الإبادة الثقافية (Cultural Genocide)
ترجمة: أبكر آدم إسماعيل
إن الإبادة الثقافية هي الإفناء المتعمد والممنهج لثقافة شعب ما من قبل مجموعة أخرى من الناس. إن الأسلحة المفضلة للإبادة الثقافية هي الإرهاب الجسدي والعنف والتعذيب النفسي والإغواء. وفي الواقع، فإن الإبادة الثقافية تستلزم دائما إنكار قيمة الثقافة التي يُراد قمعها، وكثيرا ما تسعى إلى الحصول على الإذعان والتعاون النشط من قبل أولئك الذين يُراد تدمير ثقافتهم.
ويتم ذلك في المقام الأول من خلال الدعاية المكثفة والرشوة، مما يجعل الإبادة الثقافية في بعض الأحيان خفية للغاية وأكثر فعالية. بالنسبة إلى الأفارقة، لا يمكن فهم الإبادة الثقافية إلا في سياق التفوق الأبيض. إن معظم تدمير الثقافة الأفريقية حدث بسبب الأسطورة المنتشرة عن التفوق الثقافي الأوروبي المطلق الممنوح من الله وما ترتب عليه من عبء تحضير العالم (أي صياغته في صورة أوروبا). وبالتالي الاضطلاع بتدمير الأشكال الثقافية الأدنى بحماس، مع تحول كبير للثقافة الأوروبية كحصيلة متوقعة ومطلوبة.
لقد تعرض الأفارقة لأول مرة لهجوم واسع النطاق ومنظم على ثقافتهم خلال فترة استعبادهم على الأراضي الأمريكية. لقد وصف الأوروبيون الثقافة الأفريقية بأنها بدائية وهمجية. وقد تم تشريد الملايين من الأفارقة، جسدياً وبقوة من أرضهم الأصلية، للتخلي عن طرقهم الثقافية الأفريقية واعتماد الثقافة الأوروبية.
وقد كان هذا صحيحًا بشكل خاص في مجال الدين والروحانية، حيث تم قبول يسوع المسيح الأشقر ذو العيون الزرقاء وترسيخه داخل الأفارقة “الوثنيين،” بينما تمت مساواة عبادات الآلهة الإفريقية والأرواح الأسلافية بالممارسات الشيطانية والعقوبة عليها بشدة وقسوة.
كان للأفارقة داخل قارة إفريقيا تجارب مماثلة خلال الاستعمار الأوروبي في القرن التاسع عشر وما بعده. في الواقع، خلال تلك الفترة، تم إنشاء العديد من المدارس التبشيرية المسيحية لفرض واعتماد الثقافة الأوروبية والتخلي عن الثقافة الأفريقية. في هذه المدارس، أُجبر الأفارقة على قبول المسيحية علانيةً على الأقل ورفض معتقداتهم وطقوسهم الخاصة. والفشل في القيام بذلك كانت نتيجته الجلد الوحشي والإذلال الصادم.
في أوقات أخرى، كان لا يمكن للأفارقة الحصول على الرعاية الطبية في العيادات التي أقامها المبشرون المسيحيون إلا بعد أن يتخلوا عن دينهم علانية ويعترفوا بأن الإله المسيحي هو الإله الحقيقي الوحيد.
جنبا إلى جنب مع فرض المسيحية جاء فرض الأسماء الأوروبية والمسيحية على الأفارقة. كانت التسمية دائمًا تعتبر ذات أهمية قصوى في الثقافة الأفريقية. في الواقع، يعكس الاسم جوهر الشخص المسمى.
لذلك، عندما فرض الأوروبيون الأسماء أوروبية على الأفارقة، فإنهم قد وجهوا ضربة قاسية إلى الثقافة الأفريقية عن طريق تسجيل الأفارقة في الفضاء التاريخي والثقافي الذي يهيمن عليه الأوروبيون. وعلى نفس المنوال، وُصفت اللغات الإفريقية بأنها قاصرة، ولا تستحق حتى أن يطلق عليها لغات، بل فقط تسمى باللهجات. من غير المستغرب أن يتوقّف الأفارقة عن استخدامها واحتضان اللغات الأوروبية. ومرة أخرى، فإن الفشل في القيام بذلك يُترجم تلقائياً إلى إساءة جسدية ونفسية. كان على الأطفال الأفارقة الذين تم ضبطهم وهم يتحدثون لغتهم الأم في المدرسة أن يرتدوا لافتات مثل “أنا حمار” أو “أنا غبي،” ودفع غرامة و/ أو ارتداء بعض الرموز التي تميزهم كخُطاة.
كان السلاح الأكثر فعالية الذي استخدمه الأوروبيون ضد اللغات الأفريقية هو الرشوة، حيث أن المنح الدراسية والوظائف ذات الأجر الأفضل خلال الفترة الاستعمارية كانت مخصصة لأولئك الذين أظهروا طلاقة في اللغة الأوروبية. هذا، للأسف، يبقى صحيحًا حتى يومنا هذا، وهو مؤشر واضح على أن الإبادة الثقافية مستمرة بلا هوادة. على الرغم من أن العقوبات الوحشية قد لا تكون قائمة بالمرة الآن، إلا أن الأفارقة ما زالوا يتعرضون لضغوط هائلة لمضاهاة الأوروبيين، باسم التحديث والتنمية، اللذين يعتبران عبارات ملطفة للطريقة الغربية للحياة.
في بعض الأحيان، قد يتم تنفيذ الإبادة الثقافية بشكل فعال من قبل المجموعة المضطهَدة بحيث أن العديد من المضطهَدين يستبطنون المنطق العنصري للازدراء الذي تقابل به ثقافتهم. ونتيجة لذلك ، يبدأون في التماهي في ثقافة مضطهِديهم كأنما هي ثقافتهم أو يتمنون، مع التحلل عن ثقافتهم الخاصة. الأفارقة الذين يحملون وجهة النظر هذه لا يظهرون أي اهتمام بتقاليدهم الثقافية والتاريخية ولا يرون فيها أي كفاءة. وبعد أن تم غسل أدمغتهم بالكامل، وبعد قبولهم للأسطورة الأوروبية عن الدونية الأفريقية والتفوق الأوروبي، فإنهم يفخرون بتخليد ثقافة غريبة. هؤلاء الأفارقة قد تم تنزيحهم ثقافيا. قد يكون هذا التنزيح متطرفًا لدرجة أنه يقودهم إلى تدمير ثقافتهم الخاصة.
هكذا كان الحال، على سبيل المثال، في هاييتي، عندما شارك العديد من الأفارقة بفعالية في الحملات العديدة ضد الفودو التي نظمها الفاتيكان ودمروا أشياء طقسية أفريقية مقدسة مثل الطبول، وكل ذلك باسم يسوع المسيح. هذا الاضطراب يمكن ملاحظته أيضًا على المستوى الجمالي، مع وجود العديد من الأفارقة، في القارة وفي الشتات، الذين يستخدمون مواد كيميائية خطرة على جلدهم وشعرهم، أو يخضعون أنفسهم لعمليات مؤلمة ومكلفة، في محاولة غير مجدية ليظهروا كبيض، أو على الأقل أقل سواداً.
ومع ذلك، قاوم العديد من الأفارقة الإبادة الثقافية وظلوا يحافظون على التقاليد الثقافية الأفريقية، وهؤلاء غالباً ما يكونون عرضة للنبذ الشديد. إن التاريخ الأفريقي مليء بأمثلة من الأفارقة الذين يرفضون القبول بأن الثقافة الأفريقية عفا عليها الزمن والمشاركة في تدميرها. تقدم هايتي مرة أخرى مثالا جيدا على ذلك، مع الروح الإفريقية الكاملة، بوعي، وبنجاح من قبل الأفارقة المستعبدين للإطاحة بالعبودية والعنصرية البيضاء والتفوق الأبيض في القرن التاسع عشر. في الولايات المتحدة، رفض العديد من الأفارقة علناً الاستيعاب، الذي هو النتيجة المتوقعة للإبادة الثقافية الناجحة، بينما شجعوا الأفارقة على العودة إلى أفريقيا كمصدر ثقافي لوجودهم. كانت هذه هي رسالة ماركوس غارفي في عشرينيات القرن العشرين ومالكوم إكس وغيرهم من القوميين الثقافيين السود في الستينات. في الآونة الأخيرة، هذه هي رسالة المركزية الأفريقية Afrocentricity.
المصدر:
Encyclopedia of Black Studies, p 209.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.