البحث عن الحقيقة: صدى التوقيع على الميثاق التأسيسي والدستور الإنتقالي للسودان في نيروبي.

بقلم✍️🏽: عبدالرحمن إسماعيل أحمد (أرو التينة).

 

انشغل الرأي العام في الفترة الأخيرة الفائتة بأحداث الاعلان و التوقيع الذي تم في نيروبي على الميثاق التأسيسي والدستور الإنتقالي للسودان، بين قوى مسلحة وأخرى مدنية ومنظمات مجتمع مدني معظمها ولفترات قصيرة كانت متباينة في الرؤى والأفكار وحول كيفية حكم الدولة السودانية إلا أن هذه القوى اعتمدت الحوار في حل القضايا والمشاكل التاريخية التي أزمتها قوى السودان القديم ونخبه إلى أن وصلت لصيغة إتفاق للتوقيع على الوثيقتين المزكورتين أعلاه، و في إنتظار تشكيل الحكومة الموازية لحكومة “بورتسودان”.

وقد أرست هذه القوى الموقعة على الميثاق التأسيسي للسودان و الدستور الانتقالي صفحة جديدة للتحالفات في السياسة السودانية بتجاوزها لمرارات الحرب السياسية و الاقتصادية والاجتماعية التي فرقت بين المكونات القبلية وأوصلتها من مرحلة العنصرية إلى مرحلة الإبادة الجماعية التي قامت بها النخب المسيطرة و المتعاقبة على سدة الحكم في السودان منذ بواكير ما يسمى باستقلال السودان مجازا و المعروفة “بسياسة فرق تسد” قد غلبت هذه القوى مصلحة الوطن على المصلحة الحزبية و المناطقية و الجهوية من أجل وطن يسع الجميع دون تفرقه أو عنصريه و اختارت خيار التحالف لوقف الحرب وانهاؤها بدلا من استمرار ها ودخول البلاد في مرحلة فوضى عارمة…

الذي يتعجب له المرء هو التساؤل الذي يدور في الذهن من قبل الرافضين لهذا التحالف والمعارضين له ؟ لا لشيء إلا لتجريدهم من الانفراد بالحكم و من مواقع إتخاذ القرار في الدولة و السيطرة عليها دون مشاركة الآخرين؛ والاستمتاع بالامتيازات التي ورثوها من قبل المستعمر فكان لابد من الإتفاق على حمايتها بشتى الطرق واهمها القتل والتنكيل و ذلك بغرض “الكنكشة” في السلطة و احتكارها “.

البعض الآخر من هذه الفئه هم الانتهازيين و سدنة المركز الاسلاموا عروبي و المغيبين الذين تمت إعادة إنتاجهم داخل حقل الثقافة العربية والإسلامية وهؤلاء لا تهمهم مصلحة سوى مصالحهم الشخصية و الدفاع عنها حتى وإن كان ذلك على حساب السواد الأعظم من الشعوب السودانية.

فقد ولى زمن الوصايا على الشعوب السودانية وزمن استخدام الضحايا من أبناء الهامش غير المدركين لمصلحتهم و تحشيدهم ضد شعوبهم وقضاياهم العادلة، وولى زمن إتخاذ القرار في الدولة من قبل نخبة أو فئة قليلة على مصاير الناس فما عادة هناك اؤلوية سوى تحكيم العقل للإتفاق على الوقف الفوري للحرب و إدخال المساعدات الإنسانية للمواطنين المتضررين وترتيب واتخاذ الإجراءات اللازمة لإحلال سلام شامل و دائم في السودان.

التجارب الماثلة تؤكد أنه لا يمكن حسم نزاع حول السلطة بالعنف كما ادعى الرئيس المخلوع عمر حسن احمد البشير وسلفه عبدالفتاح البرهان خاصة في ظل تعدد الجيوش “حركات الكفاح المسلحة” في ظل إمكانية تحالفها سياسيا و عسكريا و إنهيار جيش الدولة وتفككه و تخلي الدول الداعمة له؛ ودونكما تجربة جنوب افريقيا ورواندا …، فلابد من الجلوس و التفاوض للوصول لتسوية عادلة و مرضية تحفظ لجميع الأطراف حقوقهم ، فالتعنت غير مجدي في هذه المرحلة التاريخية الحرجة التي يمر بها الوطن فالافضل لحكومة “بورتسودان” الالتحاق بالتحالف التأسيسي للسودان لأنها عجزة حتى اللحظة في أن تحسم الحرب بالعنف والقوة ، كما عجزة عن إدارة حكم الدولة و تلبيت الاحتياجات الأساسية للمواطنين المتضررين من الحرب و السماح “بإدخال المساعدات الإنسانية لهم”؟

إضافة إلى أن هذا التحالف السياسي و العسكري سيستمر بسبب الخطوات الجادة التي خطاها من أجل تأسيس الدولة السودانية و يظهر ذلك من خلال الحلول التي وضعها لمعالجة الجزور التاريخية لمشكلة السودان و الدعم الذي وجده وحظي به على المستوى الإقليمي و الدولي فوجب على السودان القديم ونخبه عدم تفويت هذه الفرصة والتمسك بحسم الحرب بالعنف و عدم التقوقع والتمترس وراء أيديولوجيته التي كشفت وانفضحت و النزول لرغبة الشعوب السودانية و إنهاء معاناتها.

الرافضين للميثاق التأسيسي للسودان و الدستور الانتقالي لا يدركون و لا يريدون للشعوب السودانية أن تنهض و تستقر و تؤسس دولة سودانية رائدة و مؤثره في المحيط الإقليمي وعلى المستوى الدولي و إلا لماذا يرفضون حل المشاكل والأزمات التاريخية التي وردت في الوثيقتين؟ ، هل لأنهم لم يأتوا بالمبادرة و الحلول ؟ أم لأنها أتت من قوى الهامش السوداني ومن قوى و تنظيمات تعتبر عضويتها و قادتها من الذين يحكمون و لا يحكمون؟! ، وتصنيفهم في الدولة مواطنين من الدرجة الثانية و الثالثة ! ، لا يوجد منطق أو مبرر لكل هذا الرفض و الإنكار و الإدانة والحشد ضد هذا التحالف سوى تصنيف المركز للناس في السودان على أساس العرق و الدين و اللون و الجهة…، ليس لأحد الحق بعد تزايد الوعي و قيام الأحزاب المطلبية و حركات المقاومة السودانية التي أدت إلى التراكم النضالي الثوري و الذي بدوره أدى لقيام حركات الكفاح المسلح التحررية في هذه الدولة ان يقرر مصير الشعوب وفقا لإرادته هو، لأن ما جاء في الوثيقتين واضح جدا أن السلطة مصدر مشروعيتها الشعب و يجب أن تكون كذلك بناء على إرادته الحرة دون أية وصايا أو املاءات.

من المؤكد أنه لا أحد يرفض إنهاء الحرب وإحلال السلام العادل والدائم ، و المحاكمات التاريخية العادلة لكل من أرتكب جرائم في حقوق الشعوب السودانية، لأن الحقوق لا تسقط بالتقادم…؟! و لا أحد يرفض أيضا تأسيس دولة ابتداءا من وضع وصناعة مبادئ فوق دستورية ودستور دائم للسودان وسيادة وحكم القانون، أي دولة علمانية ديمقراطية قائمة على الحرية والعدالة والمساواة والوحدة الطوعية المبنية على الإرادة الحرة للشعوب السودانية. إلا من كان يغلب مصلحته الشخصية على مصلحة الوطن.

الذين ينتقدون الحركة الشعبية لتحرير السودان ـ شمال و قيادتها و عضويتها و يبخصون نضالها و يريدون ان ينالوا منها “شيطنة الحركة” يجب ان يراجعوا التاريخ النضالي و الثوري للحركة جيدا و أسباب قيامها و الوثائق الأساسية لها و مواقفها التاريخية و تشخيصها لمشكلات السودان و التي أطلقت عليها في رؤية السودان الجديد الجزور التاريخية للمشكلة السودانية، و بناء على دستور الحركة الشعبية لتحرير السودان ـ شمال ٢٠١٧ وسائل تحقيق مشروع السودان الجديد هي بالترتيب الكفاح المسلح ، الإنتفاضة الشعبية المحمية بالسلاح ، مفاوضات السلام ، إرادة عضوية الحركة الشعبية لتحرير السودان ـ شمال.

ووفقا لذلك نريد أن نؤكد أنه ليس من الحنكة السياسية بمكان و لا من حق أية شخص أن يحدد للحركة و عضويتها و قيادتها و مؤسساتها المختلفة ، أو يقوم مقام الوصي عليها في إتخاذ القرارات أو التحالفات ، أو التفاوض ، أو فرض الإرادة لعضويتها ، سوى الحركة ذات نفسها.

فالحركة وليدة الصراع السياسي السوداني وديناميكيته، إذا و لكل هذا فهي لم تكن من أشعلت الحروب في السودان و لا من صنعت المليشيات ولا أدت إلى قيام الأحزاب المطلبية و حركات الكفاح المسلح، ولا هي التي ارتكبت جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب ، ولا هي من منعت واستخدمت الغذاء كسلاح ضد المدنيين و المواطنين العزل ولا هي من أتت بالإرهابيين و الإسلاميين المتطرفين كي ما يقتلوا الشعوب السودانية ويمثلون بأجسادهم ويشردوهم وينزحوهم ويلجؤهم ويهجروهم … ما بكم أفلا تتعلقون.

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.