السر العجمي المحامي يكتب: العدالة الانتقالية (4 )
بقلم السر العجمي المحامي
رابعا: خصائص واهداف العدالة الانتقالية:
1- خصائص العدالة الانتقالية:
تتسم العدالة الانتقالية بتوافر عدد من الخصائص التي تميزها عن غيرها من اشكال العدالة , من ابرزها ان العدالة الانتقالية تركز جل اهتمامها على ارث الماضي من الانتهاكات والجرائم المتعلقة بحقوق الانسان, والتي ارتكبت فى فترة كانت فيها اليات العدالة اما مقيدة او غير موجودة بالأساس كما ان العدالة الانتقالية لا تهدف الى تطبيق العدالة باثر رجعى كما يظن البعض, ولكنها تسعى الى تطبيق العدالة وانفاذ القوانين التي تم تعطيل العمل بها فى الماضي ,وفى اطار ذلك من الضروري ان يكون لدى المجتمعات التي تسعى لتطبيق العدالة الانتقالية ادراك كامل بأهمية تحقيق التوازن المطلوب بين الرغبة فى تحقيق العدالة وبين الحاجة الى السلم والاستقرار والتنمية وسيادة حكم القانون. والعدالة الانتقالية تخضع فى مضمونها لمبدا العدالة الكلية , فالإجراءات والاليات المختلفة المتعلقة بتحقيقها لم توضع حتى تنفذ بمعزل عن بعضها البعض وانما تكون مكملة لبعضها البعض, فالعدالة لا يمكنها الاكتفاء بمجرد انزال العقوبة بالجناة دون محاولة اصلاح سلوكهم, واعادة تأهيلهم ودمجهم فى المجتمع, وتعويض الضحايا واعادة بناء مؤسسات الدولة المنهارة لضمان عدم تكرار ما حدث فى الماضي مرة اخرى , وعلى الرغم من ذلك فلكل مجتمع الحرية فى اختيار نهج العدالة الانتقالية الذى يرغب بتطبيقه وفقا لما يراه مناسبا , فوفقا لمارك فريمان(Mark Freeman) تقاس شرعية اليات العدالة الانتقالية بمدى معارضة او تأييد الضحايا لها, ومدى قدرتهم على المشاركة والمساهمة فى تلك الاليات والافادة منها.[1]
2-اهداف العدالة الانتقالية:
تسعى العدالة الانتقالية في المقام الاول الى التصدي للتحديات التي تواجه المجتمعات في الفترات الانتقالية , خاصة وان غالبية تلك المجتمعات تعانى من انهيار القطاعات الخدمية والمنظومة القضائية , فضلا عن الانقسامات الاجتماعية الخطيرة, وانهيار مؤسسات الدولة والانكماش الاقتصادي, ومن ثم فان العدالة الانتقالية تأتى في هذا الاطار باعتبارها مكملة للعدالة الجنائية فهي تعبر في هذا السياق عن رؤية اكثر عمقا واوسع نطاقا من العدالة الجنائية, فالعدالة الجنائية تهدف بالأساس الى مواجهة الجناة ومعاقبتهم ولاتتخطى ذلك, بينما تسعى العدالة الانتقالية الى تخطى هذه المرحلة والمضي قدما في تعزيز واثراء المصالحة الوطنية , بغية التحول نحو مجتمع اكثر عدلا وانسانية.[2]
وبالإضافة الى ما سبق تسعى العدالة الانتقالية ايضا الى تحقيق عدد اخر من الاهداف الرئيسية والمتمثلة فى استعادة الكرامة الانسانية لضحايا الانتهاكات, وبناء جسور الثقة بين الجماعات المتصارعة وبعضها البعض فى المجتمعات التي تعانى من صراعات داخلية, ودعم عملية تطهير المؤسسات والقضاء على الفساد, وتعزيز عملية المصالحة الوطنية في اطار سيادة القانون حتى لا ينتج عن هذه العملية الوقوع فى اشكاليات الافلات من العقاب سواء بشكل جزئي او كلى وهو الامر الذى يتطلب احداث حالة من التوازن بين اجراءات العدالة الاصلاحية والجزائية حتى تكون العدالة الانتقالية عملية شافية ومؤثرة فى تعزيز المصالحة الوطنية واستقرار المجتمع.
اضافة الى ما سبق , حددت اليزابيث ايفنسون(Elizabeth Even son) من منظور اخر اربعة اهداف رئيسية تسعى العدالة الانتقالية الى تحقيقها بحيث تأتى هذه الاهداف متتابعة يترتب كل منها على ما قبله وتتمثل في المسالة الجنائية الفردية لمرتكبي الانتهاكات الجسيمة بحق الضحايا, ثم انزال العقاب الملائم بالشكل الذى يحقق حالة من الردع ثم الكشف عن الحقيقة كاملة والاعتراف بها وتوثيقها رسميا حتى يتمكن المجتمع من المضي قدما والتعافي من جراح الماضي وهو ما من شانه تعزيز عملية المصالحة الوطنية للوصول الى مجتمع اكثر امنا واستقرارا, كما اكدت “ايفنسون ” على ان هذه الاهداف تختلف من حالة لأخرى ووفقا للخصوصية التي تتمتع بها كل حالة على حده, وفى نفس السياق حددت ميريام وأكرمان(Miriam Ackerman) خمسة اهداف متتالية تسعى العدالة الانتقالية الى تحقيقها تتمثل في تمكين الضحايا من الانتقام ن الجناة من خلال المساءلة الجنائية واصدار الاحكام الملائمة, وهو ما يترتب عليه وجود حالة من الردع في المجتمع, ثم الاتجاه الى مبادرات اعادة تأهيل ودمج للضحايا والجناة على حد سواء في المجتمع يليها عمليات اصلاح وبناء مؤسسات الدولة.[3]
[1] ايريك سوستاس, العدالة الانتقالية والعقوبات, فى المجلة الدولية للصليب الاحمر(كامبردج: اصدارات جامعة كامبردج, المجلد 90, العدد870, يونيو2008),ص89-90
[2] الامم المتحدة, مفوضية الامم المتحدة لحقوق الانسان, ادوات سيادة القانون فى الدول الخارجة من نزاعات: المشاورات الوطنية بشأن العدالة الانتقالية( نيو يوركوجنيف:منشورات الامم المتحدة2009)ص1
[3] Lyn Geaybill &Kimberly Lanegran,’ Truth.justice and Reconciliation in African; Issues and Cases; in African Studies Quarterly.(Florida; theCenter for African Studies at the Universtiy of Florida.vol.8.Issue1,Fall2004)p.3.