الحوار و مهددات الإنتقال الديمقراطى في السودان.(٢-٣)

✍🏿 مقبول الأمين (كوكامي)     

 

في المقال السابق تناولنا فكرة و عملية الحوار كألية سلمية لتحقيق ما تهدف له الاطراف المتحاورة، أي الاطارف المتنازعة حول مركز السلطة من أجل السلام الشامل، و العدالة الإنتقالية، و تضمين مبدأ الحرية و المساواة، و سبل إعادة السلطة للمدنيين من ثم تحقيق التحول الديمقراطي في الدولة السودانية. في هذا المقال سوف نتطرق لنموذج عرض قضية ” السلام و التحول الديمقراطي ” من خلال منبر التفاوض مع الحركات التحررية الثورية و دعاة الديمقراطية، و الذي تتقدم أي تتفضل به أنظمة الحكم الانقلابي هو عرض خداع، فهي تعرض التوقف عن العنف مقابل التوقف عن شن حروب و تتريس الشوارع و القيام بالمظاهرات السلمية التى تمنعهم من تحقيق و الحفاظ على إمتيازاتهم التاريخية، و تجدهم دومآ يبادرون دون أي مساومة إلى إعادة الإعتبار إلى الكرامة الإنسانية و تحرير المعتقلين السياسيين و وقف التعذيب و وقف العمليات العسكرية و الإنسحاب من الحكومة و تسليمها لحكومة مدنية و الإعتذار للشعب السوداني.

عندما يكون نظام الحكم الإنقلابي ضعيفاً و يعاني من وجود مقاومة شعبية ثورية  تقلق مضاجعه فإنهم يود عرض التفاوض على المعارضة الراكزة و قوة المقاومة الثورية  لكي يجرها نحو الإستسلام تحت شعار” صنع السلام و التحول الديمقراطي .” و قد تظهر الدعوة إلى المفاوضات بمظهر جذاب و لكن هناك مخاطر جمة تحيط بها .

بالمقابل عندما تكون المعارضة و قوة المقاومة الثورية قوية و يكون النظام الإنقلابي فعلاً مهدد، نجد أن الحكام الإنقلابيين يسعون وراء التفاوض ايضآ لكي ينقذوا أكبر جزء من السيطرة و الثروة التي لازالت بين أيديهم، يجب على الحركات
التحررية الثورية و دعاة الديمقراطية أن لا تساعد الانقلابيين في كلتا الحالتين.

على الحركات التحررية الثورية و دعاة الديمقراطية أن تدرك أن الحكام الإنقلابيون يصبون مصائدهم في قلب العملية التفاوضية و سبل الحفاظ على إمتيازاتهم التاريخية، و عندما تكون الدعوة إلى المفاوضات في وقت تكون فيه قضايا تتعلق ببنية الدولة و الحريات السياسية على المحك فقد تكون هذه الدعوة محاولة من الإنقلابيين لجر الحركات التحررية و دعاة الديمقراطية نحو الاستسلام بطريقة سلمية بينما يستمر العنف لديهم كواحدة من إستراتيجياتهم التكتيكية، ففي مثل هذا النوع من النزاعات يكون الدور الأمثل للتفاوض في نهاية نضالٍ طويل حاسمٍ يسعى من خلاله الإنقلابيين باتجاه إيجاد ممرٍ آمنٍ إلى أقرب مطار دولي لكي ينجوا بأنفسهم بعد أن انهارت قواهم و اهتزت مواقفهم كما حال الإنقلابيون في الدولة السودانية.

إذا كان هذا الحكم بمثابة تعليقٍ قاسٍ على المفاوضات فربما علينا تعديل بعض الرومانسية المرتبطة بها، فالمطلوب هو تفكير جلي في كيفية عمل المفاوضات، و ذلك لا تعني المفاوضات أن يجلس طرفي النزاع معاً على أساسٍ متساوٍي و يتحدثون و يجدون حلاً للخلافات التي أوجد النزاع بينهم، و هناك حقيقتين علينا أن نتذكرهما :

أولاً لا تحدد العدالة النسبية التاريخية و أهداف الآراء المختلفة فحوى الاتفاقية الناجمة عن المفاوضات.

ثانياً إن قوة وقدرة كل طرف في مخاطبة جزور الأزمة هي التي تحدد فحوى الاتفاقية الناجمة عن التفاوض بنسبة كبيرة .

لذلك يجب علينا أن نأخذ العديد من الأسئلة الصعبة بعين الإعتبار : ما الذي يستطيع أن يفعله كل طرف على حدا فيما بعد للوصول إلى أهدافه إذا فشل الطرف الآخر في الوصول إلى اتفاق على طاولة المفاوضات؟

ما الذي يستطيع أن يفعله كل طرف على حدا بعد التوصل إلى إتفاق في حالة عدم التزام الطرف الآخر بوعوده و إستخدم القوة المتوفرة لديه في تحقيق أهدافه ضارباً بالإتفاقية عرض الحائط؟

اذآ مهم جدا أن لا يكون التوصل إلى تسوية عن طريق التفاوض مبنياً على تقييم صحة أو خطأ القضايا الموضوعة على المحك بغض النظر عن كثرة أو قلة مناقشتها، ففي النهاية تأتي النتائج الحقيقية للمفاوضات من خلال تقييم لأوضاع القوة الحتمية و القوة النسبية للأطراف المتنافسة.

مهم ايضآ معرفة ما الذي تستطيع أن تفعله الحركة التحررية الثورية و دعاة الديمقراطية لضمان أن لا يكون هناك إنكار لأدنى حد من المطالب؟

سوأل مهم و في محل جدل كبير ما الذي يستطيع أن يفعله الإنقلابيون ليبقوا في السلطة و تحييد الحركات التحررية الثورية و دعاة الديمقراطية؟

في حالة التوصل إلى اتفاق فإنه يكون ناجماً عن تقييم كل طرف لكيفية مقارنة القوة و القدرة المتوفرة للطرفين في مخاطبة جزور الأزمة و من ثم إعداد كيفية إنهاء صراع مفتوح و قبول وحضم و تحقيق تطلعات جماهير شعبنا المشروعة.

علينا أن نراعي أيضاً الأمور التي يستطيع كل طرف التنازل عنها من أجل الوصول إلى اتفاق مرضي و ملبي لجماهير شعبنا المناضل، هناك تنازل في المفاوضات الناجحة حيث يحصل كل طرف على ما يصبو إليه و يتنازل بالمقابل عن جزءٍ من أهدافه.

ما هي قوى المناصرة الديمقراطية التي يمكن التنازل عنها لصالح الإنقلابيين إذا كان حكمهم من النوع الدكتاتوري المتعنت أي الغاشم؟

ما هي أهداف الإنقلابيون التي تستطيع الحركات التحررية و الثورية و دعاة الديمقراطية قبولها؟

هل سيقدم الديمقراطيون تنازلاً عن دوراً نص عليه الدساتير الديمقراطية المتعارف عليه، لصالح الإنقلابيون) سواء كانوا حزباً سياسياً أو ثلة عسكرية)؟ أين الديمقراطية في هذا الأمر؟

حتى لو افترضنا أن كل شيءٍ يتعلق بالمفاوضات قد سار على ما يرام، فإنه يبقى السؤال :ما هو نوع السلام الناتج عن المفاوضات؟ هل ستصبح الحياة أفضل أم أسوء مما سيكون عليه الأمر لو استمرت الحركات التحررية الثورية  و دعاة الديمقراطية في للنضال الطويل من أجل الكرامة الإنسانية و الحرية للشعب السوداني الأبي.

نواصل…………

النضال مستمر و النصر أكيد

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.