البحث عن روزا

بقلم : أحمد المعتز 

 

روزا اسم علم مؤنث من أصول فرنسية ويعني الوردة… لكن بعض من حمل الاسم على فرنسيته أو في أصله العربي ترك بصمات وآثار جعلت الاسم يفرض أشخاصا محددين اضفوا عليه بريقا وسحرا… الثائرة البولندية المولد والنشاة اليهودية الأصل روزا لوكسمبورغ عاشت حياة عاصفة، اتسمت بالتنقل والترحال والنفي والسجن والتمرد و الاصطدام بالسلطة، هذا العصف كان جزء من سمات العصر الذي ولدت و نشأت فيه… عصر التحالفات الضخمه بين الممالك الاوربيه وسباق التسلح المحموم الذي نتج عنه الحرب العالميه الأولى 1914 – 1918 وقد تزامن ذلك الصراع الذي كلف البشريه 50 مليون قتيل مع صعود الأحزاب الثوريه والاشتراكية الناقمه على الأوضاع الاقتصادية في اوربا والمبشره بفكر جديد مناهض للحرب والتوسع الامبريالي ومنحاز لمصالح الطبقات الكادحه في المجتمعات الاوربيه… من المؤسسين للحزب الاشتراكي الديمقراطي البولندي ولرابطه اسبارتكوس في ألمانيا التي كانت النواة للحزب الشيوعي الألماني وضعت روزا الأسس النظرية لانسنه الماركسية أو الماركسية ذات الطابع الانساني نشاطها السياسي بدأ في المرحلة الثانوية من دراستها ضمن النشاط السري لحركات اليسار في بولندا ضد حكم القياصره الروس ثم اضطرت للهجرة إلى سويسرا حيث درست الاقتصاد والقانون بجامعه زيورخ حصلت على الدكتوراه في الاقتصاد في العام 1898 كانت اطروحتها عن التطور الاقتصادي في بولندا …ثم هاجرت إلى ألمانيا، ما ميز مسيرة روزا لوكسمبورغ هو استقلالها الفكري فكان خلافها مع الانفصاليين البولنديين و رأيها الواضح في الحركات الانفصالية التي لم ترى فيها الا تعبيرا عن الصراع الطبقي، ولم تتفق مع آراء لينين حول الدولة القومية ثم خلافها برفقة كارل ليبنخت مع الاشتراكيين الألمان حول الموقف من الحرب العالمية الأولى ثم نقدها اللاذع لعنف البلاشفه بعد ثورة أكتوبر الاشتراكيه في 1917 وشمل نقدها لينين و تروتسكي.. كل ما سبق يشير إلى عقل حر لا توقفه اي أطر فكرية أو حزبية عن السعي إلى ماهو أكثر إنسانية والدفاع عنه إلى النهايه وكان لها ما أرادت، قتلت على يد القوميين الألمان ضربا بالهراوات وتم إلقاء جثتها في قناة دينفر ببرلين ، نفس ميته الابطال التي بحث عنها جيفارا في أمريكا الجنوبية وفي ادغال أفريقيا.. رأت روزا في الديالكتيك فلسفة ثورية لا تفصل الاقتصاد والسياسة عن التفاعل ولا يفصل الجماهير عن الحركة كتبت (إن كل إنسان بشعر ويفكر ويفعل) وهو رأي ينزع عن الديالكتيك الطابع النخبوي الذي يوسم ادعاءات مثقفي البرجوازية الصغيره وقد جعلت فرضتها أكثر وضوحا في حديثها عن أخطاء الحركات العمالية (إن الأخطاء التي ارتكبتها الحركة العمالية الحقيقيه هي تاريخيا أكثر جدوى وأعلى قيمة من عدم فشل أفضل اللجان المركزية)… في مؤلفها الأبرز “تراكم رأس المال” شرحت روزا لوكسمبورغ الدوافع الاستعمارية للبلدان الرأسمالية، حيث يشكل غزو البلدان الأخرى وتدمير بنيتها الاقتصادية بحيث تصبح بلدان مستهلكة لبضائع الدول الكبرى المخرج الوحيد لمأزق، الإنتاج الضخم الذي يفوق حوجه الأسواق المحلية في تلك الدول. إن اغراق أسواق المستعمرات ذات الاقتصاديات الضعيفة ببضائع الشركات الكبرى يدفعها إلى الاستدانه وعندما تعجز عن سداد ما استدانته. تحصل تلك الشركات على أراض كمقابل للعجز عن السداد. في كتابها “الحزب السياسي، إضراب الجماهير، النقابة العمالية” شددت روزا على أن الجماهير هي التي تصنع التاريخ. وهو قول له ما بعده فمن يصنع التاريخ جدير بأن ينال ثمرة تضحياته لا أن تصب التضحيات في مصلحة النخب تحت مظلة التسويات السياسية بداعي نشر الأمن وتفادي إراقة الدماء َو عادة ما تكون تلك هي الخديعة التي تحافظ بها النخب على مصالح اقتصادية راسخة ومتجذره مع النظام القديم، وفي حديثها عن دور الإضرابات الجماهيرية في حسم الصراع مع السلطة كتبت ( إن الذروة المنطقية و الضرورية للإضراب الجماهيري هي الانتفاضات الشاملة التي يمكن أن تتحقق فقط كتتوبج لسلسلة من الانتفاضات الجزئية التي تهيئ التربة ولذلك تكون هذه الانتفاضات عرضه للتوقف فتره فتبدو وكأنها هزائم جزئية وربما تبدو غير ناضجة أو سابقة لأوانها)الحديث هنا عن النفس الطويل للجماهير الثائرة التي عادة ما ياخذ نضالها شكل الموجات ومن كل تجربه في المواجهة مع السلطة تعيد تنظيم نفسها لتعود أكثر قوة استعدادا لمعركة حاسمة تقوض السلطه القائمة كليا،إن عبارة “الاشتراكيه أو البربرية” التي صدحت بها روزا سيتم تداولها على نطاق واسع في أوساط الثوريين وفي أوساط خصومهم على حد سواء فعالم اليوم لم يختلف في جوهره عن ما عاشته روزا من حيث هيمنة الإمبريالية على مقدرات الشعوب المستضعفه واتساع حجم الهوة التاريخية السحيقه بين شمال الأرض و جنوبها. كتبت المناضلة الامريكيه من أصول أوكرانية رأيا دونافسكيا في العام 1982 وقبل خمسة أعوام من وفاتها كتاب “روزا لوكسمبورغ :تحرر المرأة و فلسفه الثوره لدى ماركس… واعتبرت دونافسكيا أن ديالكتيك التحرر لم يكن ليظهر بالق لولا روزا وهي إضاءة لجانب النضال النسوي في حياة روزا لوكسمبورغ ولكن بالعودة إلى كل مواقف روزا لوكسمبورغ النظرية والعملية نجد أن نزعه الانسنه في الماركسية التي تبنتها دونافسكيا بعد اربع عقود من اغتيال روزا تعود جذورها التاريخية إلى كتابات ومواقف روزا وما دونفسكايا الا الوريث الشرعي لذلك الفكر، إن شعار “الحرية.. هي حرية من يختلف معنا في الفكر ‘الذي نادت به روزا رفعه الطلاب في مظاهرات برلين الشرقيه عام 1988 سبق وأن رفع بصيغه أخرى من قبل مفكر سوداني َلقى نفس المصير وهو التصفية الجسدية من قبل العسكر وان اختلفت إلاسماء والسحنات الا وهو شعار” الحرية لنا و لسوانا “… روزا أو محمود… الأمر سواء…. مجرد أسماء.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.