثيوبيا خطر الانقسام مثل يوغوسلافيا في التسعينيات
بل ذهب البعض بافكاره بعيدا بان إثيوبيا ستنهار، وهو من شأنه أن يؤدي إلى الفوضى في جميع أنحاء القرن الأفريقي.
تخبرنا الفطرة السليمة أن النظام القائم على الانقسام العرقي لا يمكن أن يستمر .. ولكن كما يقول المثل ، فإن الفطرة السليمة ليست قاعدة عامة.. يمكن للمجتمعات البشرية أن تتعايش مع العنف العنصري والعرقي والديني.. لكن لفترة ليست طويلة
في السنوات الخمس التي سبقت انتخابي في أبريل 2018 ، تضاعفت المظاهرات الشعبية ضد “جبهة تجراي” والتي ردت بوحشيتها المعتادة على هذا الحراك الشعبي.. هذا هو الحراك الذي نقل البلاد في اتجاه جديد وشامل
كانت السياسة الإقليمية لجبهة تجراي امتداداً فجاً لاستراتيجيتها المحلية القائمة على مبدأ “فرّق تسد” فعلى سبيل المثال ، تبنت جبهة تجراي سياسة الإقصاء تجاه إريتريا ، وشنت ضدها حروبًا بالوكالة من الأراضي السيادية للدول المجاورة – غير المستقرة- مما أدى إلى ترسيخ هشاشتها
ستدافع إثيوبيا الخالية من جبهة تجراي، عن السلام والتنمية الشاملة
داخليا ، سوف تقوم “إثيوبيا الجديدة” على المساواة بين جميع المجموعات المكونة العرقية ، بما في ذلك شعب تجراي
خارجياً ، سنتصرف بطريقة تؤكد بأن مصالحنا الوطنية مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بمصالح جيراننا
اتفاق السلام الموقع مع إرتريا في 2018 هو مثال حي لما تستطيع إثيوبيا أن تفعله وترغب فيه
حلت تلك الاتفاقية جمودًا عنيفًا دام عقدين من الزمن ، وسمحت لإرتريا بإعادة الاندماج داخل القرن الأفريقي والمجتمع العالمي. والأهم من ذلك ، أن مواطنيها ومن يعيشون على طول الحدود في بلدي يمكنهم العيش بدون شبح الحرب الذي ظل يخيم عليهم لعقود
سعت حكومتي أيضًا إلى إعادة ضبط علاقات إثيوبيا مع جيرانها بعد الأزمة السياسية في السودان في عام 2019 ، لعبت إثيوبيا دورًا أساسيًا في انتشال هذا البلد من حافة الحرب الأهلية ، وساعد في إنشاء حكومة انتقالية من المدنيين وممثلي الجيش
وبالمثل ، فإن دور إثيوبيا في تحقيق الاستقرار في الصومال لا مثيل له ، وجهودنا لتحقيق الاستقرار في جنوب السودان مستمرة.
تستند السياسة الخارجية الحالية لإثيوبيا على الايمان بأن التكامل الإقليمي الوثيق يعود بالفائدة على الجميع.
جهودنا لتفعيل منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية جزء أساسي من هذا.
بشكل ملموس أكثر ، قبل بضعة أسابيع فقط ، افتتحنا طريقًا يربط بين أديس أبابا ونيروبي ومومباسا ، وهو مشروع يزيل الحواجز المادية أمام التجارة عبر الحدود بين كينيا وإثيوبيا.
وبالمثل ، يتم إعادة تأهيل الطريق من أديس أبابا إلى ميناء عصب الإرتري كشريان نقل للتجارة الدولية.
و بالشراكة مع القطاع الخاص ، يتم التخطيط لطرق سريعة جديدة لربط إثيوبيا بموانئ جيبوتي وعصب، والتي سيتم ربطها بعد ذلك بجوبا ، عاصمة جنوب السودان باعتباره ،بلد غير ساحلي
كما يتم تطوير مشاريع مشتركة في الموانئ والخدمات اللوجستية والمجمعات الصناعية
وآمل بشدة أن يكتسب سد النهضة الإثيوبي ، عند اكتماله ، دعم جميع جيراننا وأن يوفر فرصًا غير مسبوقة للجميع في شرق إفريقيا.
وحدها إثيوبيا التي تعيش في سلام مع حكومة ملتزمة بمعايير السلوك الإنساني ، يمكنها أن تلعب دورًا بناء في جميع أنحاء القرن الأفريقي و المنطقة باسرها
نحن مصممون على العمل مع جيراننا والمجتمع الدولي للوفاء بهذا العهد .. (انتهى)
نقلا عن موقع “سنديكيت”