الانقلابات.. ردة علي الديمقراطية وتأثيرات خارجية

بقلم:حسين سعد

 

استفاق السودانيون، صباح الثلاثاء، على وقع محاولة انقلاب فاشلة، فيما بادر مجلس السيادة في البلاد إلى إعلان إحباط محاولة الاستيلاء على السلطة، مؤكدا انتصار الثورة التي أطاحت بنظام المدحور في 11 أبريل 2019م في وقت أعلنت فيه القوات المسلحة السيطرة علي محاولة انقلابية فاشلة ، من جانبه أكد رئيس الوزراء السوداني، عبد الله حمدوك، أن لجنة خاصة ستصدر قرارات سريعة لتفكيك نظام الثلاثين من يونيو ،وقال عبد الله حمدوك: “ستصدر قرارات عاجله حقيقيه لتحصين الانتقال”، مشددا على أنه “يجب تعزيز الشراكة الحالية ،وأضاف: “سنسرع الخطي في إكمال هياكل السلطة الانتقالية، كما أشار حمدوك إلى أن “محاولة الانقلاب سبقها تخطيط عبر خلق الفوضى في المدن وإغلاق الطرق في شرق السودان، ونقل التلفزيون السوداني في إعلان مقتضب عن أبو هاجه، المستشار الإعلامي للقائد العام للقوات المسلحة، قوله إنه “تم إحباط محاوله انقلابية للسيطرة على السلطة، والمقابل أكد حمزة بلول الأمير، الناطق باسم الحكومة السودانية، أنه “تمت السيطرة، فجر اليوم الثلاثاء على محاولة انقلابية فاشلة قام بها مجموعة من ضباط القوات المسلحة من فلول النظام البائد، وليست هذه المحاولة الأولى للانقلاب على المرحلة الانتقالية في السودان، فقد أعلنت السلطات السودانية يوم 24 يوليو 2019، اعتقال رئيس الأركان حينها وعدد من كبار ضباط الجيش والأجهزة الأمنية بتهمة الضلوع في محاولة انقلاب يوم 11 يوليو، وقالت السلطات إنها أحبطتها، ونقلت وكالة الأنباء السودانية وقتها عن بيان عسكري أن “الأجهزة الأمنية تمكنت من كشف تفاصيل هذا المخطط والمشاركين فيه وعلى رأسهم الفريق هاشم عبد المطلب أحمد رئيس الأركان المشتركة ،وشملت حملة الاعتقال ضباط من القوات المسلحة وجهاز الأمن والمخابرات الوطني برتب رفيعة بجانب قيادات من الحركة الإسلامية وحزب المؤتمر الوطني واليوم وبعد مرور أكثر من (60) عاما علي إستقلال السودان نعود اليوم مرة أخري طريقة الاستيلاء على السلطة بالقوة العسكرية في واقع محلي واقليمي بالغ التعقيد ،وللوقوف علي تاريخ الانقالابات في السودان نطالع ما كتبه الصحفي اسماعيل ادم في صحيفة الشرق الاوسط تحت عنوان (تاريخ الانقالابات في السودان)وقعت اول محاولة انقلابية في تاريخ البلاد في العام 1957، قادتها مجموعة من ضباط الجيش والطلاب الحربيين بقيادة اسماعيل كبيدة، ضد اول حكومة وطنية ديمقراطية بعد الاستقلال برئاسة الزعيم السوداني اسماعيل الازهري، ولكن المحاولة احبطت في مراحلها الاخيرة،

وفي 17 نوفمبر 1958 نجح أول انقلاب عسكري بقيادة الفريق ابراهيم عبود ضد حكومة ائتلاف ديمقراطية بين حزب الامة والاتحادي الديمقراطي يرأسها مجلس السيادة المكون من الزعيم الازهري ورئاسة الوزارة الاميرلاي عبد الله خليل، وشكل الانقلابيون حكومة عسكرية برئاسة عبود، حكمت البلاد باسلوب شمولي دكتاتوري استمر لمدة 7 سنوات تخللته محاولة انقلاب قادتها مجموعة ضباط اشهرهم احمد عبد الوهاب وعبد الرحيم شنان ومحيي الدين احمد عبد الله، وهي المحاولة الفريدة والوحيدة التي يتم فيها استيعاب الانقلابيين في نظام الحكم بدلا عن اقتيادهم الى المشانق او الزج بهم في السجون في افضل الاحوال، وقد شجع هذا التعامل المرن مع الانقلابيين على تدبير انقلاب آخر ضد عبود قاده الرشيد الطاهر بكر المحسوب على التيار الاسلامي في البلاد، ولكن هذه المرة تعامل نظام عبود معه بالحديد والنار، حيث اعدم 5 من قادته شنقا حتى الموت، وزج بالآخرين في غياهب اعتى سجن في الخرطوم وهو «سجن كوبر» الواقع في الخرطوم بحري. وظل عبود من بعد يحكم في هدوء الى ان اطاحت به في 21 اكتوبر 1964 اكبر ثورة شعبية في تاريخ البلاد لتأتي حكومة ديمقراطية جديدة،وفي مايو 1969م شهدت البلاد اشهر انقلاب عسكري قاده العميد آنذاك جعفر محمد نميري الذي واجه نظامه محاولات انقلابية عديدة فشلت جميعها ، ولكنها حولت العاصمة السودانية الى برك دم، وأشهر تلك الانقلابات كان في 19 يوليو 1971، عرف بانقلاب هاشم العطا، الذي استولى جزئيا على العاصمة الخرطوم لمدة يومين، لكن النميري استطاع ان يعيد سلطته وينصب مشانق للانقلابيين من المدنيين والعسكريين وطالت كلا من زعيم الحزب الشيوعي السوداني آنذاك عبد الخالق محجوب، ومساعده الايمن الشفيع احمد الشيخ، وبابكر النور وآخرين من المدنيين ومن الضباط قائد الانقلاب هاشم العطا وعشرات من الضباط والجنود، وفي العام 1975 وقعت محاولة انقلابية اخرى فاشلة بقيادة الضابط حسن حسين ولقي الانقلابيون على رأسهم المدبر حسين حتفهم رميا بالرصاص أو شنقا حتى الموت،وفي العام التالي وتحديدا 2 يوليو 1976 حاولت القوى السياسية المعارضة لنظام النميري التي كانت تنطلق من ليبيا قلب نظام الحكم، واوكلت المهمة للعميد في الجيش محمد نور سعد بمشاركة واسعة من عناصر المعارضة تسللت الى الخرطوم عبر الحدود مع ليبيا، وقد تعامل نظام النميري مع المحاولة بعنف غير مسبوق، حيث اعدم قائده محمد نور رميا بالرصاص وحول شوارع الخرطوم لمدة يومين الى ساحة معارك مع الانقلابيين اسفرت عن مقتل المئات،ولم يتعرض نظام النميري بعد ذلك لأية محاولة انقلابية الى ان عصفت به ثورة شعبية عارمة في 6 ابريل عام 1985 عرفت بـانتفاضة ابريل ،وفي العام 1989م جاء انقلاب المدحور بمساعدة الاسلاميين في السودان بزعامة الدكتور حسن عبد الله الترابي وحزبه المعروف انذاك بـ«الجبهة الاسلامية القومية». وقد تعرض نظام البشير لعدة محاولات انقلابية خاصة في بداية عهده، اشهرها المحاولة التي عرفت بـ«انقلاب رمضان» في 1990 بقيادة اللواء عبد القادر الكدرو، واللواء الطيار محمد عثمان حامد، وهي المحاولة التي انتهت باعدام «28» ضابطا في الجيش المشاركين فيها بمن فيهم قائدا الانقلاب، الكدرو وحامد ، ووقعت في العام 1992 محاولة انقلاب بقيادة العقيد احمد خالد نسبت الى حزب البعث السوداني وقد حسمها الرئيس البشير عاجلاً وتعرض قادتها الى السجون،وفي العام 200م حدثت محاولة انقلابية نسبت الي حزب المؤتمر الشعبي الذي انشق من حزب المؤتمر الوطني وقتها.

اثار الانقلابات:

نحاول عبر هذه المساحة تلمس تأثيرات الانقلابات علي الواقع الداخلي الهش في السودان وفي القارة السمراء لاسيما شرقها وغربها ومنطقة القرن الافريقي وعقب ساعات من المحاولة الانقلابية الفاشلة في الخرطوم سارع المجتمع الدولي الي أصدار بيانات ادان فيها المحاولة التي تعتبر نكسة في مسار الثورة التي تواجه تحديات عديدة ويامل البعض في ان يطوي السودان صفحة الاستيلاء علي السلطة بالقوة العسكرية، كما يؤثر الانقلاب علي السلطة في السودان بدول الجوار الافريقي والعربي والعالمي لاسيما ان السودان يعتبر دولة مطلة علي البحر الاحمر وقد يتسبب الانقلاب في زعزعة الاستقرار في المنطقة المعرضة لهجمات الجماعات الإرهابية العنيفة المنتمية لتنظيمي القاعدة وداعش، والتي تصاعدت وتيرتها بسبب الأزمات الصحية العامة والاقتصادية المتكررة في العقود الماضية، وتعتبر منطقة القرن الإفريقي من أهم المناطق الجغرافية في العالم، لكونها تتميز بموقع استراتيجي يطل على ممرات مائية هامة، فضلاً عن امتلاكها موارد طبيعية زاخرة، وقربها من مضيق باب المندب المتحكم في البحر الأحمر، مما جعلها محطَّ أنظار العالم لا سيما القوى العظمى. والناحية الغربية للسودان تشير تقارير الي ان منطقة الساحل تنشط فيها أربع جماعات رئيسية مصنفة دوليًّا كمنظمات إرهابية، وهذه الجماعات هي “تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى” التي أُسِّستْ في 2015 وتنشط في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، و”تنظيم الدولة الإسلامية-ولاية غرب إفريقيا” (بوكو حرام) التي تنشط في نيجيريا والكاميرون وتشاد والنيجر، و”جماعة نصرة الإسلام والمسلمين” وهي موالية لجماعة “تنظيم القاعدة في الساحل الإفريقي”.
ويُلاحَظ أن انشغال مالي بشأنها الداخلي ينمِّي انتشار هجمات الجماعات المسلحة في الدول المجاورة؛ إذ شهدت مالي ثاني انقلاباتها في أقل من عام ضد السلطات الانتقالية، في مايو 2021، وتبع هذا الانقلاب تهديدات دولية وعقوبات إقليمية من قبل “المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا” (الإيكواس) والاتحاد الإفريقي، وهي خطوات لها تداعياتها الاقتصادية لكون مالي دولة غير ساحلية تعتمد في التجارة على الدول المجاورة وأخواتها في الإيكواس بل بالرغم من أن فرنسا، الشريك العسكري الرئيسي لمالي، قد استأنفت عملياتها العسكرية المشتركة في مالي بعد تعليقها في مايو الماضي عقب الانقلاب الثاني يواصل المسلحون مهاجمة قرى في إقليم “غاو” وغيرها، وأسفر آخر هذه الهجمات عن مقتل 51 مدنيًّا ومن دول الساحل التي تواجه تصاعد الهجمات العنيفة: دولة بوركينا فاسو، التي يبلغ طول حدودها مع ساحل العاج 545 كم وشهدت ساحل العاج في الأشهر الأخيرة هجمات على مراكز أمنية على طول حدود البلاد مع بوركينا فاسو قُتِل فيها جنود من ساحل العاج وجُرح آخرون. بينما شهدت النيجر هذا العام هجمات دموية مماثلة قُتل إثرها ما لا يقل عن 137 مدنيًّا، وشملت هذه العمليات هجوم 21 مارس/2021 في “تاهوا” جنوب النيجر. وفي شمال شرق نيجيريا وبحيرة تشاد، أدى مقتل “أبو بكر شيكاو” زعيم “بوكو حرام” إلى خلق توازنات جديدة؛ حيث سيطرت “ولاية غرب إفريقيا” على معظم ما تبقى من “بوكو حرام” مع دمج أعضاء جماعة “شيكاو” الناجين إلى “ولاية غرب إفريقيا”. وقد أفادت تقارير بأن “ولاية غرب إفريقيا” والجماعات المتطرفة العنيفة في منطقة الساحل تتعاون مع العصابات الإجرامية للانتشار في مناطق جديدة بما فيها شمال نيجيريا؛ حيث أسفرت أعمال العنف في شمال غرب نيجيريا منذ عام 2020 عن مقتل 1527 شخصًا، بينما أسفرت هجمات “ولاية غرب إفريقيا” (“بوكو حرام”) في شمال شرق البلاد عن مقتل 1508 أشخاص.

الخاتمة:

نعم نحن مع دانة الانقلابات العسكرية وجميع أشكال الاستيلاء على السلطة بالقوة والوسائل غير الدستورية. ولكن علينا التفكير في مظاهر العجز المؤسسي والاختلالات الديمقراطية التي تخلق بيئة مواتية للانقلابات والبحث عن حلول ناجعة لها وهنا يتفق كاتب المقال مع بيان الحزب الشيوعي الذي قال فيه ان الثورة مستمرة والردة مستحيلة واوضح البيان
سبقت المحاولة الانقلابية الأخيرة عدة محاولات انقلابية وتم الاعلان عن التحفظ على قادتها ولم يعلن عن أي محاكمات للجناة. وهذا ما يغري الاخرين للاستمرار بتكرار المؤامرات خاصة قد أصبح الإفلات من العقاب صفة دائمة وطبيعية.
كما يأتي هذا الانقلاب مواصلة لانقلاب 11 ابريل والسير في طريق الدائرة الشريرة. وجدد الشيوعي موقفه الواضح والمبدئي من الانقلابات العسكرية والمدنية وادانته التامة لأي محاولة تقوم بها حفنة من السياسيين او العسكريين للاستيلاء على السلطة وجر البلاد الى الدائرة الشريرة من الانقلابات والحكم العسكري.
وطالب الحزب الشيوعي بضرورة الكشف عن كل الحقائق المرتبطة بالمحاولة الانقلابية الأخيرة ونشرها للرأي العام، وتقديم الجناة الى محاكم عادلة علنية. كما يطالب باتخاذ إجراءات أكثر جدية لتفكيك ركائز النظام خاصة في القوات المسلحة والأجهزة الأمنية وقوات الشرطة. كما نحمل المكون العسكري المسئولية الكاملة جراء تقاعسه في تنفيذ ما جاء في الوثيقة الدستورية بإعادة هيكلة القوات المسلحة والترتيبات الامنية لحل المليشيات. وعلى المكون المدني ان يتحمل كافة المسئوليات وتنفيذ المنصوص عليه في الوثيقة الدستورية بتكوين المفوضيات واستكمال هياكل السلطة وإلغاء كافة القوانين المقيدة للحريات.انتهي بيان الشيوعي

من المحرر..
يتحمل المجتمع الدولي مسؤولية تكرار تلك الانقلابات لعدم اتخاذه إجراءات حاسمة ضد قادته واستهدافهم في المحاكم الدولية باعتبار اقتران الانقلابات دومًا بجرائم حرب وفظائع ضد الإنسانية.
كما إن منفذي الانقلابات يعلمون تمامًا أن كل إجراءاتهم تمرّ بدون عقاب؛ فالإجراءات المتَّبعة في تلك الحالات هي وقف عضوية الدولة في الاتحادات القارية حتى يتم استعادة الديمقراطية، ومن ثَمَّ فإن تلك الحركات الانقلابية حتى وإن خرجت من السلطة تقوم بعمل إجراءات سياسية صورية من أجل استمرار سيطرتها على البلاد بدون أن ينالوا عقابهم ان المشكلة الرئيسية في السودان، وفي معظم دول القارة السمراء، تتعلق بالأساس بالتنمية الاقتصادية وبالحكم الرشيد، فالأمن يتحقق بالعدالة الاجتماعية وبالمساواة بين مختلف الأعراق والأجناس في ظل دولة المواطنة، وكذلك بالحكم الرشيد وتفعيل دور مؤسسات الدول في المساءلة والمراقبة والفصل بين السلطات، وهو الدور الذي يجب أن تقوم به الدول الكبرى، وخاصةً في مناطق الصراعات، ولكنَّ اهتمام تلك الدول بمصالحها واعتباراتها الخاصة دون القِيَم التي تزعم الترويج لها؛ فإنه سيؤدي إلى مزيدٍ من المآسي والمذابح والصراعات، لا سيما في الدول الفقيرة، والتي تنشب فيها الصراعات على أدنى متطلبات الحياة؛ من مسكن ومأكل ومشرب وصراع على المياه ومناطق الرعي، ومن ثَمَّ فإن تلك القضايا يجب أن تكون على أولويات الاتحادات القارية والمنظمات الدولية، بدلاً من النمط الراهن، والذي يعمل في حقيقة الأمر على التشجيع غير المباشر على الانقلابات العسكرية وزيادة معاناة الشعوب في كل مكان.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.