الدور الإنساني للحركة الشعبية لتحرير السودان – الشمال في مواجهة الأزمات التاريخية:

خالد كودي

 

تتواصل الحروب الأهلية في السودان، التي بدأت منذ عام 1955، وقد أثرت بشكل كارثي على البلاد لأكثر من ستة عقود، مخلفةً وراءها معاناة هائلة وأزمات إنسانية متعددة الأوجه. على مدار تاريخها الحديث، شهدت البلاد مجاعات وكوارث ذات منشأ بشري، واليوم نجد أنفسنا في خضم واحدة من أشد هذه الكوارث وقعًا، الناتجة عن الصراع المسلح الذي اندلع في 15 مايو 2023 بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني. هذا النزاع تسبب في مقتل الآلاف، تشريد الملايين، وتدمير البنية التحتية الأساسية في أغلب المناطق تحت سيطرة الحكومة.

في ظل هذه الكارثة العارمة، برزت الحركة الشعبية لتحرير السودان – الشمال، بقيادة عبد العزيز ادم الحلو، كقوة فاعلة ومؤثرة، لا في الجانب العسكري فحسب، بل وفي الجانب السياسي والمدني/ الانساني أيضًا. بخلاف الأحزاب الشمالية والجهوية، سواء من اليمين أو اليسار او الوسط، اوالمنظمات المدنية التابعة التي لم تستطع دومًا تشخيص جذور المشكل السوداني بوضوح أو اعتماد حلول جذرية، فإن الحركة الشعبية – شمال اعتمدت نهجًا يهدف إلى تأسيس سودان جديد ديمقراطي، علماني، لامركزي يُدار بواسطة مدنيين، دون أي مناورات سياسية أو تساهل.

واليوم تتفوق الحركة الشعبية مرة اخري باتخاذها موقفًا أخلاقيًا رفيعا من خلال التزامها بالوقوف إلى جانب كل سوداني وسودانية تضرروا من الحرب، مؤكدة على ضرورة وصول المساعدات الإنسانية لكل من يحتاجها بغض النظر عن هويتهم الدينية، الإثنية، الاقتصادية أو الجهوية. الحركة، من خلال تمسكها بتوزيع المساعدات الإنسانية بشكل عادل على كافة المناطق المتأثرة بالحرب في السودان، حتى تلك التي خارج نطاق سيطرتها، لا تؤكد موقفها الأخلاقي والقانوني فحسب، بل تبرز أيضًا رؤيتها لمستقبل السودان كدولة جديدة تقوم على أسس الديمقراطية، العلمانية، واللامركزية، والتي يقودها مدنيون ملتزمون بالعدالة والمساواة لجميع مواطنيها

الالتزام الأخلاقي للحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال

في ظل سياق تاريخي طويل شهد استخدام الحكومات المتعاقبة في السودان الحرب كأداة لقمع مناطق الهامش، ومع سجل الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في استغلال الغذاء والمساعدات الإنسانية كأسلحة في حروبهم، تقف الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال كمدافع صلب عن حقوق الإنسان السوداني، وتعتبر الحركة إيصال المساعدات الإنسانية بشكل عادل ومنصف لكل السودانيين مسؤولية أخلاقية لا يمكن الحياد عنها.

على هذا الأساس، ترفض الحركة المفاوضات التي تقتصر على مناطق محددة، وتعارض بشدة أي محاولات لتجزئة الإغاثة والمساعدات الإنسانية، وبدلاً من ذلك، تؤكد على ضرورة توفير الدعم لجميع المناطق المتأثرة بالنزاع. من خلال هذا الموقف، تعزز الحركة الشعبية دورها كحركة ثورية وطنية قومية ملتزمة بالنضال لأجل رفاهية وعافية جميع المواطنين السودانيين، بغض النظر عن موقعهم الجغرافي أو انتماءاتهم القبلية أو الدينية او السياسية او الاقتصادية او النوعية…

يتماشى موقف الحركة الشعبية لتحرير السودان – الشمال الاخلاقي مع القانون الدولي الإنساني وحماية المدنيين، الذي يُلزم بحماية المدنيين وتوفير المساعدات الإنسانية خلال النزاعات المسلحة، من خلال الآتي:

اتفاقيات جنيف (1949) وبروتوكولاتها الإضافية (1977): هذه الاتفاقيات تضع قواعد شاملة لحماية الأشخاص غير المشاركين في الأعمال العدائية، بما في ذلك المدنيين، وتفرض على أطراف النزاع التزامًا بتسهيل مرور المساعدات الإنسانية بسرعة وبدون عوائق. تنص المادة 3 المشتركة بين الاتفاقيات على “المعاملة الإنسانية لجميع الأشخاص غير المشاركين في الأعمال العدائية”، وتنص البروتوكولات الإضافية، خاصة البروتوكول الأول، المادة 70 والبروتوكول الثاني، المادة 18، على ضرورة توفير الإغاثة الإنسانية للمدنيين بدون تمييز وحماية الأفراد والشحنات الإغاثية

الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948): يؤكد على حق الحياة والأمان ومستوى معيشي كافٍ للفرد في المادة 3 والمادة 25، والتي تنص على حق كل فرد في مستوى معيشي كافٍ يضمن له ولأسرته الصحة والرفاهية، بما في ذلك الطعام والملابس والرعاية الطبية والخدمات الاجتماعية الضرورية

قرارات مجلس الأمن الدولي: مثل قرار مجلس الأمن رقم 2139 (2014) بشأن الوضع في سوريا، الذي يحث جميع أطراف النزاع على احترام القانون الدولي الإنساني، وخاصة الالتزامات المتعلقة بحماية المدنيين والبنية التحتية المدنية والعاملين في المجال الإنساني، وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية السريع وغير المعوق

تأكيد هذه القوانين والاتفاقيات على حماية المدنيين وتوفير المساعدات بطريقة غير متحيزة وشاملة يعكس التزام الحركة الشعبية لتحرير السودان – الشمال كقوي واعية بمبادئ العدالة والإنسانية، ويشدد على أهمية اتباع هذه الأطر القانونية في تعزيز السلام والاستقرار في السودان، وبناء مستقبل يضمن لجميع المواطنين حياة كريمة ومستقرة

موقف الحركة الشعبية في سياق تاريخ السودان

المواقف الأخلاقية والقانونية للحركة الشعبية لتحرير السودان – الشمال تتناقض بوضوح مع السياسات التمييزية والامتيازات غير المتكافئة التي مارستها الحكومات المتعاقبة في الخرطوم عبر التاريخ. لطالما اعتمدت هذه الحكومات على استراتيجيات فرق تسد، مما أدى إلى تعميق الانقسامات الاجتماعية والاقتصادية في البلاد. في المقابل، تقدم الحركة الشعبية نموذجاً للحكم يرتكز على الإنصاف والشمولية، مع الدعوة إلى تبني عقد اجتماعي جديد يكفل نظاماً ديمقراطياً يعزز المساواة ويضمن توزيعاً عادلاً للموارد والفرص بين جميع المواطنين

التزام الحركة بنهج شامل في توزيع المساعدات الإنسانية يُظهر تفانيها في معالجة الأسباب الجذرية للأزمات التي تعصف بالسودان. هذا الالتزام لا يتوافق فقط مع دعوتها للحكم الديمقراطي العادل ولكنه يعكس أيضًا استراتيجية طويلة المدى للنهوض بالبلاد من خلال سياسات تضمن التكافؤ في الحقوق والخدمات لجميع المواطنين دون تمييز.

الحركة الشعبية لتحرير السودان – الشمال تقف بثبات في وجه العقبات لضمان توفير المساعدات الإنسانية بشكل متساوٍ ومستدام، متماشية مع القانون الدولي الإنساني الذي يلزم جميع الأطراف في النزاعات المسلحة بحماية المدنيين وضمان وصول المساعدات إليهم. هذه الالتزامات تعكسها معايير مثل اتفاقيات جنيف والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وكذلك قرارات مجلس الأمن التي تحث جميع الأطراف على احترام القوانين الدولية وتسهيل المهام الإنسانية

من خلال التمسك بمبادئ العدالة لجميع السودانيين، تسعى الحركة الشعبية لإرساء أسس مستقبل أفضل للسودان، مسترشدة بمبادئ الحرية والمساواة والعدالة التي دعا إليها الدكتور جون قرنق مؤسس الحركة، وهذه الأسس تهدف إلى بناء سودان جديد يقوم على أسس ديمقراطية وعلمانية ولامركزية، حيث تكون الحكومة خادمة للشعب، وليس العكس. هذا النموذج يقدم رؤية طموحة لوطن ينعم بالاستقرار والازدهار، حيث يحظى كل مواطن بفرص متساوية للنمو والتقدم دون الخوف من التمييز أو الاقصاء

فمن خلال موقفها الملتزم بتوفير المساعدات الإنسانية دون تمييز والعمل على تعزيز العدالة، تُظهر الحركة الشعبية لتحرير السودان – الشمال أنها ليست فقط في طليعة الكفاح من أجل سودان أفضل، بل هي أيضًا رائدة في الدفاع عن حقوق الإنسان والمبادئ الديمقراطية في سياق إقليمي ودولي معقد.

2024/5/16 بوسطن

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.