الخروج من الذات لملاقاة الآخر.

الواثق كمير

 

الصديقات والأصدقاء في هذا المِنبر:

إيفاءاً بوعدي بنشر سلسلة المقالات التي أكتب فيها حول د. منصور خالد، وقبل الشروع في ذلك أرغب في تقديمها بكلمات معدودات لكي يفهم القراء مقصد ومغزى هذه الكتابة. هذه المقالات هي بمثابة توثيق لمواقف ووقائع وأحداث جمعتني لأكثر من ثلاثة عقود من الزمان مع د. منصور خالد منذ أن التقيته كفاحاً في أديس أبابا، ومن ثم عرفني بالزعيم الراحل د. جون قرنق في ظهيرة نفس اليوم، وليس توثيق لمنصور فحسب. فهي رواية توثيقية لرحلة جمعتني مع الرجلين تحت مظلة الحركة الشعبية لتحرير السودان التي جذبنا إليها مشروع السودان الجديد الذي بشر به وروج له زعيمها الراحل. اخترت حينذاك، أن ألتحق بدكتور منصور الذي سبقني في رحلة “الخروج من الذات لملاقاة اللآخر” في رحاب الدعوة لبناء دولة المواطنة التي يسع ماعونها جميع السودانيين بمختلف ثقافاتهم وأديناهم وسحناتهم، تجمعهم الحقوق والواجبات المتساوية والمساواة أمام القانون. المقالات عبارة عن رواية توثق للانعتاق من المفاهيم التقليدية وتجاوز البيئة الاجتماعية التي نشأنا في حُضنها لمعانقة الآخر المختلف الذي تجمعنا معه قواسم مشتركة للسمو فوق ما يُفرقنا في سودان جديد يوحدنا جميعا بتعددنا وتنوعنا. فخروجنا هذا لم يُسعد كثير من الناس، حتى من المُقربين، واعتبرها آخرون أيضاً بأنها قفزة في الظلام، ووصفنا البعض ب “الخلعاء” الذين خلعوا مداراتهم الثقافية التأريخية التى تنزع فطريا للغلبة والسيادة، ولوثوا بيئة التفاعل السياسى فى تحالفات غير مدروسة مما حوله إلى ضغينة لا براء منها. ولكني أقول نحن سودانيون يأملون فى التعايش مع سودانيين آخرين يشاركونهم فى المواطنة ويختلفون عنهم فى الثقافة، ويحلمون بهوية “سوداناوية” تتعدد وتتنوع قواماتها، يفخرون بها ويدافعون عنها أمام الآخرين عربا كانوا أم أفارقة.

وبذلك، توثق المقالات أيضاً لسعينا الحثيث مع الزعيم الراحل لمواجهة تحدي بقاء السودان مُوحداً على أسس جديدة وما بذلناه من محاولات على مختلف الأصعدة، حتى الساعة الخامسة والعشرين، عسى ولعل أن يُفضِل السودانيون الجنوبيون خيار الوحدة بدلاً عن الانفصال. بالطبع خاب مسعانا، مع تفهمنا الكامل لنتيجة الاستفتاء على حق تقرير المصير، ولكن لم يمُت حلمنا ولم تغِب عن أذهاننا رؤية السودان الجديد. وما أشدَّ حوجتنا لهذه الرؤية في هذا الزمن الحرج الذي تعيشه البلاد، فالفرصة متاحة الآن لبناء علاقات مؤسسية وهيكيلية قائمة على الاعتمادات المُتبادلة بين دولتي السودان وجنوب السودان تاريخياً واقتصادياً واجتماعياً وأمنياً.

فإلى الحلقات……

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.