السكرتير العام للحركة الشعبية و رئيس وفدها المفاوض القائد عمار آمون فى حوار حول قضايا التفاوض و الراهن السياسى مع الموقع الإلكترونى الرسمي من مدينة كاودا – الأراضى المحررة
⭕#هناك تعثر كبير فى عملية الإنتقال السياسى و الذى يسير ببطء و سلحفائية شديدة.
⭕#عناصر الدولة العميقة ما زالت نشطة و ممسكة بِمفاصل الدولة و تديرها من خلف الكواليس.
⭕#بدلا من الإعتماد على القروض من البنك الدولى و الإرتهان لسياسات صندوق النقد الدولى، على الحكومة الإنتقالية الإعتماد على نفسها و البحث عن حلول جذرية للأزمة الإقتصادية.
⭕#الحركة الشعبية كتنظيم سياسى تسعى لبناء تحالف عريض مع قوى التغيير الحية.
⭕#حكومات الخرطوم لديها سجل سيئ و حافل بنقض العهود و المواثيق و عدم إحترام الإتفاقيات.
⭕#المبادئ فوق الدستورية وصفة علاجية ناجعة لِمعالجة أمراض السودان القديم و هى من بنات أفكار الحركة الشعبية.
⭕#إصلاح القطاع الأمنى ضرورة إقتضاها تعدد الجيوش و المليشيات خارج المنظومة العسكرية و الأمنية.
حاوره: أنس آدم
تصوير: عامر توتو
بعد موافقته على إجراء هذا الحوار النادر و الأول من نوعه مع الموقع الإلكترونى الرسمى، ذهبنا إليه حسب الموعد المضروب و إلتقيناه فى مكتبه برئاسة السكرتارية العامة من كاودا بالأراضى المحررة فى أجواء خريفية. إستغرق الحوار نحو ساعة أجاب فيها القائد عمار آمون دلدوم على الأسئلة المطروحة، فإلى مضابط الحوار:
⭕ فى البدء لك التحية، و مرحب بك فى الموقع الرسمى و سعداء أن نلتقى بكم لإجراء هذا الحوار فى مكتبكم بمقر السكرتارية العامة للحركة الشعبية بمدينة كاودا، بداية أرجو أن تعرف نفسك لقراء و متابعة الموقع.
مرحبا بكم، و لا يفوتنى أن أشكر طاقم الموقع الإلكترونى على إستضافتى فى هذا الحوار. أنا عمار أمون دلدوم – السكرتير العام للحركة الشعبية و رئيس وفد التفاوض.
⭕ بداية، كيف تقرأ المشهد السياسى فى السُودان فى ظل التعثر الشاخِص فى عملية الإنتقال؟
فى الحقيقة هنالك تعثر كبير فى عملية الإنتقال السياسى و الذى يسير ببطء و سلحفائية شديدة و من المُلاحظ أن حكومة الثورة نفسها تعانى من تشوهات كبيرة ألقت بظلالها على عملية الإنتقال و التحول الديمقراطى لدرجة عطلت شعارات الثورة حرية – سلام – و عدالة. بل باتت هناك إنتقادات و إتهامات من الشارع السودانى طالت الحكومة الإنتقالية بأن عناصر الدولة العميقة ما زالت نشطة و ممسكة بمفاصل الدولة و تديرها من خلف الكواليس. فالتغيير الجذرى و المنشود لم يحدث حتى الآن، و يتمظهر ذلك فى تدهور الوضع المعيشى و شبح الإنهيار الإقتصادى، وكذلك فى التفلتات الأمنية التى يعيشها المواطن بشكل يومى فى مختلف مُدن و ولايات السودان. أضف إلى ذلك فشل الحكومة فى تنفيذ إتفاق سلام جوبا على علاته و قصوره.
⭕ تشهد البلاد تدهوراً إقتصادياً ملحوظاً و غلاء طاحن أفضى إلى غليان الشارع، فى تقديركم ما هى الأسباب التى تقف خلف الأزمة الإقتصادية فى السودان على الرغم من رفع إسمه من قائمة الدول الراعية للإرهاب و فك الحصار الإقتصادى و قرارات مؤتمر باريس الأخير؟
إن رفع إسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب و فك الحصار الإقتصادى لن يقود تلقائياً إلى الخروج من الأزمة الإقتصادية الماثلة، و بالتالى جلب الرخاء أو إنعاش الإقتصاد السودانى كما تزعم الحكومة الإنتقالية، أو كما يتصور البعض أن الأمر كذلك. بل هنالك عوامل داخلية رئيسية تلعب دورا محوريا فى إنهاء الأزمة الإقتصادية، أولاً، لابد من تحقيق السلام و إستتباب الأمن كشرط أساسى لحدوث الإستقرار السياسى. ثانياً، كذلك لابد من زيادة الإنتاج و الإنتاجية، و هذا كله لم يحدث. فبدلاً من الإعتماد على القروض من البنك الدولى و الإرتهان لسياسات صندوق النقد الدولى، على الحكومة الإعتماد على نفسها و البحث عن حلول جذرية للأزمة الإقتصادية. نحن من وجهة نظرنا نرى أن الحل يكمن فى الداخل أولاً و أخيراً و ليس فى الإعتماد على الخارج فى معالجة الأزمة الإقتصادية. إن الحكومة الإنتقالية تقع على عاتقها مسئولية توفير الأمن الغذائى و حل الضائقة المعيشية التى يعيشها المواطن البسيط.
⭕ من المُلاحظ أن الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال قد قامت بتوقيع عدة إعلانات سياسية مع عدد من القوى السياسية و النقابية و منظمات المجتمع المدنى، هل لك أن تُحدثنا عن مغزى و أهمية تلك الإعلانات السياسية؟ هل يعنى ذلك أن هناك فرز و إصطفاف سياسى جديد، و هل تسعى الحركة الشعبية لبناء و قيادة تحالف سياسى جديد، أم يقتصر الأمر على دعم موقفكم التفاوضى؟
الحركة الشعبية كتنظيم سياسى تسعى لبناء تحالف عريض مع قوى التغيير الحية من مختلف قطاعات و مكونات الشعب السودانى التى تتقارب معها فى الرؤى و الأطروحات و تشاطرها الأهداف و المواقف. فقد تمكنت الحركة الشعبية من توقيع إعلانات سياسية غاية فى الأهمية مع أكثر من 16 من القوى السياسية و المدنية و النقابية و منظمات المجتمع المدنى و نسعى لعمل تحالفات تصب فى إتجاه بناء كتلة – قاعدة عريضة من قوى السودان الجديد تُشكل منصة تأسيس لبناء السودان الجديد. و نحن في طريقنا لبلورة أو الإتفاق حول ميثاق يُشكل أساس لمشروع وطنى يهدف إلى إعادة هيكلة و بناء الدولة السودانية. لقد فشل الآباء المؤسسون فى مهام البناء الوطنى، أو بالأحرى فشلوا فى خلق و بلورة مشروع وطنى يشكل منصة تأسيس للدولة السودانية، كما فشلوا فى الإجابة على الأسئلة الدستورية التى ظلت عالقة منذ العام 1956. و ما حدث هو أن النُخب فى المركز و التى ورثت الحكم من المستعمر عملت على تكريس الهيمنة و إحتكار السلطة. فكان همهم الأكبر الإنفراد بحكم السودان و إبعاد الأغلبية المهمشة من المشاركة فى السُلطة و الثروة. لذلك يمكننا أن نقول أن الحكومات التى تعاقبت على الحكم فى الخرطوم فلشت فى الإجابة على سؤال كيف يُحكم السودان؟ و الكثير من أمهات القضايا كسؤال الهوية الوطنية، طبيعة الدولة، علاقة الدين بالدولة، قضايا الأرض…الخ. كل هذه القضايا المصيرية ظلت عالقة منذ ما يسمى بإستقلال السودان.
⭕ إنطلقت جولة المفاوضات الأخيرة بين الحكومة الإنتقالية و الحركة الشعبية وسط تكتم إعلامى غير مسبوق و تفاجأ الجميع بإعلان الوساطة رفع الجولة دون التوصل إلى إتفاق حول مسودة الإتفاق الإطارى، أرجو أن تُطلع قُراء و متابعى الموقع كيف سارت الجولة الأخيرة من المفاوضات و إلى ماذا إنتهت؟
جولة المفاوضات الماضية إلى حد ما سارت بصورة معقولة و قطعنا شوطاً مقدرا فى العديد من القضايا، و قد أشرنا إلى ذلك فى البيان المشترك فى ختام الجولة الماضية. لقد إتفقنا على الكثير من القضايا المطروحة فى مسودة الإتفاق الإطارى، و لدينا الأمل بأن تتواصل النقاشات بذات الروح التى إستمرت منذ بداية جولة المفاوضات فى 27 مايو الماضى. الحركة الشعبية من جانبها لديها الإرادة السياسية فى التوصل إلى إتفاق سلام، و نأمل أن تتوفر ذات الإرادة فى جانب وفد الحكومة الإنتقالية. أما فيما يتعلق بالتكتم و سرية المفاوضات فهذا النهج يمكن أن يساعد فى سير العملية التفاوضية بصورة سلسلة. لكن عند تسريب النقاشات التى تتم داخل التفاوض و يتم تداولها في المنابر العامة و تأويلها فى الوسائط الإعلامية بصورة قد تؤثر سلبا على سير المفاوضات و تعيق تقدمها. الحركة الشعبية من جانبها إلتزمت الصمت بناءا على طلب الوساطة من الأطراف عدم اللجوء إلى وسائل الإعلام إلا فى ما ترى الوساطة إمكانية نشره أو بثه، و ذلك لتهيئة المناخ و الحفاظ على سير و تقدم العملية السلمية. و من هنا أود أن أُطمئن الشعب السودانى بأننا فى فترة قصيرة إستطعنا إنجاز الكثير قياسا بالمفاوضات السابقة مع نظام البشير البائد.
⭕ هنالك أصوات تتهم الحركة الشعبية بالتنصل من إتفاق إعلان المبادئ من خلال محاولة طرح العلمانية و تقرير المصير فى الإتفاق الإطارى، ما ردكم على هذا الإتهام؟
الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال، تؤكد إلتزامها بإتفاق إعلان المبادئ ولم تتنصل منه. فالحركة الشعبية لم تتنصل فى تاريخها من أى إتفاق. بالعكس، الحكومات فى الخرطوم لديها سجل سيئ و حافل بنقض العهود و المواثيق و عدم إحترام الإتفاقيات و هذا ما ذكره مولانا أبيل ألير فى كتابه السودان – نقض العهود و المواثيق. فقد وقعت حكومات الخرطوم منذ ما يُسمى بالإستقلال أكثر من 44 إتفاقية تنصلت منها جميعاً. لكن الحركة الشعبية تاريخها ناصع فيما يتعلق بالإلتزام بالإتفاقيات و تنفيذها و ليس لديها سوابق فى نقض العهود، لذلك الحركة الشعبية تؤكد مجدداً إلتزامها بإتفاق إعلان المبادئ. من ناحية أخرى نحن طرحنا مبدأ العلمانية و ليس هناك فرق بين العلمانية و فصل الدين عن الدولة- فالدولة التى تُفصل فيها الدين عن الدولة هى دولة علمانية. و ما يثير الدهشة و الإستغراب أن الحكومة الإنتقالية وافقت على فصل الدين عن الدولة و هى تفسير لمعنى العلمانية، و لكنها فى الوقت ذاته ترفض الكلمة الأصل – العلمانية. فالحركة الشعبية ترى أن الدولة الوطنية الحديثة هى دولة علمانية فى طبيعتها حيث يتم فيها الفصل التام بين الدين و الدولة.
⭕ تابعنا الحملة الإعلامية المكثفة و المنظمة و التى تُصور للرأى العام أن الحركة الشعبية تسعى لِمحاربة الإسلام و إلغاء شعيرة الذكاة و شعيرة صلاة الجمعة، فضلاً عن المطالبة بإلغاء البسملة و الإصرار على الأربعاء كعُطلة رسمية بدلاً عن الجمعة، ما ردكم على ذلك؟
هذه الحملة لا تعدو كونها محاولة لتضليل الرأى العام و تغبيش وعى الجماهير. كما أنها تأتى فى سياق سعى القوى المعادية للسلام و قوى الثورة المضادة لعرقلة جهود تحقيق السلام و تشويه صورة الحركة الشعبية. لكن مؤكد أن شيطنة الحركة الشعبية بهذه الممارسات التضليلية و اللا أخلاقية من تجار الدين و أئمة الضلال هو رهان خاسر و محاولة يائسة فى ظل تنامى الوعى السياسى وسط الشعوب السودانية. الحركة الشعبية كتنظيم سياسى يوجد بداخلها أعضاء متدينون كُثر من مختلف الأديان و المعتقدات – مسلمون، مسيحيون و أصحاب كريم المعتقدات الإفريقية Traditional African beliefs….إلخ. و جميعهم يمارسون معتقداتهم و طقوسهم و شعائرهم الدينية بحرية تامة. الحركة الشعبية لم و لن تسعى لمنع صلاة الجمعة و شعيرة الذكاة كما تروج القوى المعادية للسلام. نحن ملتزمون بإعمال و تطبيق مبدأ فصل الدين عن الدولة و إلغاء القوانين ذات المرجعية الدينية المتفق عليه فى إعلان المبادئ، و على الطرف الآخر الإلتزام بذلك أيضا و الكف عن مقاومة و عرقلة تطبيقه. الحركة طرحت مبدأ فصل الدين عن الدولة بإعتبار الدين شأن خاص، أى أنه علاقة بين الإنسان و ربه. و الدولة لا تملك الحق فى التدخل فى الشأن الخاص، أى الدين. الديانات عندما نزلت، نزلت على الشعوب وليست على الدول، و الذين سوف يُحاسبون فيما بعد هم الأفراد و ليس الدول أيضاً، لذلك ذكرنا فى مسودة الإتفاق الإطارى أن المكاتبات الرسمية للدولة يجب أن لا تحمل أيا من الرموز الدينية، و ذلك إعمالاً و تطبيقاً لمبدأ فصل الدين عن الدولة الذى إتفقنا عليه مع الحكومة الإنتقالية فى إعلان المبادئ. أما الذين يصرون على أن يكون يوم الجمعة عطلة رسمية فهم يفتقدون حتى للسند و الدليل الدينى. لست بصدد الخوض فى سجال أو مناظرة دينية، لكن نحن لدينا دليل من القرآن الكريم نفسه بأن يوم الجمعة ليس يوماً للعُطلة. فقد قال تعالى فى سورة الجمعة (الآيتين ٩ – ١٠): (يا أيها الذين آمنوا إذا نودى للصلاة من يوم الجمعة فأسعوا إلى ذكر الله و ذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون* فإذا قضيت الصلاة فإنتشروا فى الأرض و أبتغوا من فضل الله….إلخ الآية)، إذاً عدم العمل يوم الجمعة بحكم هذه الآية مكروه، بل على المسلمين أن يعودوا لمزاولة أعمالهم بعد قضاء فريضة الجمعة.
⭕ طرحت الحركة الشعبية حزمة المبادئ فوق الدستورية فى مسودة الإتفاق الإطارى، أرجو تقديم إضاءات للقُراء و المتابعين حول مفهوم المبادئ فوق الدستورية و لِماذا الإصرار عليها؟
هنالك تجارب كثيرة مماثلة لِتجربة السودان، حيث الحروب الطاحنة و قهر و إضطهاد الدولة لشعوبها … الخ، لكن إستطاعت هذه الدول وضع مبادئ فوق دستورية أسهمت فى طي صفحة الحروب و تحقيق الإستقرار الدستورى و السياسى و معالجة الإختلالات الإجتماعية و الإقتصادية. فبالتالى المبادئ فوق الدستورية ليست فكرة جديدة. لكن فى السودان تعتبر الحركة الشعبية لتحرير السودان- شمال هى أول من طرحت فكرة المبادئ فوق الدستورية لوضع حد للحروب و الإنقلابات العسكرية و تحقيق الإستقرار الدستورى. فالمبادئ فوق الدستورية هى مبادئ ثابته و محصنة ضد الإلغاء أو التعديل و تعتبر قواعد مؤسسة للدستور الدائم. الحركة الشعبية قامت بتقديم حُزمة المبادئ فوق الدستورية كضرورة تاريخية أملتها طبيعة الدولة القديمة القائمة على مشروعية العنف و الغلبة و فرض الهوية الأحادية الإقصائية و الوحدة القسرية. و لأن الحركة الشعبية حادبة على وحدة ما تبقى من السودان و تحقيق السلام و الإستقرار الدستورى، طرحت المبادئ فوق الدستورية للإهتداء بها فى عملية صناعة الدستور. هذه المبادئ يجب إحترامها و عدم خرقها، و إلا ستكون وحدة البلاد فى مهب الريح، و يكون مصيرها مزيداً من الإنقسام و التشظى و ربما التلاشى فى أى وقت. يتعين أن التعلم من تجربة إنفصال جنوب السودان بسبب إصرار نخب المركز على فرض الدين و العروبة كمحدد للهوية الرسمية للدولة. فالهوية المفروضة لا تمت لواقع التعدد و التنوع الذى تذخر به الدولة السودانية بصلة. المبادئ فوق الدستورية وصفة علاجية ناجعة لمعالجة أمراض السودان القديم و هى من بنات أفكار الحركة الشعبية.
⭕ ما هى آليات صناعة الدستور الدائم التى تراها الحركة الشعبية، و لماذا ترفضون فكرة المؤتمر الدستورى؟
أولاً، الحركة الشعبية ترى ضرورة أن يكون منبر التفاوض أحد آليات صناعة الدستور. الشاهد أن معظم الدساتير السودانية ظلت تحركها و تصنعها منابر التفاوض. ثانياً، هنالك قوى سياسية ظلت تنادى و تتحدث مراراً و تكراراً عن المؤتمر الدستورى و هو منبر تجتمع فيه القوى و الأحزاب السياسية لإيجاد حلول للقضايا المصيرية و وضع مبادئ للدستور حسبما تزعم هذه القوى، مستندين فى ذلك على الأغلبية الميكانيكية. لكن الحركة الشعبية من جانبها ترى أن هذه الطريقة فى حد ذاتها مُخلة بالنهج و الممارسة الديمقراطية الرشيدة. خاصة فى ظل و جود أكثر من 140 حزب و تنظيم سياسى مُسجل رسمياً. أغلب هذه التنظيمات عبارة عن واجهات للجبهة الإسلامية القومية و النظام البائد و تجمعها ثوابت وطنية قائمة على الآيديولوجيا الإسلاموعروبية. أضف إلى ذلك أن الديمقراطية لا تمنح الأغلبية حق التغول أو إلغاء و إنتهاك حقوق الأقلية، فلا يمكن أن تخضع الحقوق الطبيعية و الحريات الأساسية لمعايير الأغلبية. فمثلاً حق الحياة لا يمكن التصويت عليه أو عقد مؤتمر دستورى لحسم مسألة بقاء جماعة بعينها على قيد الحياة. فمثل هذه الحقوق الطبيعية غير قابلة للنقاش و التصويت أصلاً، بالعكس ينبغى على الدولة الإعتراف بها و حمايتها و الدفاع عنها بموجب القانون و الدستور. حتى و لو كان هناك فرد واحد فى المجتمع دينه و هويته و لغته مختلفة تماماً. لذلك رأينا أهمية تكوين مفوضية مُتفق عليها من الجانبين و أطراف أخرى. هذه المفوضية تضع مسودة الدستور الدائم و تقوم بمراجعة دستورية شاملة. يجب أن تعرض مسودة الدستور الدائم للشعوب السُّودانية للإستفتاء عليه فى إستفتاء شعبى مباشر، و بالتالى نكون قد أشركنا هذه الشعوب بكل مكوناتها و قطاعاتها فى عملية صناعة الدستور و ممارسة حقها الديمقراطى بدلا من إجازة الدستور بطريقة نخبوية و صفوية ضيقة عبر البرلمان. نحن نثق فى وعى و إرادة الشعب السودانى، كما نثق أنه ليس مع الدولة الدينية التى تفرق بين المواطنين على أساس الدين و تهدد وحدة البلد، و نعلم دون مُزايدة ماذا يريد هذا الشعب المُعلم و المُلِهم، و سنقبل برأيه و قراره أيا كانت نتيجة الإستفتاء الشعبى على الدستور.
⭕ لِماذا المطالبة بالمشورة الشعبية مرة أخرى بالرغم من فشلها فى حل مشكلة الإقليمين وتسببها فى إندلاع الحرب مجدداً؟
المشورة الشعبية لم تفشل فى الإقليمين، فالنظام البائد لم يُتح الفُرصة لشعبى الإقليمين لِممارستها أصلا. بل قامت بقطع الطريق أمام ممارستها و ذلك بشن الحرب العنصرية على شعبى الإقليمين فى العام 2011 . و بالرغم من أن المشورة الشعبية حق قانونى و دستورى مكتسب بموجب إتفاق السلام الشامل CPA إلا أن الحكومة لم تتح الفرصة فى ذلك الوقت للممارسة الطبيعية و السلسلة للمشورة الشعبية فى إقليمى الفونج و جبال النوبة. و عند إستقلال جنوب السودان، أعلنت الحكومة رسمياً بأن قوات الجيش الشعبى فى الإقليمين يجب أن تسلم سلاحها أو تنسحب جنوبا خلال 72 ساعة، و إلا سيتم تجريدها من السلاح بالقوة. ما نود أن نؤكده هو أن المشورة الشعبية حق دستورى و سياسى لا يقود إلى حق تقرير مصير خارجى كما تدعي و تروّج الحكومة الإنتقالية، فهى حق تقرير مصير داخلى فى إطار الدولة الواحدة، و ذلك لإتاحة الفرصة لشعبى الإقليمين لتحديد مستقبلهما السياسى و الإدارى و تصحيح العلاقة مع المركز فى إطار السودان الموحد. ففى أى إتفاق سلام قد يتم التوصل عليه، يجب أن يُعرض هذا الإتفاق على شعبى الإقليمين لكى يعبروا عن آرائهما حول هذا الإتفاق، خاصة و أن شعبى الإقليمين قد تعرضا لمعاناة إمتدت لسنوات طويلة بسبب الحرب الأهلية التى فرضتها حكومات الخرطوم حتى قضت على الأخضر و اليابس. فلا يمكن لحكومة جاءت عبر ثورة شعبية أن تلغى المشورة الشعبية التى كانت مكتسبة أصلاً و لم تمارس للأسباب سالفة الذكر. لقد آن الأوان لشعبى الإقليمين لممارسة المشورة الشعبية كحق ديمقراطى و سياسى و دستورى دون تدخل أو عرقلة من السُلطة المركزية. و لكن نريد للمشورة الشعبية هذه المرة أن تُمارس بآلية و ضمانات مختلفة إذ تتمثل الآلية فى الإستفتاء الشعبى و بضمانات إقليمية و دولية.
⭕ لماذا الإصرار على إصلاح القطاع الأمنى قبل تنفيذ الترتيبات الأمنية؟
إصلاح القطاع الأمنى ضرورة إقتضاها تعدد الجيوش و المليشيات خارج المنظومة العسكرية و الأمنية. كما أن هذه الجيوش و المليشيات لا تسيطر عليها الحكومة الإنتقالية و مكونها العسكرى. و النتيجة أنها تسببت فى التفلتات الأمنية التى تشهدها البلاد. فقد قامت هذه المليشيات بإرتكاب جرائم بشعه و إنتهاكات و اسعة النطاق فى دارفور (قريضة، مرشينج، نيرتتى، حجير تونجو، كريندنق، و فتا برنو… الخ) و فى شرق السودان تسببت فى التفلتات الأمنية فى القضارف و كسلا و بورتسودان. و كذلك فى كردفان. كل هذه الأحداث و التفلتات الأمنية دليل على أن الحكومة الإنتقالية عاجزة عن توفير الأمن و حماية مواطنيها خاصة من تلك الجيوش و المليشيات التى صنعتها إستخبارات القوات المسلحة و جهاز الأمن. الحركة الشعبية تسعى لتحقيق إتفاق سلام عادل و مستدام يطوى صفحة الحروب مرة واحدة و إلى الأبد. إتفاق يلبى آمال و تطلعات الشعوب السودانية، و ليس إتفاق محاصصات يفضى إلى تقسيم الوظائف و كراسى السُلطة و يسكت عن الحقوق و القضايا المصيرية محل التفاوض. نسعى إلى تحقيق سلام يحقق الإستقرار السياسى الإقتصادى و الإجتماعى. هناك مطلوبات ضرورية لإصلاح القطاع الأمنى على الحكومة الإنتقالية القيام بها قبل التفكير فى تنفيذ الترتيبات الأمنية. هذه المطلوبات تتمثل فى حسم وضعية المليشيات التى خرجت من رحم جهاز أمن و إستخبارات الحكومة نفسها وتقوم بإرتكاب الفظائع و الإنتهاكات ضد الشعوب السُّودانية. إذا كانت الحكومة الإنتقالية جادة و لديها الإرادة السياسية لإيقاف الحرب و تحقيق السلام العادل، عليها أن توفق أوضاع هذه المليشيات أو بحلها و تسريحهها أو دمجها فى القوات المسلحة و القوات النظامية الأخرى و فى مقدمتها قوات الدعم السريع و مليشيات الدفاع الشعبى كخطوة ضرورية لإصلاح القطاع الأمنى. هذا ما قلناه و كررناه و سنكرره الآن و غداً. إن الحركة الشعبية كما إتفقت مع الحكومة الإنتقالية فى إعلان المبادئ المادة (3) ستدمج قوات الجيش الشعبى تدريجياً فى جيش وطنى واحد وليست جيوش متعددة إلى حين تطبيق و تضمين مبدأ فصل الدين عن الدولة فى الدستور الدائم. ينبغى على الحكومة أن تبدأ فى دمج ما لديها من قوات فى الخرطوم و المناطق التى تسيطر عليها بما فى ذلك قوات إتفاق سلام جوبا – الجبهة الثورية. هذه مطلوبات يجب أن تنفذها الحكومة الإنتقالية قبل التفكير فى دمج قوات الجيش الشعبى.
⭕ علمنا أن وفد الحركة الشعبية المفاوض قد غادر إلى كاودا لحضور إنعقاد مجلس التحرير القومى، أرجو أن تحدثنا عن ما دار هناك، و ما هى أهم مخرجات دورة الإنعقاد الإستثنائية للمجلس خاصة فيما يتعلق بالمفاوضات؟
شعب جبال النوبة و شعب الفونج فى السودان الجديد (الأراضى المُحررة) ظلوا مترقبين و متابعين بإهتمام كبير ما يدور فى أروقة المفاوضات و يتساءلون هل وفد الحركة الشعبية المفاوض متمسك بالمبادئ والموجهات التى سلمناها لهم، أم هناك تنازلات حدثت من الوفد دون الرجوع إلى المؤسسات القاعدية؟ لكن عندما وصلنا إلى الأراضى المحررة وحضرنا دورة إنعقاد المجلس الإستثنائية – أوضحنا لِمجلس التحرير القومى من خلال التنوير الشامل و المفصل الذي قدمناه حول سير المفاوضات بالتركيز على مسودة الإتفاق الإطارى و أداء وفد التفاوض، فضلا عن القضايا المتفق عليها و أبرز نقاط الخلاف و التى ما زال النقاش حولها مستمراً. و قد أشار البيان الختامى للمجلس إلى القرارات و الموجهات التى أصدرها المجلس فيما يتصل بالمفاوضات. فقد تم إعطاء الوفد المفاوض التفويض الكامل من مجلس التحرير القومى فيما يتعلق بالمفاوضات. كما وجه المجلس وفد التفاوض بالتمسك بكل الخيارات المطروحة فى مسودة الإتفاق الإطارى، و كذلك إكتسب الوفد دعم و ثقة جديدة من قواعد الحركة الشعبية. و فى ذات المنحى وصل وفد رفيع المستوى من المبعوثين الدوليين و ممثل الأمين العام للأمم المتحدة و رئيس البعثة الأممية للسلام فى السودان (يونيتامس) إلى كاودا. و فى جلسة خاصة و مطولة خاطبوا المجلس و تأكدوا من خلال إستماعهم لآراء و أصوات أعضاء المجلس بأن المواقف المطروحة على طاولة المفاوضات تُمثل قواعد و مؤسسات الحركة الشعبية. هذا بالطبع يشكل دافعا كبيرا للوفد المفاوض، خاصة و أن هؤلاء المبعوثين الدوليين لهم حضور كبير فى منبر التفاوض كمراقبين دوليين. الحركة الشعبية قدمت الكثير من التنازلات إسهاما منها فى تقدم و نجاح العملية السلمية و ليس لديها ما تتنازل عنه مرة أخرى فى طاولة المفاوضات.
⭕ ماذا تعنى لكم زيارة وفد المبعوثين الدوليين و رئيس بعثة الأمم المتحدة للسلام فى السودان (يونيتامس) إلى كاودا بمعية المنظمات الدولية و الوكالات التابعة للأمم المتحدة من حيث التوقيت، و ما هى أهداف الزيارة و أهم النتائج المتوقعة؟
زيارة وفد رفيع المستوى من المبعوثين الدوليين (دول الترويكا) و ممثل الأمين العام للأمم المتحدة و رئيس البعثة الأممية للسلام فى السودان (يونيتامس) للمناطق المحررة، تعُد زيارة تاريخية، كما أنًها تؤكد إعتراف المجتمع الدولى بالحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال كمنظومة ثورية و سياسية تناضل من أجل أهداف مشروعة. و الزيارة دليل آخر على أن الحركة الشعبية قوة رئيسية و لاعب أساسى فى المسرح السياسى السودانى لا يمكن تجاوزه. ونحن نتوقع من المجتمع الدولى أن يتفهم موقفنا التفاوضى المطروح على طاولة المفاوضات، و أيضاً نتوقع منه قيادة حراك دبلوماسى واسع و القيام بإجراء المشاورات و الإتصالات مع أصدقائهم لدعم جهود تحقيق السلام فى السودان. و كذلك الإتصال مع الحكومة الإنتقالية كما فعلت مع قيادات و مؤسسات الحركة الشعبية أثناء و جودهم فى كاودا.
⭕ أخيراً، متى ستعودون إلى طاولة التفاوض، و هل أنتم متفائلون بقرب التوصل إلى إتفاق سلام مع الحكومة الإنتقالية؟
نعم، نحن متفائلون إلى حد ما بالتوصل إلى إتفاق سلام فى نهاية المطاف و إن طال الإنتظار، و كذلك جاهزون للعودة إلى طاولة التفاوض و دفع العملية السلمية إلى الأمام و حسم النقاط محل الخلاف. أما مسألة العودة فهذا الأمر متروك للوساطة لأنها الجهة التى تحدد موعد بداية الجولة القادمة.
⭕ هل من رسالة أخيرة؟
فى ختام حديثى أود أن أقدم صوت شكر و إمتنان لشعب و حكومة جنوب السودان خاصة فخامة الرئيس سلفا كير ميار ديت رئيس دولة جنوب السودان على إهتمامه الكبير بالعملية السلمية و رعايته للمفاوضات. فقد كان حضوره ملموساً بصورة دائمة من خلال تقديم كل المعينات و التسهيلات و أيضاً تقديم المقترحات من وقت لآخر للمضى قدماً فى تحقيق السلام فى السودان والذى سينعكس إيجاباً على الإستقرار و السلام فى الدولتين.
Well done comrade..Your answers are relevant and politically correct
,I would like to bring to your knowledge