السر العجمي المحامي يكتب :العدالة الانتقالية ( 6)

splmn.net
بقلم السر العجمي المحامي
سادسا: الاشكاليات المتعلقة بتطبيق العدالة الانتقالية:
تعد اشكالية الافلات من العقاب واحدة من ابرز الاشكاليات التي يطرحها تطبيق العدالة الانتقالية, فهي اكثر الاشكاليات التي واجهت الدول تعقيدا اثناء تطبيق العدالة الانتقالية, حيث وجد ان التركيز المفرط على الية العقاب والمحاكمات الجنائية من شانه تهديد امكانية اقامة سلام مستدام , وهو الامر الذى تحتاجه المجتمعات التي تمر بمرحلة انتقالية اكثر من احتياجها لمعاقبة الجناة, وفى ذات الوقت وجد ان تلك المجتمعات  بحاجه الى الوقوف على حقيقة ما حدث في الماضي من انتهاكات والاعتراف بها وتوثيقها رسميا حتى يتسنى لها استعادة كرامة الضحايا والمضي قدما في عملية المصالحة, وحتى تتمكن تلك المجتمعات من تحقيق العدالة والمضي قدما فى طريق الديمقراطية والاستقرار, وهو ما يتطلب ترسيخ ثقافة حقوق الانسان باعتبارها الدعامة الرئيسية لتحقيق الديمقراطية والعدالة.[1]
وعلى الرغم من ذلك, فان تحقيق العدالة في حد ذاتها باعتبارها قيمة مطلقة لن تسمح بالحيدة عن معاقبة الجناة المتورطين في انتهاكات بحق الضحايا وهو ما من شانه التعارض مع السياق الفعلي للإجراءات التي تهدف الى تعزيز الامن والسلم والاستقرار , والتي تقوم على اليات الصفح والنسيان, وهو ما يمكن ان يؤدى الى استخدام تدابير العدالة الانتقالية للإفلات من العقاب, خاصة في ظل عدم وجود صيغة توافقية حتى الان بشان العقوبات الجنائية الواجبة في حال ارتكاب الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان.
ويرتبط تطبيق العدالة الانتقالية في مرحلة التحول الديمقراطي او الانتقال الديمقراطي في اغلب الاحيان بوجود تركة سياسية من المفترض ان يتم تصفيتها, ومن ثم فمن الممكن ان تتحول العدالة الانتقالية الى الية لتصفية الحسابات السياسية , خاصة اذا ما اقترنت بإصرار مرتكبي الانتهاكات من المسؤولين السابقين على الحصول على عفو عام بصدد ما قاموا بارتكابه من انتهاكات بحق الضحايا في الماضى,ومن هنا تبرز اشكالية تصفية الحسابات, فضلا عن اشكالية المفاضلة بين تحقيق العدالة والانتقال الديمقراطية والتي تظهر بشكل واضح عندما ترتبط عملية تصفية التركة السياسية بمنح العفو العام للمسؤولين السابقين, خاصة وانه في كثير من الاحيان يكون العفو العام بمثابة الحافز الوحيد الذى يمكن تقديمه لأولئك المسؤولين لضمان التحول الديمقراطي السلمى, خاصة عندما يكون فى مقدورهم احداث مزيد من العنف والانتهاكات التي تهدد عملية التحول الديمقراطي, وفى نفس الوقت قد يترتب على منح العفو بهذا المنظور افلات المسؤولين السابقين من المسؤولية تجاه ما اقترفوه من اخطاء وهو ما قد يترتب عليه فقدان ثقة الضحايا وعامة الشعب فى المرحلة الانتقالية ككل.[2]
فضلا عما سبق, وعلى الرغم من ان العدالة الانتقالية تنشا فى الاساس للبحث عما نتج عن النزاعات السابقة من انتهاكات لحقوق الانسان الا ان التسويات التي يتم التفاوض بشأنها يمكن ان تقضى فى كثير من الاحيان الى حالة من الاستقرار والسلام, خاصة فى مجتمعات ما بعد الصراع, وهو ما يثير اشكالية المفاضلة بين تحقيق العدالة واقرار السلم فى ظل وجود عدد من جماعات المصالح التي تهدد حالة الاستقرار والسلام, فالصراعات المسلحة لا تتضمن فقط وجود الضحايا والجناة, وانما تتضمن ايضا وجود فئه ثالثة تشارك بشكل غير مباشر ولكنه مؤثر فى تلك الصراعات حيث يكون لها التأثير الاكبر على مسار عملية السلام, وتتمثل هذه الفئة فى المستفيدين من استمرار الصراع وتفشى الفساد السياسي والاقتصادي الذى كان سائدا قبل نشوب الصراع او خلاله.[3]
[1] ان مارى لا روزا” استعراض فاعلية العقوبات لتحقيق احترام افضل للقانون الانسانى” فى المجلة الدولية للصليب الاحمر( ةكامبردج: اصدارات جامعة كامبردج, المجلد90, العدد870, يونيو 2008)صص22-23
[2] درازان دوكيتش, مرجع سابق,ص151
[3] المرجع السابق نفسه, ص29

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.