الإطار النظرى لقضايا المرأة فى السودان الجديد

الأستاذة / بدرية سعيد الطاهر حيمر

 

 كاودا – الاراضى المحررة

مقدمة:

لم يأتى الإهتمام بقضية المرأة فى مشروع السودان الجديد صدفة ، وإنما اتى نتيجة لاهتمام وتبنى المفكرين الأوئل لقضية المرأة وفتح المجال لها للمشاركة فى العمل العام والمساهمة فى تحرير الشعوب المهمشة .ويتمثل ذلك فى أقوال وكتابات أولئك المفكرين بالإضافة الى الإتفاقيات والمباحثات التى وقعتها الحركة الشعبية مع الحكومات او مع القوى السياسية المختلفة ونورد منها على سبيل المثال لا الحصر.مؤسس مشروع السودان الجديد الراحل د. جون قرنق دى مبيور مقولته الشهيرة (المرأة مهمشة المهمشين) كان يعتقد بان التهميش الواقع على النساء اكثر تأثيراًمن أى تهميش وقع على اى فئة من الفئات الاخرى .
ام القائد . يوسف كوة مكى ، كان مهتم أيما اهتمام بتلبية حقوق المرأة ليس بالشعار او القول فقط وانما بالعمل لانه من خلال مسيرته التحررية لاحظ باكرا الفرق بين الثقافتين فيما يتعلق بمسألة المرأة وموقعها بل دورها الذى تقوم به فى المجتمع . عبر عن ذلك قائلا ان المرأة فى المجتمعات الافريقية (الهامش) تقوم باكثر من 60% من العمل ولها مكانة مقدرة سوى انه تنقصها بعض الحقوق الاجتماعية وإنعدام المشاركة السياسية حتى تاخذ مكانها الصحيح فى المجتمع (عندما يتحدث عن نقص الحقوق الاجتماعية والمشاركة السياسية يعنى ذلك الاستبعاد والإقصاء الممنهج الذى تبنته الدولة السودانية ونالت المرأة النصيب الاكبر منه) .
لذا عندما كون المجلس الاستشارى للحركة الشعبية باقليم جبال النوبة فى عام 1992م اشتمل المجلس على ممثلات من النساء لتعزيز المشاركة السياسية الفعلية ، فما خاب ظنه عندما دعى المجلس للإجتماع المشهور باجتماع (دبى ) بغرض الاستمرار فى النضال ام الاستسلام نتيجة للظروف والتحديات التى كانت تمر بها الحركة انذاك ، حسم الاجتماع لصالح الاستمرار فى النضال ويرجع الفضل للنساء المشاركات فى ذلك الاجتماع ومن اشهرهن مريم كومى (مريومة) .(1)
وللعمل على تعزيز دور المرأة فى الدولة السودانية جأءت فى اتفاقية اسمرا للقضايا المصيرية عام 1999م نصت الفقرة (5) (على ان يلتزم التجمع الوطنى الديمقراطى بصيانة كرامة المرأة السودانية ويعترف لها بكل الحقوق والواجبات المضمنة فى المواثيق والعهود الدولية بما لا يتعارض مع الأديان).(2)
بغض النظر عن دور الأديان فى المساهمة فى تاسيس دونية المرأة ألا ان هذه الفقرة أكدت حقيقة أن السودان كدولة فيها تعدد عقائدى كبير او على الاقل دحض فكرة ان مجرد ذكر الدين يخطر فى اذهان الناس (الإسلام) وبالضرورة وضعية المرأة تختلف من عقيدة لاخرى .
كما لعبت ايضا دوراً رئيسياً فى تحسين اوضاع النساء فى السودان على مستوى القانون كما جاء فى دستور السودان الإنتقالى لسنة 2005م . بوضع نسبة 25% كتمييز إيجابى للنساء فى وثيقة الحقوق.(3) وناضلت من اجل إرساء مبادئ الحكم العلمانى الديمقراطى فى السودان الذى من مقتضياته ضمان حقوق الجميع.
ولأن قضية المرأة لا تنفصل عن مشكلات الدولة السودانية التى عانى منها المهمشين بشكل عام والمرأة خاصة . فقضية المرأة على الرغم من الفرصة المتاحة داخل مشروع السودان الجديد إلا إنها مرهونة بمسألة الوعى والأرضية الفكرية التى تناقش منها هذه القضايا واضعين فى الاعتبار الاحادية الثقافية التى ترسخت عبر مجموعة من الممارسات التى تبنتها الايديولوجيا الاسلاموعروبية المسيطرة وفرضها بالقوة على الشعوب الأصلية السودانية.
فمن هذا المنطلق لكى تناقش قضية المرأة من واقع الثقافات الافريقية (تقافت الشعوب الاصلية) ووضعها فى السياق الافريقى هناك مفهومين يجب الوقوف عندهما:
أولاً: البطرياركية أى النظام الأبوي:-
هو نظام إجتماعى يمثل فيه الرجل المجسد للسلطة الأساسية ويكون دوره مركزياً بالنسبة للتنظيم الإجتماعى ، القانونى ، السياسي والاقتصادى حيث يكون للأب السلطة على النساء ، الأطفال والملكية ويدل ذلك ضمنيا على مؤسسات تحكم بواسطة الذكر وينال فيها الأمتياز ، ويعتمد على تبعية الأناث.
ثانياً: المترياكية اى النظام الأمومى :
نظام إجتماعى تمثل فيه المرأة المجسدة للسلطة الأساسية ويكون دورها مركزياً بالنسبة للتنظيم الاجتماعى ، الاقتصادى ، السياسي والملكية…الخ
لأهمية النظام الأمومى فى المجتمعات الافريقية بشكل عام والسودانية بشكل خاص نقف على الجدل الفكرى حول (عالمية النظام الأمومى).
نتطرق فى ذلك لارأء فريدريك إنجليز فى كتابه أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة ، الذى اورد فيه مقالات لويس هنرى مورجان بالاضافة لأراءه الخاصة .
توصل الى نتيجة مفادها ان العالم بأكمله كان أمومياً ولكن حصل ما اسماه الهزيمة التاريخية للنساء اى الانقلاب الذكورى هو تحول النظام كلياً من الامومى الى الابوى
ولكن الدراسات التى قام بها شيخ انتا ديوب فى كتابه (ثقافة أفريقيا السوداء) يرى ان النظرية القائلة بعالمية النظام الامومى غير علمية لان العوالم المختلفة جغرافياً مثل السهوب الأوراسية مواتية للحياة الرعوية أم العوالم الجنوبية وخاصة إفريقيا مواتية للحياة الزراعية وأسلوب الحياة المستقرة.
فبالتالى لا يحتمل ان ينتج نفس أنواع التنظيم الاجتماعى واضعين فى الاعتبار تاثيرات البيئة على الاشكال الإجتماعية والسياسية ، بافتراض أن النظام الامومى نشأة فى الجنوب والنظام الأبوى نشأة فى الشمال.
بالتالى فرضية الانتقال العالمى من أحداهما الى الاخر غير صحيحة خاصة عند تفسير مجموعة من الحقائق على سبيل المثال (ملكية الأرض فى سلطنة الفور) الأرض التى يقطعها السلطان سوى لاحد افراد العائلة او اصهاره او الرعايا فلنساء دور مهم وفعال كم تدل على ذلك مكاتبات السلطان بهذا الخصوص ، وكانت الصيغة كالاتى( من سلطان الفور، الى حضرة كل من يقف على هذه الوثيقة ، وينظر ما فيها من الحقيقة ، من الأمراء والوزراء والملوك وأبناء السلاطين والميارم والحبوبات والقضاة والجباين والشراتى والمكاسين والدمالج وغيرهم من سائر أهل هذه الدولة من ذوى الشوكة)(4) فالميارم والحبوبات متقدمات على القضاة وما يليهم من مراتب فى صنع القرار.
بالاضافة الى (المهر ) فاذا رجعنا الى التاريخ الهندو- أوروبى خاصة عن طريق علم الغويات المقارن كما يورد شيخ انتا ديوب فى الكتاب انف الذكر ، يمكن العثور على شكل واحد فقط من الأسرة هو (الأسرة الابوية) كنظام مشترك بين ( الأريون ، الأغريق، الرومان) قبل انقسامها خاصة التعبيرات اللفظية المتعلقة بالحياة البدوية المشتركة بين جميع هذه المجتمعات. (5) كمجموعة لغوية واحدة مثل تسمية الماشية وغيره.
فهذا يدل على انهم شعب مربى ماشية وأغنام ، على هذا النحو فأن لم يكونوا شبه رحل فهم متنقلين بشكل كبير.
فهذا الوجود الذى أختصر نفسه فى سلسلة من الهجرات الدائمة تم تقليص (الدور الإقتصادى للمرأة ) فكانت مجرد عبء يجره الرجل وراه، باستثناء وظيفتها الإنجابية ، فدورها فى المجتمع البدوى لا شى .
لذا كونها ذات قيمة إقتصادية أصغر يجب أن تترك عشيرتها لتنضم الى عشيرة زوجها فبتالى يجب عليها تعويض الدونية الاقتصادية بالمهر الذى تجلبه لزوجها.
أما فى المجتمعات الافريقية تتلقى المرأة مهرا بدلا من إحضار مهرا لزوجها، لهذا السبب يفسر المهر من الناحية الاجتماعية على أنه ( تعويض أو ضمان يقدمه الجنس الأقل تفضيلاً من الناحية الاقتصادية ) فما زال المهر موجود على الرغم من انتقال المرأة الى عشيرة زوجها ولكن تظل هى الاكثر انتاجاً فوفق قانون الجدل مازالت هناك اشكال من الانظمة الامومية موجودة مثلا فى جبال النوبة عند (الأنقولو).
ولبناء أرضية فكرية تنطلق من الواقع لابد من الوقوف على إشكالات الخطاب النسوى فى السودان القديم:
الخطاب النسوى فى السودان القديم خطاب مبتور لانه ينطلق من وضعيات مشوهة التكوين.
أولاً: تبنى خطاب الحركات النسوية التى نشأت فى أوروبا وأمريكا فى السبعينات ذاك الخطاب الذى ينطلق من واقع الثقافة الاوروبية ذات الطبيعة الأبوية بشكل غير نقدى وتطبيقه على مجتمعات ذات نظام امومى النظام الذى رفضته هذه المجتمعات كما يورد شيخ انتا ديوب ( شهدت الفترة الإيجية رفضا للنظام الاسرى الامومى الذى تاثر به الهنود – الاوروبيون الى حد ما وبما ان هذا النظام يعد ميزة أساسية من ميزات الحضارة الزنجية الزراعية ،فقط بات من المحال الاعتماد عليه فى مسألة التوارث فى دولة اسسها البيض) .
لهذا السبب جاء الخطاب النسوى الاوروبى نتاج لسيطرة ذكورية صارمة لم تكن موجودة فى إفريقيا فبتالى الخطاب اصبح عدائى قائم على فكرة (الرجل العدو) وهى تصوير الرجل باعتباره العدو الأول والأخير للمرأة لذا كرست النسويات جهودهن فى البحث عن سيطرة على الرجال بتنفيذ الإذلال وليس البحث عن مساواة عادلة بين الجنسين
ثانياً: الانطلاق من السودان العربى الاسلامى ، وهى عملية وضع قضايا النساء السودانيات فى قوالب العروبة والإسلام التى تقترب نوعاً ما من الأنظمة الاوروبية من حيث الأنظمة الذكورية الصارمة وتجاهل الارث الثقافى للسودان الافريقى بشكل عام والطبيعة الاموموية للأنظمة الاجتماعية والثقافية فى المجتمعات الافريقيا التى تعلب فيها المرأة دور اساسى وجوهرى، إعتماداً على عربنة السودان وفقاً لعملية إعادة إنتاج الشعوب الاصلية التى تقوم على تفسير اى نشاط افريقى اعتماداً على نشاط مرتبط بالثقافة العربية حتى وان تطلب الامر الاقرار ب (عرب سود) أو (عرب بلون احمر قاتم) [وفق النظرية اللونية السودانية] يجتمعون تحت مسمى العرب.
فصاغت النسوية السودانية خطابها من منطلق الثقافة الأحادية (العربية الاسلامية) فأصطدم عند التطبيق بمجتمع ذو ثقافات متعددة فاصبح خطاب مغترب لا يعبر إلا عن قلة من النساء على الرغم من محاولة التعميم . على سبيل المثال (ثورة ديسمبر) ظهور إمرأة فى وسائل الإعلام الإقليمية والمحلية ترتدى ثوب ابيض ناصع البياض أطلق عليها الكنداكة إيقونة الثورة (ثورة ديسمبر) تدعى (الاء صلاح).
البعد الثقافى للثوب هو رمز لمجموعة محددة من المجموعات الثقافية المتعددة وليس كل النساء فى السودان يرتدين الثوب بقدر ما هو نوع من محاولة التعميم المخل الذى تتبناه المجموعة المسيطرة( الكمبرادورات).
كونه أبيض وهو يدل على تلك المرأة ( السيدة) صاحبة الخدم والحشم أى المرأة الحرة وبالتالى ليس هناك جديد يذكر فى الخطاب النسوى على الرغم من التغنى بدور المرأة ومشاركتها الفعالة فى ثورة ديسمبر بقدر ما ان هناك المزيد من أحادية الثقافة بالاضافة الى إفراغ كلمة (كنداكة) كمفهوم تاريخى له دلالة رمزية وثقافية للمجتمعات الاصلية والنساء خاصة من مضمونه ومعناه الحقيقى.
ثالثاً: هناك ضرورة لمعالجة قضايا المرأة فى السودان من خلال صياغة خطاب نسوى ينطلق من واقع التنوع التاريخى والتنوع المعاصر لكى يستند على الارث التاريخى للنساء السودانيات منذ كوش الى يومنا هذا لان قضايا النساء فى المجتمعات المترياركية تختلف عنها فى المجتمعات البطرياركية والمجتمعات السودانية مجتمعات أمومية فى الأساس لعبت فيها المرأة أدوار تاريخية مهمة كما يقول شيخ انتا ديوب (فقط كان عدد الملكات أكبر فى الفترات الأبعد فى افريقيا السوداء ، عندما أكتسب العالم الهندى – اوروبى قوة عسكرية كافية لمحاولة غزو البلاد القديمة التى أدخلت اليه الحضارة، واجه مقاومة كبيرة لا تقهر من ملكة كانت إرادة النضال لديها تمثل الكرامة الوطنية لشعب ظل ، حتى ذلك الوقت يملى قوانينه على الأخرين، لقد كانت هذه الملكة تعرف باسم (كانداس) من السودان الميروى )
فهكذا مجتمعات لا يمكن ان يكون حق العمل او المشاركة السياسية للمرأة ذات أولية بقدر ما يجب التركيز على الاسباب والعوامل التى أعادة تشكيل المناخ السياسي والاجتماعى الثقافى الذى قادهن الى التراجع من المجال العام والركون الى المجال الخاص وتحديد العقبات والعمل على إزالتها.

المراجع:
1. الطريق الى السودان الجديد (1) يوسف كوة مكى – تحرير وتوثيق / عادل شالوكا
2. جنوب السودان فى المخيلة العربية – د. منصور خالد
3. إتفاقية السلام الشامل بين حكومة جمهورية السودان والحركة الشعبية لتحرير السودان / الجيش الشعبى لتحرير السودان – التاسع من يناير 2005م .
4. المرأة السودانية – ظلمات الماضى وإشراقاته – د. مختار إبراهيم عجوبة
5. ثقافة إفريقيا السوداء – شيخ انتا ديوب – ترجمة د أبكر أدم إسماعيل
6. الامم الزنجية والثقافة – شيخ انتاديوب .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.