الدكتور احمد عثمان معلقاً عن يوم ١٣ ديسمبر …

 

سيروا فالشوارع ملككم و انتصاركم قريب!!!

يا شعبا تسامى يا هذا الهمام

تشق الدنيا يا ما و تطلع من زحامها زي بدر التمام

تدي النخلة طولها و الغابات فصولها و البذرة الغمام

لم يعد الأمر محتاجا إلى تأكيد، أن الشوارع أصبحت مفتوحة على بوابة الثورة  الشاملة و التغيير الجذري، و أن الجماهير  يقينها بأن نصرها قريب. و من كان في شك من ذلك، لينظر إلى هذه الشوارع اليوم في الثالث عشر من ديسمبر ٢٠٢١م، ليعلم مدى تحول الثورة لسلوك يومي قادر على السيادة على شوارعه، و ليشهد مستوى التنظيم العالي و امتداد الحراك إلى كل بقعة في البلاد. فاليوم ابتدرت الحراك فاشر السلطان، و جاوبتها العاصمة القومية خير جواب. فمخزون الجماهير اللامحدود تفجر، و عبر من بحري إلى ام درمان، مكرسا لبادرة تبادل المشاركة بين المدن التي ابتدرتها ام درمان في المليونية السابقة. و منظر ثوار الحاج يوسف و اهازيجهم الجميلة المستجدة و المبتكرة، يمجد تنوع الشعار مع وحدة الهدف. و ثوار الخرطوم من باشدار يتجهون صوب القصر في موكب مهيب.

و الرسالة التي ترسلها هذه المواكب واضحة وجلية، تؤكد أن شعبنا العظيم لن يتراجع و لن يتنازل عن أهدافه، و أنه قادم لتحويل ثورته إلى دولة مدنية، يصنعها تنظيم لجان مقاومته و قوى الشارع الحية.

و على هذه القوى و خصوصا لجان المقاومة التي تمثل عصب قوى الثورة الذي يسعى لاستكمال تنظيمه الجبهوي، التنبه إلى عدم الوقوع في مصيدة تبنى اشكال تنظيمية لا تناسب قاعدية التنظيم و مرونة الحركة اللازمة لقيادة التغيير. و عليها أن تدرك بأن المطلوب هو تكوين جبهة واسعة تقوم على البناء القاعدي المؤسس على تماس مباشر مع الجماهير، يرتقي إلى شكل التنسيقيات التي اوصلتها إلى ما هي عليه الآن، و يستكمل بمركز تنسيقي يمثل كل اللجان في البلاد، دون أن يتحول الى مركز حاكم. فالتحول إلى مركز حاكم فارضا لإرادته، يسهل مهمة الانقضاض عليه على اعداء الثورة ، و يعيق ديمقراطية الحراك، و يفقد القاعدة سلطتها الديمقراطية المؤمنة للحفاظ على جذوة الثورة و جذريتها.

كذلك يجب الإنتباه لدعاوى تحويل لجان المقاومة إلى حزب، توهما أن الفترة الانتقالية فترة ديمقراطية و لا ديمقراطية بدون أحزاب تصل إلى السلطة. فالفترة الإنتقالية فترة غير ديمقراطية و لكنها مدنية، تدير عملية التحول الديموقراطي من الدولة الشمولية إلى الدولة المدنية الديمقراطية، و لا شئ يمنع من أن تصعد إلى سلطتها جبهة واسعة تمثل البني القاعدية لجماهير الحراك، تدعمها الأحزاب في تحالفاتها الفوقية، و تكتفي تلك الأحزاب بتواجد عضويتها بشكل فردي ضمن اللجان و تنظيمات تجمع المهنيين و تنظيمات المجتمع المدني الأخرى. فالتحول إلى حزب – و هي دعوة يطلقها البعض بحسن نية- يؤدي إلى افقاد اللجان شمولية تمثيلها لمواطني أحيائها، و يجبر عضوية الأحزاب على تركها، و يفقدها مرونة اتصالها الأفقي و يخضعها لمركز حاكم، و يفقدها طابعها القاعدي، و يحرم الكثيرين ممن لا يرغبون في الانتماء الحزبي من الانتماء اليها، و يسهل مهمة اختراقها و السيطرة عليها، و يجعلها في سباق مع الأحزاب السياسية و يكسبها عداء الأخيرة، و يحد من فاعليتها بل يفت من عضدها و يخرجها من دائرة الفعل السياسي   في المحصلة النهائية، و يفقد شعبنا فرصة نادرة توفرت لأول مرة، لتسمح له أن يحكم نفسه بنفسه، و أن يحقق قانون الثورة السودانية، و يدفع بالقوة المنجزة للثورة إلى سدة الحكم لتصبح دولة.

و بقدر ما على لجان المقاومة أن تتجنب مثل هذه الدعوات، عليها أن تسعى لاستكمال بناء جبهتها مع تجمع المهنيين غير المختطف، و لجان تسيير النقابات و منظمات المجتمع المدني، مثلما أن عليها ألا تنجر لدعاوى الانتخابات المبكرة التي يسعى الانقلاب إلى استخدامها كمخرج من عزلته و أزمته، و كوسيلة لتكريس سيطرة راس المال الطفيلي، بمباركة دولية سوف تتسع دائرتها بصورة مضطردة، و ستتم محاولة إيهام قوى الثورة الحية بأنها إن تحولت إلى حزب و رضيت بالانتخابات المبكرة سوف تكتسحها.

و بالطبع هذا لن يحدث. فإنتخابات تتم دون إزالة دولة التمكين و تفكيكها، و عودة النازحين و المهجرين إلى اراضيهم و تعداد سكاني صحيح و عدالة انتقالية شاملة و مؤتمر دستوري مؤسس لدستور ديمقراطي و قانون انتخابات ديمقراطي ،  بعيدا عن إشراف سلطة الانقلاب العسكري على الانتخابات، هي انتخابات ستكرس حتما سلطة الرأسمال الطفيلي و الفلول، و تشرعن الانقلاب و من التحقوا به و من هم راغبين في الالتحاق به، و تقود لتصفية الثورة حتما.

وعي قوى الثورة الحية و قدرتها المدهشة على استيعاب و هضم المعادلة السياسية، و رؤيتها الثاقبة التي جعلت من الثورة منهج حياة و جعلتها قادرة على الاستمرار بمخزون جماهيرها المستعدة للتضحية، يؤكد انها قادرة على هزيمة المؤامرات و تجاوز قصر النظر عند توفر حسن النية و تصحيح أخطائها أيضاً، كما يؤكد أن نصرها المؤزر قادم لا ريب فيه.

و قوموا إلى ثورتكم يرحمكم الله!!!

١٣/١٢/٢٠٢١

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.