الترتيبات الأمنية .. هل تكون كعب أخيل الإنتقال السياسي؟
مداميك – الأصمعي باشري: SPLMN.NET
يُعد بند الترتيبات الأمنية لاتفاقية سلام جوبا بين الحكومة الانتقالية والجبهة الثورية من أهم بنود الاتفاقية، إلا أن تنفيذه لم يتقدم، رغم مرور ما يقارب الـ (٩) أشهر من الاتفاق، مما جعل أمر تنفيذه يظهر على السطح بالاتهامات المتبادلة بين طرفي الاتفاقية. وحسب مراقبين؛ هناك عدد من الصعوبات الكثيرة، تتمثل في توفر الإرادة السياسية، وتوفير الميزانية الخاصة لإعادة دمج جيوش الحركات الموقعة على الاتفاقية الأمنية. وفي الوقت نفسه؛ يعتبر محللون سياسيون أن ثمة ثغرات واضحة في بند الترتيبات الأمنية، حفز بعض الحركات للالتفاف بتخضيم قواتها، وتصنيف كوادرها المسلحة، مما أدى إلى تأخير تنفيذ الترتيبات الأمنية، فكيف تبرر الأطراف في الساحة غياب الإرادة السياسة في تنفيذ الترتيبات الأمنية لاتفاق السلام؟!
في ندوة نظمها (مركز أرتكل للصحافة والتدريب)، بالخرطوم، السبت؛ قال الناطق باسم حركة مناوي، إن الجيش والحركات ليسوا السبب في تأخير تنفيذ بند الترتيبات الأمنية، وإنما السياسيون. بيد أنه لم يسم جهة بعينها، في وقت أوضح ممثل حركة العدل والمساواة، سليمان صندل، أن “الإبطاء مقصود، والعقلية العسكرية والأمنية هي السبب”. بينما قال نائب رئيس الحركة الشعبية شمال جناح مالك عقار، ياسر عرمان، إن “الجيش يريده دمجاً بدون هيكلة، والمشكلة ليست مالية كما يروج لها، وإنما غياب الإرادة السياسية لذلك”.
ورد الناطق باسم القوات المسلحة، عابدين الشامي، بالقول إن “الميزانية الخاصة بالدمج وإعادة الهيكلة لم تصدق بعد من وزارة المالية، وهم ليسوا مسؤولين عن توفير ميزانية العملية، وبالتالي لا شأن لهم بالتاخير”.
ويقول الكاتب الصحفي والمحلل السياسي، منتصر إبراهيم: “بند الترتيبات الأمنية سيتأخر أكثر، لأن هناك اختلافاً بين إرادة الاتفاق وإرادة التنفيذ، فالاتفاق سبقته طموحات لتحقيق مكاسب سياسية، ونسج التحالفات والمناورة، والذي سينعكس على التنفيذ بطبيعة الحال”، مبيناً أن التنفيذ تحكمه الاعتبارات الواقعية، وهي أن الترتيبات العسكرية لا تحتمل المحاصصات والوظائف، بقدر ما تحكمها الاعتبارات الهيكلية والوظيفية، وفي حالة الملف العسكري بعد التغيير فكان لزاماً الحديث عن (هيكلة القطاع العسكري) لتكون هناك إمكانية لوضع اعتبارات جديدة مؤسسياً ومنهجياً.
وأوضح أن ملف الترتيبات العسكرية، وهو الاسم الأصح بدلاً عن الترتيبات الأمنية، تحكمه الآن مسارات محددة، إما هيكلة شاملة للقطاع العسكري بما فيه الشرطة تحديداً فرعها المقاتل، ممثلاً في الاحتياطي المركزي، إلى جانب قوات الدعم السريع. وإما تنسيب ودمج حسب حاجة المؤسسات القديمة، مقابل إعلان الحركات المسلحة حل نفسها وتحولها لأحزاب سياسية، أو أن يعمد أحد الأطراف إلى تفكيك الطرف الآخر عبر الحرب، مشيراً إلى أن هذه السيناربوهات ستكون منطقية مع سياق الانتقال إذا تسارعت وتيرة التغيير المطلوبة، وإلا سيبقى وضع الضرر هذا قائماً يهدد فترة الانتقال، والمحك فيه هو مدى القدرات المالية واللوجيستية لدى الأطراف للبقاء فترة أطول، وهذا هو تكتيك القوات المسلحة تجاه الحركات المسلحة في الوقت الراهن.
بدوره؛ يرى الضابط المتقاعد، علي ميرغني، في حديث لـ (مداميك)، أن الترتيبات الأمنية، بثغراتها الواضحة وُضعت أصلاً لكي لا يتم تنفيذها. فمثلاً، وحسب إفادات قائد قوات حركة العدل والمساواة، صندل، مؤخراً؛ تحدث عن أن الترتيبات الأمنية منحتهم مقاعد في هيئة القيادة والأركان ووزير دولة بالدفاع والخارجية، ونائب مدير جهاز الأمن، مع استيعاب ضباط من حركته في قوات الدعم السريع، مبيناً أن الجزئية الأخيرة يُفهم منها أن الدعم السريع سيستمر كقوات نظامية، منفصلة عن الجيش، وهنا تبرز معضلة كبيرة تتقاطع مع وجهات نظر داخلية وخارجية. فداخلياً عبر الزعيم القبلي موسى هلال صراحة عن ضرورة الاكتفاء بجيش واحد. وخارجياً قالت الأمم المتحدة إن كثرة الجيوش في السودان تعرقل الانتقال السياسي.
وأبان ميرغني أن هناك تعقيدات إضافية ستحدث عند انضمام الحلو وعبد الواحد للسلام، وربما تحتاج الترتيبات برمتها لمراجعات شاملة، منوهاً إلى أن المهم هو أن القيادات العليا لكل الحركات لن ترضى بالتخلي عن رتبها ومخصصاتها في سبيل التوصل لجيش قومي واحد، ولكن كم سيبلغ تعداد الجيش بعد انضمام معظم جنود وضباط الحركات الموقعة؟! وهل تستطيع الحركات المسلحة تسريح الجزء الأكبر من قواتها بدون حدوث تفلتات أمنية؟! أو تتحول هذه القوات لحركات جديدة متفلتة تمارس العنف والقتل العشوائي؟!
من جانبه؛ قال الصحفي والمحلل السياسي، خالد طه، لـ (مداميك)، إن عدم تنفيذ الترتيبات الأمنية سيؤدي إلى مشكلات كبيرة، لأن كل العملية مرتبطة بتفاصيل الاتفاق وسقفه الزمني، ومصفوفة الدمج أو التسريح، والشق المتعلق بالجانب اللوجيستي، وتسكين الرتب العليا، وهو ما يأتي بالتعقيد السياسي، بالنظر إلى الأوضاع الراهنة عموماً والتقديرات المرتبطة باتفاقيات أخرى قادمة.
فيما يؤكد الكاتب والباحث في شؤون الحركات المسلحة، عادل أرسطو، أن إنشاء مؤسسات جديدة، أو ذات عقائد جديدة أمر بديهي، وعلى قمة هذه المؤسسات الجيش باعتباره أقواها وأرسخها، مبيناً في حديث لـ (مداميك)، أن الوصول لهذه المرحلة المتقدمة من إعادة بناء البلاد، لا يمكن أن تتم الا تحت مشاركة جماعية، وفق مصالحة وتسوية شاملة يتوافق عليها كل السودانيين بمختلف مؤسساتهم وخلفياتهم.
وأشار إلى أن إعادة الهيكلة وكل قضايا الدولة الجوهرية جذور الحرب والصراع تختلف عن الاتفاقات السياسية بين حركات مسلحة وجيش دولة، وهناك خلط حول المصطلحات، وهل هي إعادة الهيكلة أم الإصلاح؟! ونوه إلى أن الخلاف حول المصطلحات، لكن في النهاية هذا اتفاق سلام محدد بصيغ معينة، ويأخذ طابع حكومة ومتمردين سابقين، الهدف منه إيقاف الحرب، لكن، إعادة هيكلة مؤسسة الجيش والدولة، هو نقاش على مستوى آخر، ومن الصعب أن يتم النص عليه في اتفاق، مؤكداً أنه في النهاية جوهر الدولة المدنية هو أولوية السياسي على العسكري، بحيث لا يوجد مليشيات
حتولع نااااار وانا بقول ليك .