
الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال- SPLM-N. بيان حول: (تجريم المدنيين تحت زريعة التعاون مع الدعم السريع).
حين تتحول الدولة إلى أداة لمعاقبة الضحية، فإن الصمت خيانة، والمحاسبة ضرورة."
“حين تتحول الدولة إلى أداة لمعاقبة الضحية، فإن الصمت خيانة، والمحاسبة ضرورة.”
الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال، إذ تتابع بقلق بالغ ما يحدث في مدن السودان الكبرى وفي أطرافها، وفي ما يُعرف اصطلاحًا بـ”الأحزمة السوداء” – تلك الأحياء الفقيرة والمهمشة التي يسكنها النازحون والفقراء والعمال والكادحون من مناطق النزاع المزمن – فإنها تدين بأشد العبارات السياسات القمعية والانتقامية التي تمارسها السلطة العسكرية في بورتسودان ومليشياتها التابعة تحت ذريعة “التعاون مع قوات الدعم السريع” خلال فترة سيطرة قوات الدعم السريع على أجزاء واسعة من العاصمة والمناطق الحضرية.
لقد تحوّلت تلك السياسة إلى نمط ممنهج من العقاب الجماعي ضد المهمشين، لا لشيء سوى لكونهم بقوا في منازلهم أثناء القتال، ولم يجدوا سبيلاً للهرب أو النزوح. واليوم، تُداهم الأحياء الفقيرة، ويُعتقل مئات الشباب والنساء، ويُحقق مع المواطنين بتهمة “الإيواء”، بينما لا يجدون من يدافع عنهم في ظل غياب العدالة وانتشار الخطاب الانتقامي المنحاز.
أولاً: الوضع القانوني للمدنيين تحت سلطة الاحتلال أو في مناطق السيطرة المؤقتة
تشدد القوانين الدولية على حماية المدنيين في النزاعات المسلحة، سواء في حالة الاحتلال أو السيطرة الفعلية المؤقتة من قبل قوات مسلحة غير نظامية. ووفقاً للمعايير القانونية الدولية:
* تنص اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، المادة 27، على أن “يجب حماية الأشخاص المدنيين من أي نوع من أنواع العنف أو التهديد أو الإهانة أو الانتقام.”
* تؤكد المادة 75 من البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977 الملحق باتفاقيات جنيف، على أن “جميع الأشخاص الذين يقعون في يد طرف في النزاع… يجب معاملتهم معاملة إنسانية في جميع الأوقات ودون أي تمييز.”
* تُجرّم المادة 33 من اتفاقية جنيف الرابعة جميع أشكال العقاب الجماعي، وتنص بوضوح على أن “لا يجوز معاقبة أي شخص محمي عن مخالفة لم يرتكبها هو شخصيًا، ولا يجوز اتخاذ تدابير جماعية للردع أو الانتقام.”
بناءً على هذه المبادئ القانونية الراسخة، فإن تحميل المدنيين مسؤولية وجود قوات عسكرية في مناطقهم أثناء الاحتلال أو السيطرة المؤقتة يُعد انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني، ولا يمكن تبريره لا أخلاقيًا ولا قانونيًا.
ثانياً: جرائم ممنهجة ضد سكان الأحزمة السوداء
منذ استعادة الجيش لبعض المناطق التي كانت تحت سيطرة قوات الدعم السريع، وخاصة في الخرطوم، وأم درمان، ومدني، والنيل الأبيض، تم تسجيل حالات عديدة موثقة من:
* الاعتقال التعسفي الجماعي لسكان أحياء الحاج يوسف، الجريف غرب، مايو، أم بدة، ود البشير، ودار السلام، والكدرو، وغيرها من المناطق الفقيرة.
* التحقيق مع المواطنين بناءً على تهم “عدم النزوح”، أو “عدم مقاومة قوات الدعم السريع”، وهو منطق مقلوب يعكس ذهنية انتقامية لا تراعي ضعف المدنيين ولا ظروف الحرب.
* انتهاك الحق في المحاكمة العادلة، إذ يُزج بالمتهمين في معتقلات دون توجيه تهم واضحة أو تمكينهم من الدفاع عن أنفسهم.
* استخدام الخطاب العنصري والطبقي، حيث يُوصف سكان هذه الأحياء بـ”الدعمجية”، أو “خونة العاصمة”، في تكرار خطير لنهج التجريم الجماعي الذي طالما عانى منه سكان دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق.
ثالثاً: المسؤولية السياسية والجنائية للسلطة في بورتسودان
إن سلوك حكومة بورتسودان وأذرعها الأمنية والعسكرية، يُشكل:
* انتهاكًا للحقوق الدستورية للمواطنين السودانيين، الذين لا يجوز معاقبتهم جماعيًا أو افتراض تواطئهم بسبب ظروف السكن أو العجز عن النزوح.
* جريمة ضد الإنسانية وفقًا للمادة 7 من نظام روما الأساسي إذا ما ثبت الطابع المنهجي أو الواسع النطاق لهذه الاعتقالات.
* سلوكًا ينتهك واجبات الدولة السودانية بموجب التزاماتها الدولية، ويعرضها للمساءلة أمام المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية.
رابعاً: تجربة إنسانية مشابهة ومقارنة تاريخية
* في تجربة رواندا، تم تجريم استخدام التواطؤ الجماعي كذريعة للإنتقام بعد الإبادة الجماعية، حيث تم التركيز على الأفراد المسؤولين مباشرة لا على القرى بأكملها.
خامساً: مطالب الحركة الشعبية
1. إيقاف فوري لجميع حملات الاعتقال والتحقيق القائمة على الأساس الطبقي والجغرافي بحق سكان أطراف المدن.
2. تشكيل لجنة دولية لتقصي الحقائق حول الانتهاكات الواقعة في الأحياء المهمشة.
3. إطلاق سراح المعتقلين فورًا وضمان تعويضهم قانونيًا ومعنويًا.
4. تجريم الخطاب العنصري والمناطقي الذي يُبرر هذه الانتهاكات ويعيد إنتاج دولة الهيمنة والتمييز.
5. دعوة كل المنظمات الحقوقية الدولية إلى زيارة ميدانية للأحياء المعنية والاستماع لشهادات الناجين من التعذيب والاعتقال.
ختامًا:
إن ممارسات سلطة بورتسودان وجهازها الأمني ليست سوى الوجه الآخر للاستبداد الذي ثأر عليه الشعب السوداني في ديسمبر 2018. فكما لا تُبنى الدول بالعنف، لا تُبنى على جثث المهمشين ودموع الأحياء السوداء. فهؤلاء ليسوا خونة، بل ضحايا مرتين: مرة بيد المحتلين، ومرة بيد الدولة التي كان يفترض أن تحميهم.
الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال.
29 مايو 2028
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.