الإعلان التأسيسي بنيروبي وجغلبة سلطة بورسودان(2-3).

✍️🏽 حب الدين حسين إسحاق ( ارسطو)

 

 

تحدثنا في جزئية الأول من مقالنا السابق حول جغلبة سلطة بورسودان من الإعلان التأسيسي بنيروبي وأكدنا بأن دوافع الحقيقية للجلغبة هي الدفاع عن المزاعم المدعاة بالثوابت الوطنية وشرحنا ثلاثة منها-هوية الدولة السودانية التي تختزل جماعات المستعمرة الجوانية أنها عربية وإسلامية وترفض التنوع التاريخي والمعاصر – الحكم المركزي وتمسك بهياكل ابتدعها الاستعمار التركي والإنجليزي وسلب الإرادة السودانية ورفض إعادة النظر فيه- ووحدة القسرية التي صنعها المستعمر التركي 1821 وورثته الجماعة الحاكمة وترفض إعادة النظر فيها أيضا.

 

نواصل في مقالنا هذا إيضاح بقية الثوابت الوطنية للدولة القديمة التي تتمسك بها الفئات المسيطرة وتسع إعلان نيروبي تفكيكها وإعادة تأسيسها من جديد.

 

د- الخدمة المدنية:

تعتبر الخدمة المدنية العمود الفقري لأي دولة، حيث تضمن تنفيذ السياسات الحكومية بكفاءة وبمساواة وعدالة.إلا أن السودان يعاني من عدة اختلالات هيكلية في الخدمة المدنية، ومنذ تاسيس اول خدمة مدنية في السودان واستيعاب السودانين في عام 1947 لمساعدة الموظفين الاستعماريين لأداء أهداف الاستعمارية المتعلقة بالخدمة المدنية وعندما خرج المستعمر تمت عملية سودنة الوظائف بدأت حينها جذور التأريخية للإقصاء والتهميش إجتماعياً وثقافياً وإقتصادياً وسياسيآ ودينيآ ونوعيآ، قد بدأت بلجنة السودنة،وإستأثر أبناء الإقليم الشمالي ونهر النيل علي جملة (788)، وظيفة من جملة (800)، وتم توزيع المتبقي (12)، وظيفة إلي الإقليم الشرقي والجنوبي، بينما حصة دارفور وجبال النوبة وإقليم الفونج الجديدة (النيل الأزرق) كان صفرآ.

برغم ان تعداد الأول في السودان سنة 1956 بينت أن نسبة سكان الإقليم الشمالي هي أقل عددا من حيث عدد السكان مقارنة ببقية الأقاليم التي جاءت إقليم الجنوبي في مرتبة الأولى وإقليم دارفور في مرتبة الثانية ومن ثم إقليم كردفان…الخ.

ولكن الجماعات المسيطرة الذين ورثوا السلطة رفضوا التوزيع العادل للسلطة والثروة ووضعوا موانع هيكلية لمجموعات المستبعدة مما أدى إلى التنمية الغير المتوازنة بابعادها الثلاثة (الجهوي الاثني- التاريخي- الطبقي الماثنن)

هكذا من تسنموا السلطة السياسية واحتكروا آليات العنف المادية في الدولة، خلقوا فوارق اجتماعية واقتصادية وسياسية وإزداد إختلال الموازين، وغياب الأسس العادلة لقسمة السلطة والثروة، بين أقاليم السودان المختلفة من جهة ومكوناتها السكانية والثقافية والدينية والافراد والنوع من جهة أخرى، فقد سيطرت على مفاصل الدولة السياسية والإقتصادية أقلية طفيلية تسمى (الجلابة) مكونة النواة الأولى للنخب السياسية المسيطرة (Dominant Clan)تحت أيديولوجية الإسلاموعروبية وتعيد إنتاج الآخرين داخل تلك الحقل الأيديولوجي، حيث قامت باستقطاب المتسللين طبقيا بإعادة انتاجهم وفصل من جذورهم وإعادة إستخدامهم كاداة لقهر شعوبهم الأصيلة واختراقها لصالح الجماعات المسيطرة.

 

لم تكن لتلك النخبة الحاكمة مفهوم واضح عن الدولة الوطنية وإدارة التنوع، والهوية، وحقوق المواطنة.

 

وكافة توجهات الدولة يتم تنزيلها عبر هؤلاء الموظفين المعروفين في السودان بالافندية فهم مجموعة عبدة ريع الخدمة المدنية، ويمثلون اهم أضلاع دولة سودان القديم وتلعب دور العنف الرمزي في حلبة صراع السياسي في السودان وتشكل أخطر أنواع العنف والهيمنة واستدامة الاختلالات الهيكلية في الدولة.

 

لذا فإن أي محاولة من المهمشين لإصلاح وإعادة هيكلة الخدمة المدنية وإزالة الفوارق والتهميش وعقبات الهيكلية تواجه برفض وجغلبة غير منقطع النظير من قبل الجلابة للحفاظ على هذه الاختلالات ويتباكون باقوال على شاكلة (استهداف خدمة المدنية هي إستهداف للثوابت الوطنية وسيادة البلد).

 

وقد طالبت إعلان نيروبي التأسيسي بناء خدمة مدنية جديدة تقوم على العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص الوظيفية للمواطنين وتلتزم بالشفافية والمهنية وبمعايير الكفاءة في التعيين والتمييز الإيجابي للفئات المهمشة.

 

ه- الدين الإسلامي الأيديولوجي:

يزعم النخبة الحاكمة أن الدولة الدينية الإسلامية وتصوراتها للحياة والدولة والكون هي إحدى ثوابت الوطنية وقاموا بتسييس الدين واستخدامها سياسيآ،خاصة إستغلال نميري والصادق المهدي والحركة الإسلامية للدين ومتاجرة بها في السوق السياسي.

لقد ظلت المجموعات الحاكمة وفي مقدمتها مجموعة الجلابة، تستخدم الدين الإسلامي سياسياً عبر الدعوة لتطبيق الشريعة الإسلامية كحصان طرواده لتهريب أجندتها العرقية والثقافية.

وذلك لتبرير الفوارق بينها وبين المجموعات السودانية المهمشة، ولتكريس إمتيازاتها وهيمنتها الثقافية وسيطرتها على السطلة والثروة والمنافع الإجتماعية الرمزية، مثل السيادة والتفوق والوجاهة.

لذا فقد جلبت الحاكمين في حقبة الإنقاذ الدعم المالي من دول العربية المسلمة بدواعي نصرة الإسلام، والإسلام في مفهوم الجماعات الحاكمة تعني تصوراتهم الذاتية تجاه الإسلام ويتم تأويلها لاغراضهم الخاصة حيث لم يشفع اسلام دارفوريين ومساجدهم الممتدة من اقناع الاعراب والجماعات الإسلامية من إعلان الجهاد ضدهم واحراقهم واستبدالهم بمجموعات عربية وافدة. كما أعلن الحاكمين الجهاد ضد الجنوبيين في حرب الجنوب وصدرت فتوى الجهاد ضد النوبة في الأبيض 1998 تبيح قتلهم.

فالسودان دولة عبودية ونمط اقتصادها قائمة على الريع العشائري لذا يتمسك النخبة صحابة الامتيازات التاريخية بالدولة الدينية وتعتبرها إحدى ثوابت الوطنية وترفض تقديم التنازلات من أجل الدولة العلمانية الديمقراطية، لأن لا يمكن تبرير امتلاكهم للثروة إلا بفقه السادة والعبيد باعتبار عمل العبيد هو لمصلحة ورفاهية السادة وبما ان الدولة العبودية وحدها غير كافي لتبرير وضعيتهم لذا يلجاؤن إلي الدين والشريعة في تبرير الرزق وغيرها من طرق الملتوية.

 

والهدف من إدخالهم الدين في السياسة في السودان من شلة بورسودان هي لأغراض التالية( محافظة على الامتيازات التاريخية- محافظة على اقتصاد الريع العشائري – حفاظ على الاستبداد والعنف وإيجاد مبرر ديني لها- محافظة على الهيمنة الثقافية والعرقية – حماية الاستعلاء العرقي – تعتبر مانع هيكلي لمجموعات المهمشة للصعود للسلطة – حصان طروادة لتهريب الأجندة العروبية- أداة لإعادة الإنتاج المجموعات الأفريقية في الحقل الإسلاموعروبية – تحافظ على الجهل وتجعل السلطة ميتافيزيقية مما يسهل لها الحكم لأطول فترة ممكنة….الخ).

 

وقد أعلن إعلان التأسيسي بنيروبي بصورة واضحة إنهاء الدولة الدينية في السودان وتأسيس الدولة العلمانية الديمقراطية التي تضع حدآ لأغراض المذكورة أعلاه بالاضافة إلى بقية مبررات المربوطة بشروط الدولة الوطنية الحديثة واسئلة الحكم والإدارة التي بطبيعتها علمانية ديمقراطية تفصل المجال الخاص والعام ولا مكانة لاقحام الدين في السياسة.

نواصل

 

N̰âgû Sasaborno N̰âgû Jammba

الخميس 13 مارس 2025م

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.