اعلان المبادئ فوق الدستورية مدخلنا لتأسيس تحالف دحر الانقلاب.. وما بعده (٢)
كتب وائل محجوب
• على الرغم من الهشاشة الواضحة والضعف الذي يبين في المشهد العام للسلطة الانقلابية والتعثر الذي ظل يلازمها منذ انقلابها وحتى اليوم، والذي لم يفلح اتفاق برهان وحمدوك في معالجته، الا انه ينطوي على تحالف للقوى الرجعية هو الأخطر في تاريخ العمل السياسي.
• هذا التحالف يجمع بين القوى العسكرية الانقلابية وتحالف الحركات العسكرية الذي يدعمها، وحواضن شتى من القوى المضادة للثورة والتقدم، وكثير منها خاضعة لدوائر اقليمية ودولية، الى جانب قوى محلية تجمع بقايا النظام البائد العسكرية والمدنية، والهاربين من العدالة من الجنرالات ولوردات الحرب، ومنتهكي حقوق الانسان والفاسدين خلال عهد الانقاذ وطبقة واسعة من اصحاب المصالح الاقتصادية والتجارية التي تعملقت في عهدها المشئوم، وبعض زعماء الادارات الاهلية وشيوخ الطوائف الذين عززوا نفوذهم خلال عهد الانقاذ عبر مختلف اشكال الدعم المادي والحكومي، مع اقسام من القوى السياسية التي كانت جزء من تحالف الحرية والتغيير، والقوى الحليفة للمؤتمر الوطني، وبقايا سلالته السياسية، وكل ذلك يتم بغطاء اقليمي ودولي.
• إن هذه المرحلة بكل تعقيداتها تتطلب حراكا شاملا، يوفر غطاء سياسيا ودبلوماسيا للتصاعد الثوري يمتص كل هذه المخاطر، ومواجهتها بمشروع يفككها ويهزمها سياسيا ويسحب البساط من تحت أقدامها، ويعيد توحيد كافة السودانيين في مواجهتها وفق رؤية شاملة، تحدث اختراقا تاريخيا بتفاهم مسبق مع القوى الرئيسية الحاملة للسلاح، وخلق اصطفاف سياسي ضخم برؤية وتصور لمرحلة ما بعد اسقاط الوضع القائم، ويقدم جبهة سياسية متماسكة وقادرة سياسيا ودبلوماسيا على دعم التصاعد الثوري، والتعبير عنه بمشروع سياسي جماعي، والسبيل لتحقيق تلك القفزة النوعية في تقديري يحتاج لإعلان تاريخي لمبادئ فوق الدستورية تشترك في صياغته جميع قوى الثورة المدنية والسياسية وقوى الكفاح المسلح الداعمة للثورة والرافضة للانقلاب.
• اعلان فوق دستوري يضع موقفا صلبا تجاه القضايا التي تتهدد وحدة وتماسك البلاد وتؤسس للسلام العادل، ويحدث موقفا قطعيا مع ارث سودان ما بعد الاستقلال، ومخلفات الانقاذ الكارثية ومخططات القوى الانقلابية، يقوم على؛
– تجريم المليشيات القبلية ودعم السلم الاهلي ويرفض استمرار الحروب الداخلية، ويقر بالخلل الذي لازم مشروع بناء الدولة، ويتعهد بالمضي في مسار تحكمه العدالة في توزيع الثروة والسلطة بما يضمن اوضاعا خاصة للمناطق المتأثرة بالحرب والأقل نموا.
– يجرم نهب واستباحة موارد البلاد، ويتعهد بالحفاظ عليها وتطويرها.
– يجرم العنصرية ويتفق على تحريمها قانونا ومحاربتها سياسيا واجتماعيا، والتصدي لها كجزء من سياسة الدولة، عبر الاعلام والمناهج التربوية والعسكرية.
– يجرم اقحام الاستقطاب القبلي في العمل السياسي ويحرم هذا الفعل، ويضع حدا نهائيا لتورط الادارات الأهلية في العمل السياسي.
– يرفض الافلات من العدالة والعقاب، واعتبار جرائم الحرب مهددا لوحدة البلاد، يستوجب التصدي لها ومحاصرة مرتكبيها وتقديمهم للعدالة، وإقرار مبادئ التعويض العادل لذوي ضحايا الحروب ومتضرريها.
– يجرم استباحة اراضي وممتلكات ومقدرات البلاد بواسطة الافراد والقوى الأجنبية، وتحصينها بإجراءات قانونية وتشريعية صارمة.
– يجرم انتهاكات حقوق الانسان ويشدد على محاربتها سياسيا واجتماعيا واعلاميا، والتشديد على محاسبة مرتكبيها والتعامل معها باعتبارها جريمة نكراء مخالفة للشرائع الدينية والمواثيق الدولية والمحلية لحقوق الانسان، وكشف كل ما تعرض له اهل السودان ومن انتهاكات جسيمة.
– التعهد بتفكيك التمكين وملاحقة المفسدين ومنتهكي حقوق الانسان واسترداد اموال البلاد المنهوبة.
– التشديد على قومية وحيادية مؤسسات الدولة وأجهزة الخدمة المدنية، ورفض اختراقها حزبيا وسياسيا واعتبار ذلك من الجرائم الوطنية العظمى.
– التوافق على النظام الفيدرالي والعودة لنظام الاقاليم، وإقرار الحكم الذاتي للاقاليم المختلفة بعد المصادقة عليها نيابيا.
– يتفق على فصل الدين عن الدولة وتجريم اقحام الدين في العمل السياسي.
– يتوافق على قومية القوات النظامية العسكرية والأمنية والشرطية، ويجرم اختراقها حزبيا أو سياسيا واقحامها في الانشطة السياسية والاقتصادية.
– التوافق على أسس السلام العادل والشامل، ووضع رؤية شاملة لوقف تبني العمل المسلح وحمل السلاح لتحقيق المطالب.
– معالجة وضعية الحركات المسلحة، بما يشمل تحسين شروط الدمج والتسريح والاستيعاب في المؤسسات المختلفة، وتحسين شروط الحياة للمستبعدين من الخدمة العسكرية.
• هذه رؤوس أقلام لبعض القضايا التي يمكن أن يحملها مثل هذا الاعلان، وفي تقديري أن التوافق عليه سيفتح الباب لقيام تحالف سياسي راسخ، ويقدم بديلا متفقا عليه، ويفتح الباب لانخراط مجموعات من مختلف انحاء السودان دعما له، ويضع الجميع على جبهة واحدة برؤية متماسكة لما بعد اسقاط النظام القائم، والتوافق على هذه القضايا يعبد الطريق للتفاهم حول وثيقة دستورية متوافق عليها، ويكون الوصول بعد ذلك لتحقيقها أمرا ميسورا، بل يمكن ان تشرع لجنة من الخبراء الدستوريين والقانونيين في تنقيح الوثيقة الدستورية الحالية نفسها أو ابتدار مشروع مسودة دستورية بناء على هذا التفاهم، واعداد وثيقة تصاغ بروح ديمقراطية وبما يضمن تثبيت هذه المعاني في بنودها.
• هذا التحالف الذي يجب عليه صياغة هذا الاعلان يضم اصحاب المصلحة الحقيقيين في انجاز أهداف الثورة، ويضم طيفا واسعا يمتد من لجان المقاومة، الى اسر شهداء وضحايا النظام البائد، في كل انحاء السودان مثل ضحايا ٢٨ رمضان واسر شهداء العيلفون وكجبار وبورتسودان ودارفور والنيل الازرق وجنوب كردفان، ومجزرة فض اعتصام القيادة وشهداء ثورة ديسمبر، وكافة تكوينات أسر الشهداء، ومنظمات ضحايا الانتهاكات والتعذيب، وكيانات النازحين واللاجئين جراء الحروب، ومن المتضررين من نظام الانقاذ وهذه جبهة واسعة تمتد من مفصولي الصالح العام في القطاعات المدنية والشرطية والعسكرية، لتنظيمات مقاومة تفكيك المشاريع القومية الزراعية والصناعية، وتشكيلات متضرري السدود، لأولئك الذين انتزعت اراضيهم ومشاريعهم الزراعية الى التنظيمات الفئوية من تحالفات المزارعين والعمال والمهنيين، والتنظيمات المطلبية بجانب القوى السياسية، وحركات الكفاح المسلح وعلى رأسها حركة تحرير السودان بقيادة الأستاذ عبد الواحد محمد نور والحركة الشعبية بقيادة القائد عبد العزيز الحلو، وغيرها من القوى الحريصة على انجاز اهداف وشعارات الثورة.
• وهو في هذه الحالة سيكون تحالفا واسعا ومعبرا عن قطاعات واسعة في مختلف انحاء السودان، واساس قيام هذا التحالف هو هذا الاعلان فوق الدستوري والذي يحمل موقفا حاسما من الانقلاب، ومن النظام البائد وآثاره الكارثية وبتفاهم واتفاق واضح وحاسم حول قضايا الانتقال ما بعد اسقاط الانقلاب، ورؤية كاملة لمبادئ إدارة الدولة، وكيفية التعامل مع قضايا وملفات وتركة النظام البائد الثقيلة في مختلف المجالات.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.