الخُرُوّج من الذات لمُلاقاة الآخر الحلقة (5)
رِحْلتي مع مَنصُور خَالِدْ:
الحرَكة الشَّعبيَّة، والبَحْثُ عن السَّلام ووحَدَة البِلاد
الواثق كمير
[email protected]
الحلقتان الخامسة والسادسة
منصور في ندوة آمبو!
ذكرتُ في نهاية الحلقة (4)، أنَّ د. منصور قد تعرضَّ إلى موقفين مُحرجين خلال أيام اجتماعات ورشة عمل آمبو، أحدهُما أنه حالما عرض منصور ورقته حول العلاقات الخارجيَّة هاجمه بعُنف ممثلو الحركة الشعبيَّة في الورشة بالتركيز على أنه من سَدَنَة نظام مايو، بعيداً عن مضمون الورقة المُقدَّمة. ولكن، بالطبع لم يكن منصور مرتاحاً لهذه المُفارقة، أن يتعرَّض لهذا الموقف في الندوة من قِبَلَ أعضاءٍ في وفد الحركة وكأنه استنساخٌ لهُجُوم مُماثل شنَّته عليه بعض القيادات النقابيَّة والسياسيَّة في مؤتمر كوكا دام، 20 مارس 1986. فقد اعترض سكرتير التجمُّع النقابي، المهندس عوض الكريم محمَّد أحمد، وتبعه الدكتور ناصر السيد، وعبد الله زكريا على وجود هذا “المايوي” بينهم! ومع ذلك، فالعلاقة بين منصور وبعض القيادات التي أبدت رفضها لمُشاركته في مؤتمر كوكا دام كانت قد تطبَّعت بحُضُور منصور ومشاركته الفاعلة ضمن وفد الحركة في اجتماع متابعة مقرَّرات المُؤتمر، الذي سبقت الإشارة إليه، في أغسطس 1986. سبق الإشارة كذلك إلى أنَّ قرنق كلف دينق ألور بمهمَّة التنسيق معي في الإعداد لورشة آمبو، ولكني شكيتُ إليه من دينق بسبب عدم تركيزه وافتقاده للدقة في المواعيد ممَّا عطَّل التواصُل بيننا. إلا أنه فى أول يناير 1989 أصبح د. لام أكول مدير مكتب التنسيق والعلاقات الخارجية للحركة، فى مهمة التنسيق معى ومجموعة الخرطوم لقيام الندوة. إلتقيت به عدة مرات لإنجاز هذه المهمة وتذليل الصعاب التى كانت تواجه قيام الندوة.
بجانب ما تعرَّضنا له من احتجازٍ واستجوابٍ بعد عودتنا من آمبو للخُرطوم، في 12 فبراير 1989، أثار اللقاء مع الحركة الشعبيَّة استقطابٌ سياسي بين المُؤيدين والمُعارضين لأي اجتماعٍ مع المُتمرِّدين. عبَّر الطرفان عن موقفهما في جلسة الجمعيَّة التأسيسيَّة لمُناقشة خطاب وزير الداخليَّة، السيد مبارك الفاضل المهدي، الذي اتَّهم فيه المُشاركين في آمبو بالخيانة وكشف أسرار القُوَّات المسلحة للعدو. بينما، في ذلك الوقت بدأت الضُغُوط تتزايد على رئيس الوزراء، السيد الصادق المهدي، للقُبُول باتفاق “الميرغني قرنق” في نوفمبر 1988، والذي كان بمثابة نقلة نوعيَّة في مسار العمليَّة السلميَّة واختراق في قضيَّة الدِّين والدولة التي طرحتها الحركة الشعبيَّة، والذي رحَّبت به قطاعاتٌ سياسيَّة ومجتمعيَّة مُقدَّرة. فأعلن رئيس الوُزراء عن قُبُول المُبادرة وتكوين حُكومة “الجبهة الوطنية المتحدة” التي ضمَّت طيفاً عريضاً من القُوى السياسيَّة والنقابيَّة، في 22 مارس 1989. ومن جهةٍ أخرى، رفضت الجبهة الإسلاميَّة القوميَّة اتفاقيَّة السَّلام بذريعة مُعاداتها للوطن وتخليها عن الشريعة الإسلاميَّة. وبذلك، عزلت الجبهة الإسلاميَّة نفسها – ولم يعزلها أحدٌ كما تروِّج بعض قياداتها – عن الحُكومة، وما تحقق خلفها من إجماع، فاختارت الانتقال إلى خانة المُعارضة لثلاثة عشر أسبوعاً فقط، لتستولي بعدها على السُّلطة بمُفردها دون حاجة لحُكومة إئتلافيَّة، في 30 يونيو 1989! في 10 أغسطس، وجَّه جون قرنق، رئيس الحركة والقائد العام للجيش الشعبي، وبعد أقل من شهرين من الانقلاب، خطاباً للشعب السُّوداني وضَّح فيه موقف الحركة من الانقلاب، مع تركه الباب مُوارباً لمفاوضاتٍ جادة مع “حكومة الأمر الواقع”.
ففي أغسطس 1989، وافقت الحركة الشعبيَّة على المُشاركة في محادثات السَّلام التي دعت لها هذه الحُكومة برعاية إثيوبيَّة في أديس أبابا، 19-20 من نفس الشهر. للمُفارقة، شارك د. منصور في تلك المحادثات ضمن وفد الحركة، الذي ترأسه د. لام أكول (بينما كان محمَّد الأمين خليفة رئيساً لوفد الحكومة)، بل وأرسل لي تسجيلات الفيديو للاجتماع عن طريق الصديق الأستاذ فتحي الضَّو، التي سلَّمها لي في دار أساتذة الجامعة. حينئذٍ، كُنتُ السكرتير المالي للهيئة النقابيَّة لأساتذة جامعة الخُرطوم والتي تمَّ حلَّها في أوَّل قرارات المجلس العسكري لانقلاب الإنقاذ، ضمن كُلِّ النقابات المهنيَّة والعُمَّاليَّة. وحقيقة الأمر، أنه في 15 أغسطس 1989 وصل عمر البشير رئيس المجلس العسكري الانقلابي إلى أديس أبابا للمشاركة في مؤتمر القمة الأفريقي، وهي السانحة التي أتاحت أول لقاء بين الحركة الشعبية وانقلابيي الجبهة الإسلامية. كان د. منصور هو مُمثل الحركة في ذلك اللقاء الذي تم ترتيبه في منزل اللواء بابكر نصار، الملحق العسكري لسفارة السودان في إثيوبيا. وقد نبهني الصديق نجيب الخير بأن منصور عمل على كشف “معدن الانقلابيين” بتوجيه أسئلة جوهرية لوفد الحكومة على شاكلة: ما هو موقف الانقلابيين من المؤتمر الدستوري الذي أُقِّرًّ انعقاده في 4 يوليو 1988؟ ومن السلام ودور الحركة الشعبية؟ وما هو موقفهم من قوانين سبتمبر؟ أعانت الإجابات على أسئلة منصور القوى السياسية السودانية والمجتمعين الإقليمي والدولي على الإلمام بهوية الانقلابيين، وهو ما كشف عنه الشيخ حسن الترابي لاحقاً بقولته المشهورة أنه أبلغ البشير صراحة: “أذهب إلى القصر رئيساً وأذهب أنا للسجن حبيساً”.
بعد العودة من إثيوبيا بقليل، عرفتُ من منصور أنه سيكون في الأردن، بنهاية الأسبوع الثالث من مارس 1989، للمُشاركة في ندوة ينظمها “منتدى الفكر العربي” في عمَّان، وأيضاً كان من المدعُوِّين أستاذنا الكبير الرَّاحل محمد عُمَر بشير. أبلغتُهُ بأنه أيضاً قد وصلتني دعوة للندوة من الصديق الدكتور سعدالدين إبراهيم، الأمين العام للمُنتدى في ذلك الوقت، ولكن أمر السَّفر غير مضمون. فبالرغم من أنَّ النائب العام برَّأ ساحة المُشاركين في ورشة آمبو بعد التحقيق، إلا أنَّ أسمائنا ظلت محفوظة في سجلَّات الحظر من السَّفر حتى لجأتُ لوساطة التنفيذيين من المُقرَّبين لرئيس الوزراء (السيد الصَّادق) ليسمح لي بالسَّفر للمُشاركة في المُنتدى، خاصة والإمام نفسه عُضوٌ فيه، وتقديم ورقة بعُنوان: “تجربة التعدُّديَّة في السُّودان”. وللمُفارقة، كان عنوان الندوة: “الدِّيمُقراطيَّة والتعدُّديَّة في الوطن العربي”، ووقتها تيقَّنتُ بأنَّ للأجاويد دورٌ لا يمكن الاستغناء عنه في ديمقراطيَّة السُّودان! وهكذا تمكنتُ من مقابلة منصور مرَّة أخرى بعد آمبو في عمَّان، واتفقنا أن نلتقي مرَّة أخرى في أديس أبابا! وبالفعل سافرتُ إلى هُناك مرَّتين، الأولي كانت في 8 أبريل والثانية في 15 يونيو 1989، التقيتُ خلالهُما د. منصور وتبادلتُ معه الآراء حول الأوضاع السياسيَّة المُضطربة في البلاد. لم يمُرَّ أسبوعان على اللقاء الأخير، حتى انقضَّت الجبهة الإسلاميَّة على الحُكومة المُنتخبة واستولت على السُّلطة بانقلابٍ عسكري في 30 يونيو 1989.
الحلقة (6)
قصة اعتقال بسبب منصور!
في سبتمبر 1989، وقعت حادثة مُبكية ومُضحكة في آنٍ واحد، تسبَّبت فيها علاقتي مع منصور بعد فشل محادثات السَّلام في أديس التي انتهت إلى “الاتفاق على عدم الاتفاق”، ودق حكومة الانقلاب لطُبُول الحرب ضدَّ الحركة والجيش الشعبي. التقى صديقي وابن عمِّي الرَّاحل د. عاطف صغيرون مع د. منصور في لندن، لأوَّل وربما آخر مرَّة، عن طريق أصدقاءٍ مشتركين لهُما، أذكُرُ منهم الأصدقاء إبراهيم الكوباني وخالد كرَّار وإبراهيم عبدالمنعم وأمين النفيدي ومحمَّد الحسن لوممبا. وبعد عودته من لندن، جاءني عاطف في منزلنا بحي باريس، وهو يسكن في نفس الحي، ططططوحدَّثني عن لقائه بمنصور، وسلَّمني وُريْقَة صغيرة بخط يده، علمتُ منه أنه كان يسجِّل فيها ما أراد منصور أن يبعثه لي من رسالة. بعد أن شكرتُهُ، أبلغني أنه سيعود إلى لندن خلال أسبوع إن كان لي ردٌّ يحمله إلى منصور، وبالفعل زُرتُه في أحد الأمسيات بمنزله وأسرَّيتُ له بما رغبتُ في نقله إليه. ولكن، هذا لم يحدُث، إذ تمَّ توقيف عاطف في بوابة المُغادرة ورحلته على وشك الإقلاع، فأعيد له أمتعته ومُنِعَ من السَّفر. عاد إلى منزله “مُؤقتاً” إذ لم يتم اعتقاله في المطار، لكن الطريف في الأمر، أنه قد طُلب منه أن يراجع مكتب الأمن. ذهب طوعاً في اليوم التالي لمكاتب جهاز الأمن ليتحرَّى عن أسباب حرمانه من السَّفر، فأعتُقِلَ ولم يُطلق سراحه إلا بعد 6 أشهر. قضى عاطف تلك المُدَّة في وقتٍ كان يُعاني فيه من الغُضرُوف ويتوكَّأ على عصاة، وهو إنسانٌ لا يعرف “كوعه من بوعه” في شأن السياسة، ولم يكُن له فيها ناقة أو جمل.
تسبَّبت هذه الحادثة في سُخط “أهلي” عليَّ داخل الأسرة عبَّر عنه البعض على شاكلة: “لولا تعرُّف عاطف بمنصور عن طريق الواثق، لما وقع اعتقاله!” لم يُحقق معه إلا ضابط واحد ولفترة قصيرة وجَّه له خلالها ثلاثة أسئلة على شاكلة: “يا بروف، إنت زول ما ساهل، وما دام انت زول سياسي، من الأحسن أن تستفيد الثورة من شخصكم”. كان رد عاطف صادقاً وقاطعاً بأنه لم يعمل طيلة عمره في مجال السياسة، وليس لديه أي علاقة مع الأحزاب السياسيَّة، ولكن يشتغل بالسياسة السُكَّانيَّة. وإضافة إلى أنه كان مدير المجلس القومي للسُكَّان ساعة اعتقاله، وقد كان أصلاً مسافراً إلى كندا، عبر لندن، للمُشاركة في مؤتمر دولي حول السُكَّان.. فكان السؤال الثاني مُتعلقاً بما إذا كان له أعداء في مكان العمل؟ الأمر الذي نفاه عاطف. أمَّا السؤال الثالث، فكان عن علاقته بـ“الدابي”، الذي كان يملك بقالة في مواجهة مبنى المجلس، شارع 47 بالخرطوم 2، وتعرَّف على عاطف وكان يزوره بعض الأحيان.. الدابي سوداني يحمل الجنسيَّة الألمانيَّة وعاد للبلاد بعد غيبة طويلة فاستثمر في هذه البقالة، وكان عاطف يشتري منه البُن، فقد كان عاشقاً للقهوة. فبيت القصيد في قصة اعتقاله أنَّ الدابي كان قد زاره كالعادة في المكتب في صباح يوم سفره، ولكن هذه المرَّة جاء حاملاً لنُسخة من مانيفستو الحركة الشعبيَّة وطلب من عاطف تصويره له، والذي لم يستجب لطلبه! بعد ستة ـأشهر من الاعتقال، تمَّ إطلاق سراحه في منتصف يناير 1990، فأبلغتُ منصور الذي أبدى غضباً شديداً، ولكنه ضحك بعد الإفراج عنه وروايتي له عن “السُّخط الأهليُّ” الذي اشتعل في الأسرة بسببه.
مغادرة البلاد
أبقى المجلس العسكري الانقلابي على كشف الأسماء التي حظرها وزير داخليَّة الحُكومة المُنتخبة بعد المُشاركة في آمبو كما هو في قائمة الحظر، تحت عنوان: “عدلان الحردلو وآخرون”. فعندما قرَّرتُ السفر، في إجازة مع أسرتي، إلى مصر في مايو 1990، رفع وزير الداخليَّة، فيصل على أبو صالح (بواسطة ابن عمه الصديق صلاح حسن أبو صالح)، اسمي من هذه القائمة مُؤقتاً بقرارٍ نصَّ بالحرف: «السماح له بالسَّفر على أن يُعاد إدراج اسمه بالقوائم عقب عودته». وبالطبع، بعد وصولنا إلي القاهرة، نصحني المُريدون والمُحبون أن لا أعود تخوُّفاً من عواقب وخيمة لمثل هذا القرار، وفعلاً لم تطأ قدماي أرض الوطن إلا في أبريل 2005. وبالطبع، ما كُنتُ لأعلم بفحوى قرار رفع الحظر لولا الصَّديق الرَّاحل – الرائد حينئذٍ – عبدالوهاب الجعلي (شقيق الصديق والزميل الرَّاحل د. محمد عثمان الجعلي)، الذي صوَّر لي نسخة منه، حيث كان مديراً لمكتب مدير الجوازات والجنسيَّة والهجرة.
هكذا غادرتُ الخُرطوم في 13 مايو 1990 إلى القاهرة، المدينة التي استضافت كُل أطياف المعارضة السُّودانيَّة، وشَهِدَت توقيع الحركة الشعبيَّة لتحرير السُّودان على ميثاق التجمُّع الوطني الديمُقراطي، بالأحرف الأولى، في 27 مارس. هذا الميثاق كان قد وقعه في 21 أكتوبر 1989 أحد عشر حزباً وثلاثون نقابة مهنيَّة، إلى جانب واحد وخمسين نقابة عُمَّاليَّة، والذي أصبح فيما بعد دُستوراً للتحالُف المُعارض. كان رأي الحركة أنَّ ذلك الميثاق قاصراً في أكثر من جانب، خاصة أنَّ التحليل الشكلي للأزمة قد طغى عليه، وأغفل قوام الأزمة المُتمثل في الاختلالات الهيكيليَّة في الجسم السياسي، ودورُ التهميش الاقتصادي والاجتماعي في تلك الاختلالات التي لم تنتج إلا حرباً. عبَّرت الحركة عن هواجسها وظنونها فيما التقى حوله التجمُّع في مذكرةٍ، أرسلها لي د. منصور في النصف الثاني من فبرير 1990، واشترك د. لام أكول معه في صياغتها. شكَّلت المذكرة أساساً للتفاوُض بين الحركة وقُوى التجمُّع الأخرى حتى تمَّ التوقيع على مُسودَّة الميثاق، كما أشرتُ سابقاً، في نهاية مارس 1990.
هكذا، وصلتُ فوجدتُ نفسي مُنخرطاً في النشاط السياسي للتجمُّع، مُشتركاً في اجتماعاته بغرض مزيدٍ من التفاكُر حول ميثاقه المُوقع وتطويره ليتسق مع التطوُّرات، خاصة في أعقاب انضمام الحركة الشعبيَّة وما طرحته من ملاحظات تستدعي حواراً أعمق. أوَّل اجتماع شاركتُ فيه كان يهدفُ إلى النقاش حول تكوين التجمُّع الوطني الديمُقراطي لجسمٍ تحالُفي استناداً على الميثاق المُوقع. تمَّ ذلك الاجتماع بمنزل المرحوم الأستاذ محمد الحسن عبدالله يسن، وضمَّ: د. أحمد السيد حمد، د. محمود زروق، د. علي أبو سِنْ، والأساتذة مهدي داؤد وحسن أحمد الحسن وصلاح جلال، أستاذ محمَّد وردي، أستاذ فاروق أبوعيسى، وأستاذ بابكر علي بوب (الذي توفاه الله بعد بضعة أيام من ذلك الاجتماع). وعقدنا عدَّة اجتماعاتٍ مماثلة في منزل د. علي أبو سِنْ، إذ اتفقنا أن يكون مكان الاجتماع بالتناوُب بين شقته ومنزل محمَّد الحسن عبدالله يسن.
مكثتُ في القاهرة حوالي الثلاثة أسابيع، لم تنقطع خلالها اللقاءات مع قيادات القوى السياسيَّة والشخصيات الفاعلة من المعارضة التي بدأت في التوافُد إلى مصر منذ مطلع التسعينات. خلال هذه الأسابيع، علمتُ من منصور أنَّ وفد الحركة الذي قام بالتوقيع الأولي على ميثاق التجمُّع، والذي كان يرأسه د. لام أكول وضمَّ بجانبه دينق ألور وياسر عرمان، وَعَدَ الموقعين الآخرين بعقد لقاءٍ لهُم مع رئيس الحركة في أقرب سانحة. وذلك، على خلفيَّة ما لمسه وفد الحركة من توجُّسات ممثلي الاتحادي الدِّيمُقراطي، أحمد السيد حمد ومحمد الحسن عبدالله يسن، من انضمام “تنظيمٍ مسلح” إلى تحالف سياسي. وبالفعل، سافرتُ إلى أديس أبابا في نهاية الأسبوع الأوَّل من يونيو، 1990، بعد نجاح منصور وياسر في ترتيب لقاءٍ مُصغَّر في صالون بيت دينق ألور المتواضع بحُضُور جون قرنق، لأوَّل مرَّة، المرحوم الدكتور عزالدين علي عامر، مبارك الفاضل، ياسر عرمان، وصدِّيق بولاد. بعد نقاشٍ ومداولات، اتفق الحُضُور عن عقد اجتماع مُوسَّع لقُوى التجمُّع في يوليو، إي بعد شهرٍ من ذلك التاريخ، على أن يتم إبلاغ زعيم الحزب الاتحادي الديمقراطي بذلك. طلب د. جون من منصور الاتصال بمولانا الميرغني، الذي كان وقتها مقيماً في مكة، ليتحدَّث معه في الأمر. اتصل به منصور من تلفون دينق بالمنزل، فلم يكن الموبايل قد ظهر في ذلك الحين، وتبادل معه التحايا، ثمَّ قدَّمه إلى د. جون. استمع مولانا إلى تلخيص نتائج اللقاء واتفاق الحاضرين على تنظيم اجتماع مُوسَّع للتجمُّع في يوليو بأديس أبابا، كما طلب منه د. جون أن يختار مُوفده للمُشاركة فيه. الطريف في الأمر، بعد أن أنهى د. جون مكالمته مع مولانا، قال، بابتسامة عريضة: «هسه يا جماعة حُكُم بتاع شريعة شنو في واحد كافر زيي أنا يتكلم بالتلفون مع مكة؟».. فضحكنا حتى بانت نواجذنا.
بالفعل، أيضاً انعقد الاجتماع المُوسَّع المُرتقب في نهاية يوليو 1990، في فندق الـ“غيون” بأديس أبابا، وأوفى مولانا الميرغني بعهده، فابتعث المرحوم الدكتور محمد عثمان عبدالله لتمثيل الحزب الاتحادي الدِّيمُقراطي. شارك في ذلك الاجتماع، الأوَّل من نوعه، مبارك الفاضل وصديق بولاد ونجيب الخير وعبدالحفيظ عبَّاس (حزب الأمة)، سلفا كير وأليجا مالوك ود. منصور وياسر عرمان ودينق ألور (الحركة الشعبية لتحرير السُّودان)، التيجاني الطيِّب وعزالدين علي عامر (الحزب الشيوعي)، الفريق أوَّل فتحي أحمد علي والفريق عبدالرحمن سعيد واللواء الهادي بُشرى (القيادة الشرعيَّة)، بونا ملوال وبيتر نيوت كوك والواثق كمير (شخصيات وطنيَّة).
مبروك