السر العجمي المحامي يكتب: العدالة الانتقالية (7 )
سابعا: اليات العدالة الانتقالية
splmn.net
بقلم السر العجمي الماحي
سابعا: اليات العدالة الانتقالية
اولا: الاليات القضائية
المحاكمات الجنائية(Criminal Prosecutions)
تسعى الية المحاكمات الجنائية الى محاكمة المسؤولين عن ارتكاب الجرائم وخاصة الجرائم المتعلقة بالانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي لحقوق الانسان والقانون الدولي الإنساني, على ان يتم اجراء تلك المحاكمات وفقا للمعايير الدولية للمحاكمات العادلة حتى يتسنى لها اكتساب المصداقية والشرعية اللازمة لا داء مهمتها أيا ما كانت هوية المتهمين, وفى الاغلب الاعم تمارس حكومات الدول المعنية الاختصاص القضائي بشان تلك المحاكمات, خاصة اذا ما تضمنت التشريعات الوطنية لتلك الدول مواد تطابق فى مضمونها مع القوانين الدولية المتعلقة بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان, وفى حال عدم توافر ذلك او عدم توافر القدرات والامكانيات اللازمة لعمل تلك المحاكمات يحق لتلك الدول طلب المساعدة من المجتمع الدولي , ويحدث ذلك غالبا عندما تكون تلك الدول خارجه من سنوات طويلة من الصراع المسلح والقمع والاستبداد ومن ثم تكون غير قادرة على اجراءات محاكمات عادلة او ربما تكون غير راغبة في ذلك, حيث تبدا في هذه الحالة المحاكم الجنائية الدولية المتخصصة المؤقتة او الدائمة او المختلطة في ممارسة الاختصاص القضائي الخاص بتلك المحاكمات.[1]
وقد بدء المجتمع الدولي في الاتجاه الى الية المحاكمات الجنائية الدولية بعدما ثبت ضعف المحاكمات المحلية في سياق العدالة الانتقالية , بل وفشلها في بعض الاحيان, حيث وجد ان المنظومة القضائية للدول التي تمر بفترة انتقالية غالبا ما تكون اما منظومة يتفشى فيها الفساد او منظومة ضعيفة ماديا وفنيا, خاصة وان الدول التي تمر بفترة انتقالية غالبا ما تفتقر الى الموارد والامكانيات والكفاءات التي يمكنها اجراء محاكمات عادلة وفقا للمعايير الدولية.[2]
ثانيا: الاليات غير القضائية
1- اولا: لجان الحقيقة والمصالحة
تعد لجان الحقيقة والمصالحة بمثابة الالية الاكثر انتشارا واستخداما من اليات العدالة الانتقالية, وهى عبارة عن هيئات غير قضائية او شبه قضائية يتم تشكيلها وفقا لاتفاق او قانون وتكون مهمتها الاساسية الكشف عن حقيقة الانتهاكات والجرائم التي ارتكبت في الماضي بحق الضحايا اثناء الفترة الانتقالية سواء تم ارتكاب تلك الجرائم والانتهاكات من قبل القوات الحكومية او المعارضة او من قبل المسؤولين السياسيين او العسكريين وذلك بهدف الكشف عن الحقيقة وتوثيقها والوقوف على الاسباب الرئيسية التي ادت لارتكاب تلك الانتهاكات والجرائم, وكذلك الاسباب الرئيسية التي ادت الى نشوب الصراع فى حالة الصراعات المسلحة والحروب الاهلية, وذلك بغية التعامل مع ارث الماضي من الانتهاكات والجرائم حتى تتوفر القدرة على المضي قدما في عملية بناء السلام وتعزيز المصالحة الوطنية, وتتمثل الانشطة الرئيسية للجان الحقيقة والمصالحة في تنظيم جلسات للاستماع لكل من الضحايا والجناة, وغالبا ما يتم منح الجناة المشاركين في تلك الجلسات نوعا من الحصانة ثم تقوم اللجنة بإصدار تقرير نهائي يتضمن كافة ما توصلت اليه من نتائج وحقائق, وما تراه من توصيات يمكن من خلالها ضمان عدم تكرار ما حدث مرة اخرى.[3]
وعلى الرغم من وجود طابع فريد تتميز به كل لجنه عن مثيلاتها نتيجة للخصوصية التي تتمتع بها كل دولة من الدول المعنية , ولاختلاف الخبرات والظروف المحيطة بكل منها, الا ان هناك عدد من السمات المشتركة التي تتميز بها غالبية لجان الحقيقة والمصالحة, فجميع لجان تقصى الحقائق التي تم تشكيلها تتمثل مهمتها الاساسية في التعامل مع جرائم وانتهاكات الماضي دون التركيز على واقعة بعينها. فهي تسعى لرسم صورة كاملة للانتهاكات الجسيمة التي ارتكبت خلال فترة زمنية محددة, كما ان لجان تقصى الحقائق هي هيئات مؤقته وليست دائمة. فغالبا ما يتم وضع اطار زمنى محدد مسبقا لعملها ينتهى بتقديم اللجنة لتقريرها النهائي, وفضلا عما سبق يتم في اغلب الاحيان اسناد بعض السلطات لتلك الجان ليكون لديها قدرة اكبر على الوصول الى المعلومات التي تحتاجها, وتوفير الحماية والحصانة اللازمة لأعضائها حتى يتسنى لهم العمل بحرية ودون الوقوع تحت أي ضغوط او تهديدات.
ثانيا: تخليد الذكرى وجبر الضرر(Remembrance & Reparations)
تأتى الية تخليد الذكرى وجبر الضرر لتعبر عن الاعتراف الرسمي للحكومات بالأضرار التي تكبدتها الضحايا اتخاذ الاجراءات اللازمة لمعالجة اثار تلك الاضرار, حيث تضمن تلك الاجراءات التعويض المادي والمعنوي, وتقديم الرعايا الصحية والدعم النفسي للضحايا, وكذلك الخدمات التعليمية, واعادة الاملاك المسلوبة الى اصحابها او تعويضهم عن فقدانها , فضلا عن تقديم الاعتذارات الرسمية وبناء المتاحف والنصب التذكارية, وتخصيص ايام محددة لا حياء الذكرى مع التعهد الدائم من قبل الحكومات بعدم تكرار ما حدث في الماضي من انتهاكات, وقد اثبتت التجارب ان برامج جبر الضرر الاكثر نجاحا هي تلك البرامج التي يتم وضعها بمشاركة الجماعات التي تعرضت للأضرار والانتهاكات , حيث تعبر تلك البرامج في هذه الحالة عن الخدمات التي يحتاج الضحايا لتوفيرها بالفعل تعويضا عما لحق بهم من اضرار, وهو ما من شانه جعل الضحايا يشعرون بانه قد تم انصافهم وفقا لمنظورهم الشخصي, مما له اثره في تعزيز الامن والاستقرار والمصالحة في المجتمعات التي تمر بمرحلة انتقالية.[4]
ثالثا: المشاورات الوطنية والاصلاح المؤسسي:
1- المشاورات الوطنية (National Consultations):
تركز العدالة الانتقالية على مجموعة من البرامج التي تضمن مشاركة جميع فئات واطياف المجتمع, حيث تقاس مدى ملائمة بر امج العدالة الانتقالية للمجتمعات التي تطبق بها من خلال قياس نسبة المشاركة العامة في تنفيذ تلك البرامج, ومن ثم تعد المشاورات الوطنية واحدة من الاليات التي تؤثر في صياغة الاستراتيجية الشاملة للعدالة الانتقالية في المجتمعات المختلفة, وتتضمن الية المشاورات الوطنية مشاركة كافة الجماعات المشكلة للمجتمع خاصة الجماعات المستعبدة والاقليات, والجماعات التقليدية, وترتبط درجة تأثير الية المشاورات الوطنية بدرجة الوعى الموجودة لدى افراد المجتمع فيما يتعلق بالمرحلة الانتقالية التي يمر بها المجتمع, وهو ما يتطلب بذل العديد من جهود التوعية التي تتناسب مع كل فئة من الفئات المشكلة للمجتمع بمعنى العدالة الانتقالية واهدافها والياتها.[5]
2-الاصلاح المؤسسي(Institutional Reform)
تعد عملية الاصلاح المؤسسي وعملية اعادة بناء الدولة واحدة من اليات العدالة الانتقالية, خاصة اذا ما كانت تلك المؤسسات تتحمل جزء كبيرا من المسؤولية تجاه تفشى الفساد وانتشار الانتهاكات فى المجتمع , فضلا عن ان غالبية الدول التي تسعى الى تطبيق العدالة الانتقالية تعانى من انهيار مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية, ومن ابرز الخطوات التي يتم من خلالها اصلاح واعادة بناء مؤسسات الدولة هو تفعيل مبدا المساءلة, وسيادة القانون لاستعادة ثقة الشعب بتلك الاجهزة والمؤسسات , لاسيما اجهزة الشرطة والجيش والقضاء وغيرها من مؤسسات واجهزة الدولة.*
—————————————————————–
*حيث يتم ذلك من خلال عزل الموظفين الحكوميين المسؤولين بصفتهم الشخصية عن انتهاكات صارخة لحقوق الانسان من مناصبهم او الامتناع عن تعينهم, وقد يشمل ذلك ايضا حل المؤسسات العسكرية او الشرطية او غير ذلك من المؤسسات الامنية التي قد تكون مسؤولة بصورة منهجية عن انتهاكات حقوق الانسان.
الخاتمة:
لا شك ان الحالة السودانية حالة استثنائية من حيث حجم الانتهاكات والممارسات غير الانسانية , والجرائم التي ارتكبت بحق الشعب السوداني خلال مرحلة حكم نظام الانقاذ. وازداد اكثر خلال مرحلة الثورة وبعد سقوط النظام(مجزرة فض الاعتصام) ولعل هذا يحتاج مقاربة الى حالات شبيهة للوصول الى الية ملائمة للعدالة الانتقالية .
السر العجمي
المحامي
[1] الامم المتحدة, مذكرة توجيهية اعدها الامين العام , نهج الامم المتحدة فى شان العدالة الانتقالية, مرجع سبق ذكره ص11
[2] Oskar N.T. Thom’s, James Ron & Roland Paris, ‘The Effects of Transitional Justice Mechanisms ( Ottawa; Paper Prepared by Centre for International Policy Studies, CIPS WORKHNG Paper, April2008)p22
[3] Eric Brahm, ‘ What is Truth Commission and Why does it Matter’ in peace and conflict Review, (California University for peace publication, Vol.3, issue2, spring 2009)p.4.
[4] الامم, مجلس الامن الدولي , تقرير الامين العام فيما يتعلق بسيادة القانون والعدالة الانتقالية فى مجتمعات الصراع ومجتمعات ما بعد الصراع, مرجع سبق ذكره ص ص12-13
[5] المرجع السابق, ص14
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.